التجاوز إلى المحتوى
عبد الحفيظ تقرايت مغربي
عبد الحفيظ تقرايت مغربي .يحول الاشجار الميتة لتحف فنية
عبد الحفيظ تقرايت مغربي
#بورتري
#عبد_الحفيظ_تقرايت
حول الأشجار الميتة إلى تحف فنية نادرة
#حسن_بيريش
(1)
معه تتحول الكائنات الحية إلى شكل آخر أكثر جمالا وسحرا،
وبيديه الفنيتين الماهرتين ينتقل العادي إلى الاستثنائي،
وتغدو الأشياء التي لا تلفت الانتباه مثار دهشة كبيرة، ولمعان عجيب.
بعينيه المدربتين على رؤية الجمال المخبوء، يرسم الحد الفاصل بين أفق اندثار الأشياء ومدار انبعاثها.
وبإزميله المتوشح بالإبداع، يعيد ما تلاشى إلى بعث جديد يكتسي خبء الديمومة وأغوارها.
إنه فنان التحولات، معه تتبدل مصائر الأشياء، بل ويغدو المستحيل ممكنا.
وكل ذلك عبر الفن وحده، الفن الذي يعيد ترتيب المساحة بين البدء والمنتهى، ويهزم فلول التلاشي عبر عنفوان البقاء.
(2)
يسقط الزوال من حسابه، يرفع وثوقه بالصيرورة، يهب عنوانه الدائم:
“الشجرة لا تموت”، ثم يذهب، بكبرياء الحالم، وصبوات الفنان،
نحو النحت على الأشجار الميتة ليحيلها إلى تحف فنية ناطقة بكل إبداعه المرفرف في سماء إعجابنا.
من خشب وحجر، ومن يد وروح أيضا، يؤثث هذا النحات البارع
مشهدنا الجمالي المغربي بقطع فنية يلمع فيها خبء الحياة،
وسيقدر لها أن تعيش بعده كثيرا، وطويلا، بحكم أنه منح عصارة عمره العابر لنبضات أعمارها المقيمة.
وهنا، دعوني أتساءل بإعجاب:
هل كان النحات الدانماركي / العالمي جينس غلشوت (Jans Galschiot)
يقصد التعبير عن جودة النحات المراكشي / العالمي عبد الحفيظ تقرايت، حين قال:
“النحت تكريس للحياة بعد الموت” ؟!
(3)
عبد الحفيظ تقرايت، نحات مراكشي ضاج بحرارة الحياة، مملوء بأنفاس الوجود، ومتفرد حد تسريب طراوة النبض،
وانتظام البقاء، من خارج وفرة الضوء في ذاته إلى داخل سراديب الرسوخ في الكائنات.
إنه يحيي موت الأشياء، ويتحول الرميم بين يدي فنه إلى نبض حياة بين يدي الجمال.
يزاول كل هذا البعث الفني الأرخبيلي، في كل عمل من وحي براعته، عبر آلة بحجم الكف،
ومن خلال وعي بسعة القلب، وبواسطة أفق بشسوع الحياة.
(4)
من سفوح جبال توبقال، هناك حيث ورث فن العلو،
جاء إلينا عبد الحفيظ تقرايت وهو ممهور بنحت الخطى، ومجلو بخطى النحت،
بعد أن صقلته بيئته المراكشية المتفردة، ودربته على الخلق، لكي يكون منذورا لإحياء روح الحركة في السكون.
نهل تجلياته الإبداعية من كبار الصناع التقليديين في مراكش،
وأثرى رصيده الجمالي عبر مرافقته لتشكيليين من عيار خاص،
مما خول له أن يشكل في ذاته مهارات استثنائية منحته تركيبته الفنية الباذخة والمغايرة وغير المندرجة في السائد.
(5)
سحر منحوتاته لا تخطئه العين، ويعثر القلب عليه برمشة تفرد.
وهنا تكمن خواصه الفنية التي تجعل المتلقي على تماس مع روحه قبل فنه.
إننا نعرف – بحدسه فينا – أن هذه المنحوتة أو تلك، هي من بنات جدارته،
ومن أبوة تمكنه، حتى إذا لم يضع توقيع روعته عليها.
لذا، يحق لحبري أن يؤكد أن عبد الحفيظ تقرايت لا يبدع المغاير الحامل لبصمته، فقط،
بل يصنع أفقا جماليا زاخرا بشيم الاختلاف ينفرد به وحده دون أي نظير.
وهنا الروعة، روعة تقرايت.
(6)
أجدني، دوما، أحب أن أصف هذا النحات اللامع بأنه فنان ينسج البهاء في الكائنات،
ومبدع يصنع رؤية جمالية دالة على الغد.
في كل منحوتة له، خاصة على صعيد مهارته الأجلى في النحت على الأشجار الميتة،
نلمس عنده، وعبر جلاء مضيء، تلك القدرة الألمعية على تكريس وعي فني مثير للأمكنة، وعابق بالأزمنة.
وها هي أشجاره العجيبة / منحوتاته الباذخة، المنتصبة روعتها على جنبات الطريق في مراكش،
وفي غيرها من مدن إبداعه، تدلنا على هذا الوعي الفني الغميس، الذي عبره يشتغل بدأب لا يتوقف إلا ليبدأ،
ويبدع بزخم لا يني يزهر ويتجدد.
(7)
عبد الحفيظ تقرايت:
فنان مشروع متكامل، وليس مبدع منحوتة مفردة. لأنه احترف النحت من أفق التراكم النوعي،
لا من مدار الإنتاج الكمي، وهو على وعي كبير بحجم المسافة بينهما،
وهو نفسه أبرزها في مختلف معارضه داخل المغرب وخارجه.
هنا، تحديدا، يكمن سر خاصيتين إبداعيتين يتميز بهما هذا
الفنان المراكشي المتمرس منذ انطلاقته النحتية الخلاقة أوائل سنة 1974.
الأولى: حجم التطور الفني المتواصل في أعماله، سواء على مستوى الأشكال،
التي تمتاز بتنوع مثير للعين المتلقية / اللاقطة،
أو على صعيد الجوهر الجمالي، الذي يزخر بأبعاد تركيبية مدهشة.
الثانية:
درجة التحول المستمر الذي يسم منحوتاته، حد أن كل منجز نحتي له،
ولفرط أفق التجريب الذي يتعاطاه، يعتبر حلما قيد التشكل بالنسبة إلى فؤاده الذي ينحت قبل إزميله.
(8)
لو أنت سألته:
– ما أجمل منجز لك ؟
سيرد بتلقائيته المحببة:
– الأجمل لم أنجزه بعد، إنه قيد حلم !
ربما خبرته العميقة بأنواع الأشجار، وإدراكه البهي لأعمارها، وأشكال ذوبانه في تجليات نموها،
جعله يأخذ جوهر خاصيتها، ويستوعب أن الكمال عبارة عن تراكم خلاق يبدأ بالكل ويصل إلى الجزء.
أصارحكم أنا لم أندهش أبدا، ولم يصبني أي استغراب،
حين عرفت أنه شرع في ممارسة فن النحت وعمره لا يتجاوز 15 سنة !
(9)
تجلس معه، أو بجانبه، فيبهرك حجم بساطته، ويثيرك اختلاف رؤيته،
ويدهشك سلوك الفنان الذي يتبدى في كل حركة من سكناته.
وبمجرد أن تقترب منه،
أكثر فأعمق، سيتجلى إزاء إكبارك، إنسانا بجوهر فنان،
وفنانا بعمق إنسان. وساعتها ستدرك، مثلما أدركت أنا، بأنك في حضرة منحوتة فنية على هيئة رجل !
(10)
لو أردت أن أختزل تجربة النحات الكبير والمتعدد عبد الحفيظ تقرايت في عبارة واحدة جامعة،
لجاز لي أن أكتبها هكذا:
إنه الوفاء للأشجار في زمن خيانتها !!
معرض الصور:
عبد الحفيظ تقرايت مغربي
عبد الحفيظ تقرايت مغربي
تصفّح المقالات