صادق هدايت ومتلازمة الموت والحياة.فلكل شيء بداية ونهاية
صادق هدايت ومتلازمة الموت والحياة
《 سوف نحبُ الموت بعد قراءة هذه الخاطرة 》
الموت يا لها من كلمة مثيرة ومرعبة:
“الموت”:
بمجرد الإشارة إليها يرتجف القلب, وتتلاشى الابتسامة عن الشفتين وتختفي البهجة في الحال,
وتجلب الكابة والاكتئاب وتدفع جميع الوساوس للعقل .
الحياة والموت متلازمان:
فلولا وجود الحياة, ما كان هناك موت.
وكذلك، يجب ان يكون هناك موت ليكون للحياة معنى.
كل شيء، حتى النجم الأكبر في السماء أو أصغر ذرة على سطح الأرض، جميعها ستموت الآن أو لاحقا.
الصخور والنباتات والحيوانات، جميعها تأتي للوجود وستتم إعادة إرسالها بنجاح إلى العدم.
جميعها ستتحول إلى قبضة من التراب وسيطويها النسيان .
وهكذا، تستمر الأرض في الدوران السريع في السماء اللامتناهية، وتجدد الطبيعة حياتها على بقايا الموتى،
تشرق الشمس، تهب گالنسائم، وتملأ الزهور الهواء بالعبير، وتصدح الطيور.
تصبح جميع المخلوقات مهتاجة. تبتسم السماء، وتتغذى الأرض، ويأتي ملاك الموت ليحصد الحياة بمنجله القديم .
إن الموت يتعامل مع جميع المخلوقات بمساواة ويحدد أقدارهم دون تحيز.
ولا يميز بين الغني والفقير، ولا بين الوضيع والسامي.
إنه يضع البشر والنباتات والحيوانات بجوار بعضهم البعض في قبورهم المظلمة .
فقط في المقبرة يتوقف الجلادون والسفاحون عن التصرف بوحشية واستبداد ولا تُنتهك البراءة.
في المقبرة، لا وجود لقاهر ومقهور، ويستلقي الشاب والعجوز في سلام.
ياله من نوم مبهج! لن يرى بعده الإنسان صباح اليوم التالي ولن يسمع مطلقا ما في الحياة من تهديد ووعيد.
إن الموت أفضل مأوى، إنه ملجأ من الآلام والأحزان والمعاناة والقسوة.
فمع الموت، تخمد نيران الشهوة والنزوات:
وتتوقف جميع الحروب والاختلافات والقتل بين البشر ويواري التراب المظلم البارد
كل العنف والصراعات والأنانية داخل القبر الضيق. لو لم يكن الموت موجودا، سيتوق الجميع إليه.
وستصل صيحات اليأس إلى عنان السماء. سيصب كل إنسان غضبه على الطبيعة.
كم ستكون الحياة مريعة ومؤلمة إذا كانت بلا نهاية.
فعندما يستنفد اختبار الحياة الصعب والشاق لهب الشباب المتقد، وعندما تجف بئر الشفقة،
وعندما تغمرنا البرودة والظلمة والقبح، فلا يوجد سوى الموت علاجا لهذا الموقف.
إنه الموت الذي يواري قامتنا المحنية ووجوهنا المجعدة وأجسادنا الواهنة المثقلة بالحزن في مثواها الأخير.
آه أيها الموت، كم تهون من الحزن والأسى في الحياة، وتخفف ما نتحمله من أعباء.
فأنت تضع حدا لمشقة وبؤس التجول، ولحياة الرجال التعساء الواهنين. أنت ترياق للحزن واليأس.
تجعل الدموع تجف. أنت مثل أم رحيمة تحتضن وتهدهد طفلها حتى ينام بعد يوم حافل.
ولست مثل الحياة؛ مؤلم ووحشي. فأنت لا تجر الإنسان للفساد والرذيلة وتلقي به في دوامة لا نهاية لها.
أنت تسخر من وضاعة وخسة وأنانية وبخل وجشع البشر وتخفي أفعالهم البذيئة. من لم يتجرع نبيذك المسموم؟
لقد ابتدع الإنسان صورة مرعبة لك.
فأنت أيها الملاك الرائع يتم التعامل معك بوصفك شيطانًا رجيمًا.
لماذا يخشونك؟ لماذا يضللونك ويتهمونك؟
أنت ضوء لامع، لكنهم يربطون بينك وبين الظلام. أنت ملاك البشارة بالرحمة، لكنهم يستقبلونك بالعويل والصراخ، رغم أنك لست رسول الحداد والنواح.
أنت شفاء للقلوب الحزينة، فأنت تفتح باب الأمل لكل يائس.
أنت تعزية الحزاني واليائسين وتخفف عنهم المعاناة خلال رحلة الحياة.
أيها الموت..
أنت تستحق الثناء.. أنت دائم الأثر .
———————————–
هذه أروع وأصدق خاطرة قرأتها عن الموت, وهي للكاتب الأيراني الكبير صادق هدايت,
مؤسس فن القصة القصيرة في أيران, والذي مات منتحراً عام 1951م.
******
المراجع والمصادر:
مواقع تواصل إجتماعي