لنحفظ الخبز والملح والزَّاد.حكاية نصف رغيف الخبز والملح بين الشَّامي والبغدادي ..

لنحفظ الخبز والملح والزَّاد

حكايا الأجداد …

قصِّة نصف رغيف الخبز والملح بين الشَّامي والبغدادي …

في قديم الزَّمان ، دخل رجلُ غريب إلى مطعم في الشَّام وطلب رغيف خبز ، أكل نصفه وترك النِّصف الآخر على الطَّاولة وخرج ، وكان يأتي كل يوم ويفعل الأمر نفسه ، فانتبه إلى تصرُّفه رجلُ من أهل الشَّام فاقترب منه ، وبعد السَّلام والتحيَّة ، سأله بكل أدب :

أخي لماذا تأكل نصف الرَّغيف كل يوم وتترك نصفه ، ومن أين أنت أتيت .؟!

فردَّ الرَّجل أنا من بغداد ، ودرت كثير من بلدان العرب ولم أجد للأسف من يحفظ الخبز والملح والزَّاد .
فأنا أحرص على أكل نصف الرَّغيف فقط ، ولا أجد من يستاهل أن يأكل نصفه الثَّاني …

قال له الرَّجل الشَّامي : إذاً أنت اليوم معزوم عندي في البيت …

وجاء الموعد ، وكان الشَّامي يعيش في بيته مع أمِّه وابنة عمِّه المتوفِّى ، الَّتي يحبُّها وأوشك الزَّواج بها …

جاء البغدادي وطرق الباب ، ففتحت له ابنة عم الشَّامي ، ولما رآها فتن بها وبعد الغداء قال البغدادي للشَّامي :
أريد أن أستحلفك بالخبز والملح والزَّاد ألَّا ترد طلبي من الفتاة الَّتي فتحت الباب …
ردَّ الشَّامي :
إنَّها ابنة عمِّي ووالدها متوفِّى …
قال الضَّيف :
أريد أن أتزوَّجها …
لم يستطع الشَّامي الرَّفض ، أو حتَّى توضيح الأمر ، فقال لضيفه مع أنَّه يحبُّها :

هي لك .؟!

سافر البغدادي مع عروسه ليعيشا في بغداد …

بعد فترة من الزَّمن ماتت أم الشَّامي ، وفقر الرَّجل فاضطَّرَّ لبيع بيته ، ليأكل بثمنه وقلَّت النُّقود ، ولم يبق عنده إلَّا شيءٍ يسير ، فقرَّر أن يسافر إلى صديقه وزوج ابنة عمِّه في العراق ، وحين وصل بغداد علم أن صديقه البغدادي أصبح من أثرياء المدينة ولديه قصر فيها ، فتوجَّه إليه وطلب من الخادمة مقابلة صديقه صاحب القصر ، فعادت الخادمة تحمل كيساً من النُّقود الذَّهبيَّة وأعطته إيَّاه …

فقال لها :

أنا أريد مقابلة صديقي أبو فلان ولا أريد مالاً ، ورمى كيس النُّقود ، فانفرطت الليرات الذَّهبيَّة على الأرض وذهب والدُّموع تملأ عينيه …

اكتشف الشَّامي أن نقوده نفدت ، ولم يعد معه ثمن العودة إلى الشَّام ، فأصبح ينام في الشَّوارع وليس لديه شيء سوى الصَّلاة والدُّعاء للباري عزَّ وجل أن يفك كربه ويلهمه الصَّواب …

لم تمر أيَّام حتَّى أتاه رجل كبير وسأله عن حاله ، فقال إنِّي لا أجد قوت يومي وشكا له كل قصَّته …

فعرض عليه الرَّجل أن يعمل معه في التِّجارة ، وفعلاً بدأ الرَّجل الشَّامي يعمل بالتِّجارة ، وتعلَّم جميع أسرارها وأصول الأسواق ، وكل ما يفيده في عمله ، إلى أن أصبح الشَّامي في ثلاث سنوات من العمل الدَّؤوب ، من أثرياء بغداد وبنى قصراً كبيراً ينافس قصر صديقه …

ذات يوم ، جاءت إمرأة كبيرة وطلبت من الشَّامي أن تعمل على خدمته في القصر مقابل معيشتها فوافق ، وكانت له أماً حقيقيَّة ، وبعدها قالت له إن هناك فتـاة فقيرة تريد العمل معها في القصر ، فوافق بقلبه الطَّيب ، وبدأت المرأة تزين الفتاة وتلبسها الثِّياب الجميلة إلى أن رآها الشَّامي صاحب القصر وتعلَّق بها وأحبَّها وطلب الزَّواج منها ، وسهَّلت له الأمور المرأة الكبيرة وتحدَّد موعد الزَّفاف في القصر ، وتمَّ دعوة كبار التُّجَّار والأثرياء إلى الحفل ، لكن فجأة دخل الرَّجل البغدادي قصر صديقه الشَّامي ليلة الزَّفاف ، رغم عدم دعوته .؟!

قال له الشَّامي معاتبـاً أتيت لزيارتك ، فبعثت خادمتك بكيس النُّقود الذَّهبيَّة ، وكأنِّي متسوِّل والآن ماذا تريد ، وحاول أن يطرده من حفل الزَّفاف …

فردَّ عليه البغدادي : عندما أبلغتني الخادمة ، نظرت من شبَّاك القصر ورأيت حالك الَّتي أتيت بها ، فأرسلت لك النُّقود لتصلح بها حالك أمام ابنة عمِّك ، الَّتي زوَّجتني إيَّاها وأنت كنت تحبُّهـا ، وحين وجدت أن كرامتك أبت عليك أخذ النُّقود احترت ماذا أفعل من أجلك …

لكن هل تعلم من الرَّجل الكبير الَّذي علَّمك أصول وأسرار التِّجارة إنَّه أبي …
والمرأة الَّتي تخدمك في بيتك حتَّى الآن هي أمِّي ، واليوم أنا جئت إلى قصرك لأحضر عرس أختي الَّتي ستتزوَّجها …

ثم أشار البغدادي بيده ، فدخلت ابنة عم الشَّامي تجر في يدها طفلاً وطفلة ، واقتربت من ابن عمَّها الشَّامي ، وجلست عند قدميه وجاءت العروس فجلست قربها ، وجلس البغدادي معهم وكذلك فعل الشَّامي ، وهنا أخرج البغدادي من جيبه نصف رغيف وقسمه على الجَّميع …

فأكلوه …

إنَّه الخبز والملح والزَّاد ، ومن الأخلاق الحميدة ألَّا نلقي حجراً في البئر الَّذي شربنا منه ،

وكم نحن بحاجة في هذا الزَّمن لمن يحفظ خبزنا وملحنا وزادنا …

****

المراجع والمصادر:

مواقع تواصل إجتماعي – ويكيبيديا

fotoartbook

elitephotoart

 

اترك تعليقاً