🔸الشاعر البليغ أبو العتاهية اختصر الدنيا في ستة أبيات شعرية قائلا :
نأتي إلى الدنيا ونحن سواسية
طفلُ الملوكِ كطفل الحاشية
ونغادر الدنيا ونحن كما ترى
متشابهون على قبور حافية
أعمالنا تُعلي وتَخفض شأننا
وحسابُنا بالحق يوم الغاشية
حور، وأنهار، قصور عالية
وجهنمٌ تُصلى، ونارٌ حامية
فاختر لنفسك ما تُحب وتبتغي
ما دام يومُك والليالي باقية
وغداً مصيرك لا تراجع بعده
إما جنان الخلد وإما الهاوية
اذا أتممت القراءة اذكر النبي بالصلاة

******

تعريف أبو العتاهية
بواسطة: دعاء أبو الرب

محتويات:
١ أبو العتاهية
‏ ٢ مُقتطَفات من حياة أبي العتاهية
‏٣ سبب كُنية أبي العتاهية
‏٤ مذهب أبي العتاهية الشعريّ
‏٥ المراجع

أبو العتاهية هو الشاعرُ أبو إسحق إسماعيلُ بنُ القاسمِ بنُ سويد بن كيسانَ العينيّ،
وهو من قبيلة عنزةَ بالولاء؛ لذلك سُمِّيَ العنزيّ،
‏ و(أبو العتاهية) هي كنيتُه.
‏ وُلِد في العام 747م في قرية عين التمر؛ وهي قرية تقع بالقُرب من المدينةِ،
‏ويُقال إنّها قُربَ الأنبار، وغربيّ مدينة الكوفة،

‏علماً بأنّه قد انتقلَ في صغرِه بصحبةِ أبيه إلى الكوفة
‏ التي جمعت عدداً من العلماء، والمُحدِّثين، والزهّاد المُتعبِّدين،
‏ وفيها عاصرَ عدداً كبيراً من الشُّعراءِ، والعلماء،
ومنهم: علقمةُ بن قيس، والربيعُ بن خيثم، وسفيانُ الثوريّ، وأبو حنيفةَ، وغيرُهم.

مُقتطَفات من حياة أبي العتاهية:
كانت نشأةُ أبي العتاهية مُتواضعةً جدّاً؛ حيثُ صنعَ أهلُه الفخّارَ،

فكان يشاركُهم في صُنعِها، وبَيعِها، يحملُها على ظهرِه في أرجاءِ الكوفة،

وعندما كبُرَت مدينةُ الكوفة، واتَّسَعت، وسادَ الرخاءُ فيها،
ظهرت جماعات بطبعٍ ماجنٍ خليعٍ تنظمُ الشِّعرَ،

حيث كان أهلُ هذه الجماعات يتنقّلون بين مجالسِ اللهو، والفِسقِ، ويوغلون في المفاسدِ من الأمورِ،
علماً بأنّهم أطلقوا على أنفسهم لفظَ الظرف،
وكان منهم:
مطيعٌ بن إياس، ويحيى بن زياد، وحمادُ بن عجرد، وغيرهم،

أمّا أبو العتاهية فقد خالطَهم فترةً، فضلاً عن انضمامِه إلى مجالسِ العِلم، والزُّهد، والعبادة،
إلّا أنّه ما لبث أن بدأَ بنَظْمِ الشِّعرِ الذي أنشدَه على مسامعِ فتيانِ الكوفةِ الذين أُعجِبوا به،
واهتمّوا بروايته، ثمّ أصبح طُلّابُ الأدبِ، والشِّعر يقصدونَه؛ ليُنشد الشِّعرَ لهم،
وكانوا يكتبون أشعارَه على ما يتكسَّرُ من جرارِه الخزفيّة.

انتقلَ أبو العتاهية إلى بغدادَ خلالَ فترةِ حُكم الخليفة العبّاسي المهديّ،
وكان يبلغُ الثلاثين من عمره تقريباً آنذاك، حيث أراد أن يصلَ إلى المهديّ؛
فأصبحَ يمدحه في شعرِه الذي لم يصل إلى الخليفةِ حينها،

ومن الجدير بالذكر أنّ صيته ذاعَ بعد أن اعترضَ عُتبة، وكانت جاريةً لزوجةِ المهديّ،
ولم تُكلِّمه، إذ أمرَت من معها أن يبعدوه عن الطريق، فذاعَ صيتُه منذ ذلك الحين،
وأمرَ المهديُّ باستدعائه، وأصبحَ أبو العتاهية يمدحُه في أشعارِه إلى أن وجدَ نفسَه في مجلسِ الخليفة،

حيث فضَّله على الكثير من الشعراء في ذلك العصرِ، وممّا اشتُهِر به أبو العتاهية في تلك الفترةِ هو حبُّه لعُتبةَ،
والتغزُّل بها في أشعارِه غزلاً رقيقاً.

سبب كُنية أبي العتاهية :
ورد في سببِ تكنيةِ أبي العتاهية بهذه الكُنيةِ أنّ المهدي قال له يوماً:
(أنت إنسانٌ مُتحذلِق مهته)، ومن ثمّ أصبحت هذه الكُنيةُ بمثابةِ لقبٍ مُلازمٍ له،
وقِيل إنّه يُقال للرجل المُتحذلِق: (عتاهية)،

كما يُقال:
(عتاهية) دون الألف، واللام، وقِيل أيضاً إنّه لُقِّب بأبي العتاهية؛
لأنّه كان يحبُّ الشهرةَ، والتَّعَتُّه، والجديرُ بالذّكر أنّ كلمة عتاهية لا تقتصرُ على معنىً واحدٍ فقط،
بل إنّ لها معانٍ عدّة؛ فقد ورد في المعجم أنّ (عَتَه في الشيء)
تعني:
أنّه حرِصَ عليه، وأصبح مُولَعاً به، ووردَ أيضاً أنّ العتاهية مصدر للفعل (عُتِه)،
وهي تعني:
الضلال، والحُمق، كما أنّ التعتُّه هو: الرعونة، والتجَنُّنُ،
وهو مبالغة المرء في مأكلِه، وملبَسِه،
بالإضافة إلى أنّ التَّعَتُّهُ هو:
التَّنَظُّفُ، والتَّجاهُلُ، والتَّغافُلُ، كما ورد أنّ المقصودَ بالرجل العتاهية
هو: الرجل الأحمق المعتوه.

مذهب أبي العتاهية الشعريّ:

‏ زهدَ أبو العتاهية في أيامِ خلافةِ هارون الرشيد، وصار يخالطُ أهلَ العِلم، والصالحين،
ويكتبُ شِعراً في الزهد، والمواعظ،
كما زهدَ في لذّات الدنيا، وأصبح يهابُ الموتَ،

ويذكرُه في شعرِه الذي صار أساساً له واعظاً الناسَ،
والجديرُ بالذكر أنّ شِعرَ أبي العتاهية يتميّز بأصالتِه،

وأسلوبِه غيرِ التقليديّ؛ ولعلّ من أسباب ذلك هو:

نشأتُه في أسرةٍ فقيرة لم تمنحه المقدرةَ على إكمالِ تعليمِه، وتفرُّغه له،
وعَيشُه بين العامّةِ من الناس في الكوفة بشكلٍ خاص،

وحياتُه المُتواضِعةُ في طبقةِ بسيطةٍ بشكلٍ عامّ، ممّا تسبَّبَ في أن يكتسبَ شِعرُه المظهرَ العامّي
الذي سرعانَ ما يأسرُ قلوبَ الناس بغزارةِ معانيه، وقُوّة تأثيرِه.

******

شعره وخصائصه الفنية:

مر أبو العتاهية بمرحلتين متباينتين من حياته هما مرحلة الشباب واللهو ومرحلة الزهد والتقشف،ففي الأولى كانت أغراض الغزل– وهي قليلة جداً – ، وفي المرحلة الثانية

انحصرت اغراضه الشعرية في الحكم والزهديات، وقليل من الرثاء والمدح.

وفيما يلي بعض الأمثلة على اغراض شعره:

الغزل:

يكاد ينحصر غزل أبو العتاهية في وصف معشوقته (عتبة) جارية المهدي ومن ذلك قوله:

إِخوَتي إِنَّ الهَوى قاتِلي
فَيَسِّروا الأَكفانَ مِن عاجِلِ
وَلا تَلوموا في اتِّباعِ الهَوى
فَإِنَّني في شُغُلٍ شاغِلِ
يا مَن رَأى قَبلي قَتيلاً بَكى
مِن شِدَّةِ الوَجدِ عَلى القاتِلِ
بَسَطتُ كَفّي نَحوَكُم سائِلاً
ماذا تَرُدّونَ عَلى السائِلِ
إِن لَم تُنيلوهُ فَقولوا لَهُ
قَولاً جَميلاً بَدَلَ النائِلِ
أَوكُنتُمُ العامَ عَلى عُسرَةٍ
مِنهُ فَمَنّوهُ إِلى قابِلِ

وقوله ”

مَن كانَ يَزعُمُ أَن سَيَكتُمُ حُبَّهُ
أَو يَستَطيعُ السَترُ فَهوَ كَذوبُ
الحُبُّ أَغلَبُ لِلرِجالِ بِقَهرِهِ
مِن أَن يُرى لِلسِرِّ فيهِ نَصيبُ
وَإِذا بَدا سِرُّ اللَبيبِ فَإِنَّهُ
لَم يَبدُ إِلّا وَالفَتى مَغلوبُ
إِنّي لَأَحسُدُ ذا هَوىً مُستَحفِظاً
لَم تَتَّهِمهُ أَعيُنٌ وَقُلوبُ

المدح:

لم يكثر أبو العتاهية من المدح في شعره، فلم ينقل عنه الا القليل الذي خص به بعض خلفاء بني العباس، ومنه قوله في الخليفة هارون الرشيد:

إمام الهدى أصبحت بالدين معنيّا
وأصبحت تسقي كل مستمطرٍ ريّا
لك اسمان شُقَّا من رشادٍ ومن هدى
فأنت الذي تُدعي رّشيداً، ومهديا
إذا ما سخطت الشيءَ كان مُسخطاً
وإن ترضَ شيئاً كان في الناس مرضيّا
بسطتَ لنا شرقاً وغرباً، يدُ العلى
فأوسعتَ شرقيّاً وأوسعتَ غربياً
وَوَشيتَ وَجهَ الأَرضِ بالجودِ والنَّدى
فَاوسعتَ شَرقِياً، وأوسعتَ غَريباً
وَأنتَ أميرُ المُؤمنينَ فَتى التُقى
نَشَرت من الإحسان ما كان مطويا
قضى الله أن يبقى لهارون مُلكه
وَ كان قضاء الله في الخلق مقضيا
تجلت الدنيا لهارون بالرضا
وأصبح نقفور لهارون ذميا

وقال أيضا:

وهارُونُ ماءُ المُزْنِ يَشفي من الصّدى
إذا ما الصّدي بالرّيقِ غَصّتْ حَناجرُهْ
وزَحْفٌ لـهُ تَحكي البُروقَ سُيوفُهُ
وتَحكي الرّعودَ القاصِفاتِ حَوَافِرُهْ
إذا حَمِيتْ شمسُ النّهارِ تَضاحكَت
إلى الشّمسِ فيه بِيضُه وَمَغافِرُهْ
إذا نُكِبَ الإسْلامُ يوْماً بنَكْبَةٍ
فَهارونَ مِنْ بَيْنِ البَريّةِ ثائِرُهْ
ومَن ذا يَفوتُ الموْتُ والموْتَ مُدرِكٌ
كَذا لم يَفُتْ هارونَ ضِدٌّ يُنافِرُهْ

الرثا:

وهو قليل جداً في شعر أبو العتاهية ومنه رثائه في صاحبه علي بن ثابت:

أَلَا مَنْ لِي بِأنْسِكَ يَا أُخَيَّا
وَمَنْ لِي أَنْ أبُثَّكَ مَا لَدَيَّا
طَوَتْكَ صُرُوفُ دَهْرِكَ بَعْدَ نَشْرٍ
كَذَاكَ خُطُوبُهُ نَشْرًا وَطَيَّا
بكيتك يا عليَ بدرِّ عيني
فما أغنى البكاءُ عليك شيَّا
طَوتْكَ صُرُوفُ دَهْرِكَ بعد نَشْرٍ
كذاك خُطوبُه نَشْرًا وطيَّا
لَوْ نَشَرَتْ ثُوَاكَ لِيَ المَنَايَا
شَكَوْتُ إلَيْكَ مَا صَنَعَتْ إلَيَّا
كفَى حُزْنًا بِدَفْنِكَ ثُمَّ أني
نفَضْتُ تُرابَ قَبْرِكَ عن يدَيَّا
وكانَت في حياتِكَ لي عِظَاتٌ
وأنتَ اليومَ أوعظُ منكَ حيَّا

الحكم والزهديات:

وهذا الغرض من الشعر يكاد يكون الأبرز في شعر إبي العتاهية، حتى لقد طغى على مسيرته الأدبية،

فلا يكاد يُعرف إلا به، وقد سخره لخدمة عدد من الموضوعات كالتحذير من الدنيا وعدم الركون إليها،

والتذكير بحتمية الموت، وأنه المحطة الأخيرة لكل كائن على الأرض، وأن الآخرة هي الباقية، مُستخدمًا جملة من الأساليب الشعرية المميزة،

مثل: النداء، والاستفهام، والتعجب، والنهي، والأمر، إضافةً للأساليب الأخرى التي تثير وتشد استماع المُخاطب، دون إشعاره بالملل.

وله بذلك ديوان مطبوع ومشهور. ومما جاء فيه من الحكم المشهورة والمتداولة على الألسن قوله:

وَما الدَهرُ يَوماً واحِداً في اختِلافِهِ
وَما كُلُّ أَيّامِ الفَتى بِسَواءِ
وَما هُوَ إِلّا يَومُ بُؤسٍ وَشِدَّةٍ
وَيَومُ سُرورٍ مَرَّةً وَرَخاءِ

وقوله:

لا تأمن الْمَوْت فِي طرفٍ وَلَا نفسٍ
وَإِن تسترت بالحُجَّاب والحرسِ
وَاعْلَم بِأَنّ سِهَامَ الْمَوْتِ قاصدةٌ
لكلِّ مدرَّع منّا ومتَّرس
مَا بَال دينك ترْضى أَن تدنّسه
وثوبك الدَّهْر مغسولٌ من الدّنسِ
ترجوا النجَاة وَلم تسلك مسالكها
إِنّ السَّفِينَة لَا تجْرِي على اليبسِ

وقوله:

نأتي إلى الدنيا ونحن سواسية
طفلُ الملوك هنا، كطفل الحاشية
ونغادر الدنيا ونحن كما ترى
متشابهون على قبور حافية

وفاته:

توفي أبو العتاهية في بغداد، في 3 جمادى الآخرة سنة 211هـ وقيل 213هـ، 826م.

المراجع والمصادر:

fotoartbook

elitephotoart

اترك تعليقاً