بمرآة الحداثة فلسفة الجمال. تأملات في الفن والوجود
بمرآة الحداثة فلسفة الجمال
فلسفة الجمال في مرآة الحداثة: تأملات في الفن والوجود
“لطالما كان الجمال سؤالًا جوهريًا في الفلسفة.
د. حمدي سيد محمد محمود
يتجلى في محاولات تأطيره ضمن معايير محددة أو في الاعتراف بطبيعته المتغيرة والمتجددة عبر الزمن والثقافات.
في الفلسفة الأوروبية الحديثة والمعاصرة،
اتخذ مفهوم الجمال أبعادًا معقدة تتجاوز كونه مجرد صفة حسية إلى كونه تجربة وجودية، ورمزًا للمعنى،
بل وحتى أداة نقدية ضد السلطة والمعايير الاجتماعية السائدة. فكيف تطورت مفاهيم الجمال في الفلسفات الأوروبية؟
وهل يمكننا اليوم الحديث عن تعريف نهائي للجمال أم أنه سيظل مفهومًا متغيرًا بتغير العصور والتوجهات الفكرية؟
1. الجمال بين الموضوعية والذاتية: جدل فلسفي مستمر
منذ بداية الفلسفة الحديثة، ظهر انقسام واضح بين الفلاسفة حول ما إذا كان الجمال صفة موضوعية في الأشياء أم مجرد إحساس ذاتي.
ديكارت، على سبيل المثال، رأى أن الجمال مرتبط بالعقل، حيث يمكن للعقل تحديد الجمال بناءً على قواعد التناسق والتوازن.
أما كانط، فقد طرح في كتابه نقد ملكة الحكم تصورًا مختلفًا،
حيث اعتبر أن الجمال ليس خاصية في الشيء نفسه، بل هو استجابة ذاتية لكنها تتمتع بطابع عالمي.
فحينما نصف شيئًا بالجمال، فإننا لا نُصدر حكمًا فرديًا محضًا، بل نتوقع أن يشاركه الآخرون معنا.
هيغل، من جانبه، ذهب إلى أن الجمال الحقيقي لا يوجد في الطبيعة بقدر ما يوجد في الفن، لأنه تجلٍ للعقل المطلق وللروح الإنسانية.
وهكذا، تحول الجمال في الفكر الحداثي من كونه صفة حسية إلى تجربة روحية وعقلية في آن واحد.
2. الجمال والحقيقة والخير: هل هناك علاقة ضرورية؟
لطالما ارتبط الجمال في الفلسفات الكلاسيكية بمفاهيم الحقيقة والخير، حيث كان يُنظر إليه كامتدادٍ لهما.
لكن مع ظهور الحداثة، بدأ هذا الارتباط في التصدع.
نيتشه، على سبيل المثال،
رفض الفكرة القائلة بأن الجمال مرتبط بالخير أو بالحقيقة، معتبرًا أن الجمال قد يكون أداة للخـ.. داع، بل قد يكون في بعض الأحيان تعبيرًا عن إرادة القوة.
فالأشياء الجميلة قد تخفي وراءها شرورا أو زيـ.. فا، مثلما يمكن للقبح أن يحمل في طياته صدقًا وقوة لا يمتلكها الجمال التقليدي.
أما الفيلسوف هايدغر، فقد أعاد طرح العلاقة بين الجمال والحقيقة من منظور مختلف،
حيث رأى أن الفن هو الذي يكشف لنا الحقيقة، وليس العلم أو الفلسفة التقليدية.
فالجمال في الفن ليس مجرد مظهر سطحي، بل هو انكشاف للحقيقة الوجودية، وتجربة تضعنا أمام سر الوجود نفسه.
وهكذا تكون بمرآة الحداثة فلسفة الجمال. تأملات في الفن والوجود
3. معايير الجمال: التناسق والانسجام أم شيء آخر؟
لطالما كانت مفاهيم التناسق والتوازن والانسجام في قلب نظريات الجمال،
لكنها لم تعد كافية لتفسير كل أشكال الجمال في الفلسفة الحديثة.
فالحداثة الفنية والفكرية جلبت معها أنواعًا من الجمال تتحدى القواعد التقليدية.
في الفن الحديث، لم يعد الجمال مقتصرًا على الصور المتناسقة والمتوازنة، بل امتد ليشمل الفوضى، والتناقضات الصارخة. مدرسة الفن التجريدي، والسريالية، والدادائية، كلها حاولت تحطـ .
يم الفكرة التقليدية عن الجمال، لتفتح الباب أمام مفاهيم جديدة ترى الجمال في الغريب، والعابر، وحتى في القبح نفسه.
أدورنو، أحد أبرز فلاسفة الجمال في القرن العشرين، رأى أن الجمال التقليدي لم يعد قادرًا على التعبير عن واقع العالم الحديث المليء بالمعاناة والتناقضات،
ولذلك يجب أن يكون الفن صادمًا، غير مريح، بل وحتى قبيحا لكي يعكس الحقيقة الاجتماعية والسياسية للعصر.
4. دور الحواس والعقل في إدراك الجمال
هل الجمال مجرد إحساس حسي، أم أنه تجربة عقلية وروحية؟ هنا نجد اختلافًا جوهريًا بين الفلاسفة.
ديكارت اعتبر أن العقل هو الحكم النهائي على الجمال، بينما كانط رأى أن الجمال هو تجربة حسية لكنها تتطلب نوعًا من العقلنة.
في المقابل، شوبنهاور رأى أن الجمال هو لحظة تحرر من إرادة الحياة، حيث يفقد الإنسان وعيه بذاته ويندمج كليًا في التجربة الجمالية.
أما ميرلو-بونتي، الفيلسوف الظاهراتي، فقد أكد على دور الجسد في إدراك الجمال،
معتبراً أن الجمال ليس شيئًا يُحكم عليه بالعقل المجرد، بل هو تجربة جسدية وحسية بالكامل، تتداخل فيها العواطف والإدراك البصري والحركة.
5. القبح كجزء من الجمال:
رؤية جديدة
مع صعود الحداثة وما بعدها، أصبح القبح جزءًا أساسيًا من مفهوم الجمال.
فبدلًا من أن يكون القبح نقيضًا للجمال، أصبح يُنظر إليه كعنصر مكمل له.
أدورنو رأى أن الفن يجب أن يعكس القبح والمعاناة، لأن العالم نفسه غير جميل، وبالتالي فإن الجمال التقليدي قد يكون مجرد تواطؤ مع الواقع الزائـ . ف.
في السينما والأدب والفن التشكيلي، أصبح الجمال يُستكشف من خلال القبح، كما نرى في أعمال بيكاسو، وفناني التعبيرية، والأدب الوجودي الذي كشف الجمال في العبث واليأس.
من هنا ندلف للقول بأنه: بمرآة الحداثة فلسفة الجمال. تأملات في الفن والوجود
6. الجمال والفن: علاقة معقدة
هل كل ما هو جميل فن؟ وهل كل فن جميل؟
الفلاسفة اختلفوا في ذلك.
أفلاطون كان يرى أن الفن يجب أن يعكس الجمال المثالي، بينما الحداثة الفنية كسرت هذا التصور.
الفن لم يعد يبحث عن الجمال فقط، بل أصبح وسيلة لطرح الأسئلة الفلسفية والسياسية والاجتماعية.
دور الفنان لم يعد مجرد صانع للجمال، بل أصبح خالقًا لمعانٍ جديدة.
فنيتشه رأى أن الفنان هو من يعيد تعريف العالم من خلال رؤيته الخاصة، بينما سارتر رأى أن الفن يحمل مسؤولية اجتماعية في نقد الواقع وتحريكه نحو التغيير.
7. الجمال في الحياة اليومية والمجتمع
لم يعد الجمال مقتصرًا على الفن، بل أصبح جزءًا من الحياة اليومية.
الجمال في الهندسة المعمارية، في التصميم، في الموضة، بل وحتى في الطريقة التي ننظر بها للعالم. لكن هل الجمال له دور أخلاقي؟
فلسفة الجمال الحديثة والمعاصرة تُظهر لنا أن الجمال ليس مفهومًا ثابتًا، بل هو في حالة تغير مستمر.
ما كان يُعتبر جميلًا في الماضي قد لا يكون كذلك اليوم، وما نعتبره قبيحًا اليوم قد يصبح غدًا مصدرًا للإلهام.
الجمال ليس مجرد مظهر، بل هو تجربة فلسفية، شعورية، وجدانية، وفكرية عميقة، تجعلنا نعيد النظر في علاقتنا بالعالم وبأنفسنا.”
وبصورة شاملة بمرآة الحداثة فلسفة الجمال. تأملات في الفن والوجود.تكون خيارا مفضل.
***********
المراجع والمصادر:
مواقع تواصل إجتماعي – ويكيبيديا
ويب طب – رهام دعباس
elitephotoart