عدنان الشيخ عثمان خطاط سوري.من اهم الخطاطين الكلاسيكيين عربيا وإسلاميا وعالميا.
عدنان الشيخ عثمان خطاط سوري
*جوائزه الدولية 13 في مسابقات الخط العربي.
* أنجز ما يقرب من ثلاثمائة لوحة فنية، ليس فيها أي لوحة منقولة أو مقلّدة.
* أهم عقبة في طريق هواة الخط اصطدامهم بالأساليب القائمة على التعصب.
* الصواب أن يزرع الأستاذ في تلميذه احترام القدماء ( دون تقديسهم).
عدنان الشيخ عثمان:
البداية مع عناوين الكتب المذيلة بخطوط كبار الخطاطين
يعتبر الخطاط عدنان الشيخ عثمان من أهم الخطاطين الكلاسيكيين، ليس على صعيد الساحة السورية فحسب، وإنما على صعيد العالم العربي والإسلامي،
والاهم عربياً وإسلاميا في خط الثلث الجلي الذي يعتبر من اصعب الخطوط العربية وأكثرها رشاقة وجمالاً .
– حصد 13 جائزة دولية خلال مشاركته في مسابقات الخط العربي التي ينظمها مركز ( إرسيكا ) بإستنبول بإشراف منظمة المؤتمر الإسلامي.
– كان أبرزها جائزة المركز الأول في خطي الثلث الجلي والديواني الجلي
** والخطاط عدنان الشيخ عثمان من مواليد حمص عام 1959م،
تلقى من صغره العلوم الشرعية والفقهية، وأحكام تلاوة القرآن الكريم تعلم فن الخط العربي على آثار الخطاطين العظام، واطلع على مدارس الخط العربي الكبرى العربية والتركية والفارسية، فأتقنها علما وعملا ..
ثم اتخذ لنفسه من مجموعها أسلوباً خاصاً مبتكراً .
شارك في العديد من المهرجانات الدولية، ونال مكافأة (ارسيكا ) للتميز في فن الخط الثلث الجلي المتراكب عام 2001م.
وهو فضلا عن كونه خطاطاً مبدعاً يتميز بصوت رخيم،
يملك معرفة سماعية بالمقامات الموسيقية وطرائق الإنشاد الديني إلى جانب كونه أديبا له بصمته الخاصة في ميدان الأدب نثراً وشعراً …
وفي ذلك اللقاء إستعرضنا معه بداياته..
والصعوبات التي يلاقيها دارس الخط هذه الأيام، مرورا بأنواع الخطوط العربية وأجملها وأصعبها والفرق بين الخط في المشرق والمغرب العربيين وبينهما وبين الخط في تركيا وإيران…
وصولاً إلى علاقة الخط العربي بباقي الفنون وبالأخص علاقته بالشعر والموسيقا .
* هل يمكن إعطاؤنا لمحة عن البدايات وكيف تعلقت بفن الخط العربي ؟
– كان لثقافتي الشرعية والقرآنية التي تلقيتها من نعومة أظفاري على كبار علماء حمص أثر كبير في تقويم لساني واكتسابه الفصاحة،
فاختزنت ذاكرتي من أي الذكر الحكيم والحديث الشريف ما قدر لها، مما حبب إلي فنون اللغة العربية،
فحفظت من عيون نثرها وشعرها كما كبيرا ،
ووعيت ذلك كله شرحاً وإعرابا وبلاغة وصورا بيانية..
الأمر الذي مهد أمامي الطريق لدخول محراب فن الخط العربي فكانت فصاحة اللسان جواز سفري إلى فصاحة اليد، وأنت تعلم أن القلم أحد اللسانين،
وان اللغة تؤدى بلسان النطق تارة.. وبلسان القلم تارة أخرى .. وكان والدي – رحمه الله – رساماً بارعا في فنون الزخرفة الإسلامية،
فتعلمت منه الأناة والإتقان، وشجعني على الإبحار في محيط فن الخط العربي.. هذا الفن الذي استغرقت في عشقه حتى التصوف،
فملك علي مشاعري واستولى على مجامع قلبي واستأثر بكلية عواطفي وجوارحي .. فسلكت الطريق إليه (عصاميا ) من دون أستاذ مباشر ..
وكانت البداية مع عناوين الكتب المختلفة الموضوعات والمذيلة بخطوط كبار الخطاطين الراحلين
من أمثال الأساتذة:
( ممدوح الشريف بدوي الديراني سيد إبراهيم حسني البابا ) ..
فكنت أحاكيها ( رسما ) ..
ولما بلغت الثانية عشرة أهداني أحد أصدقاء الوالد كراسة قواعد الخط العربي للأستاذ: هاشم البغدادي..
فطار طائر عقلي فرحا بها، وانتفضت لها كما انتفض العصفور بلله المطر..
ما أشبه سروري آنذاك بها بسرور الأرض الجرداء بقطرة الماء المنعشة بعد طول ظمأ وجفاف.. ومع تعاقب الليل والنهار وطي الأشهر والسنوات تتالت علي المراجع الخطية المتعددة العربية والتركية والفارسية،
فدرستها جميعاً دراسة مستفيضة نظرية وعملية، وقارنت بين مختلف المذاهب والمشارب واتخذت لنفسي من منتخب مجموعها أسلوباً خاصاً مبتكراً،
ذلك أنني اعشق الأساليب جميعاً، ولا أميل إلى مدرسة بعينها .. ولا أتعصب لأسلوب بذاته ( لأن الكمال لله وحده فكنت آخذ من الجميع ،ما يستهويني وأستبعد منهم ما لا يقع مني موقع الشغف والكلف.
* وما هي أهم الصعوبات التي يلاقيها دارس الخط ؟
– إن أهم عقبة تقف في طريق هواة الخط ومتعلميه هي اصطدامهم بالأساليب التعليمية القائمة على التعصب الأعمى
لبعض الرواد الراحلين والمحاكاة المتزمتة (المملة)
لأعمالهم (دون سواهم) ،
فيوهم الأستاذ ( المتزمت) تلامذته أن ( الراقم وسامي وشوقي مثلا )
عمالقة لا مطمع لأحد – مهما بلغ – في الوصول إليهم أو مقاربتهم إلى يوم الدين، (وهذا هو الضلال بعينه)…
وهو مما يقتل روح الإبداع لدى المتعلم، ويحرمه ثقته بنفسه وبقدراته ويشل لديه الشخصية ( الانتقائية)، ويجعله تابعاً – عديم الحيلة . لمن يمشق عليه، فلا يستطيع التحرر منه طول حياته..
بل إن هذا المتعلم ( المسكين) يصبح قصارى أمله أن يشبه خطه خط أحد أولئك الرواد – ولو في حرف – إرضاء لأساتذته وللتيار العام..
ومع بالغ الأسف فإن هذه الطريقة (العقيمة) هي السائدة اليوم، وهي قد تخرج خطاطين (متقنين)..
ولكنها لا تستطيع أن تخرج خطاطا (مبدعا) بأي حال من الأحوال.
والصواب – كما أرى – أن يزرع الأستاذ في تلميذه احترام القدماء دون تقديسهم)، وان ينمي في شخصيته بذرة الثقة بالنفس بحيث لا يرى التلميذ نفسه أقل شأنا من أولئك الرواد، يرافق ذلك – طبعاً اتهام دائم للنفس بالتقصير وعمل دؤوب على إحراز التقدم يوماً بعد يوم.. ويجب أن يترك التلميذ حرا في اختيار من يحاكي خطه من الرواد الأعلام وان لا يحصر التلميذ موهبته في محاكاة أحد الأعلام، بل ينتقل كالفراشة بين مختلف الأزهار.. واهم من ذلك كله تغذية العقل والعين ثم اليد .. فيمشق المتعلم بعقله وقلبه مائة مرة … وبعينه عشرا قبل أن يمشق بيده مرة واحدة.
* هل يمكن إعطاء لمحة عن تطور الخط العربي ؟
– تطور الخط العربي بأنواعه كافة عبر القرون بجهود أساتذته المبدعين – كل في نطاق عمله – فأفنوا بريق عيونهم في تجميل (عيونه)،
وأحنوا ظهورهم في استقامة (الفاته)، وحبسوا أنفاسهم في إطلاق ( مدوده )،
وجاعوا في سبيل ( إشباع كؤوسه).ومرضوا ليبقى ( محبوبهم المدلل ) سليما معافى.وإن كل خطاط لاحق من المبدعين هو خير من سابقه- وليس العكس- فالأماسي خير من البواب..والراقم خير من الاماسي..وشفيق خير من الراقم..وسامي خير من شفيق..وبدوي خير منهم جميعا وهكذا..
* بماذا تبرر الاهتمام المتزايد بالخط العربي هذه الأيام ؟
– إنه الهروب من لسع برد الأفكار الغربية ( المعلبة) التي ساقها إلينا زمن العولمة،
حيث تبرز الحاجة – اكثر من أي وقت مضى – إلى العض بالنواجذ على (الهوية)
العربية الإسلامية التي أصبحت في مهب الريح بعد سلسلة الهزات المتلاحقة الشرسة التي تتعرض لها أمتنا كما لم تتعرض لها من قبل.
وان الاهتمام المتزايد بفن الخط – هذه الأيام – هو نوع من الحنين إلى (وفاء السموءل) و كرم حاتم) في زمن تضخم الأنا وعبادة الدراهم.
وهو ضرب من الاشتياق إلى (زرياب) وهو يحلق بموسيقاه مع مقام الثقيل الأول) ..
بل إن الأمر ابعد من ذلك بكثير.. إنه ندامة الكسعي) على ما فرط – عبر عقود طويلة – في حق الخط العربي ..
أرقى الفنون التشكيلية وأسماها .
فالخط العربي العربي – بالإضافة إلى قيمته العالية – وعاء أمين لثقافتنا وفكرنا ..
والخطاط عندما يخط الآية الكريمة أو الحديث الشريف..
أو شيئاً من منظوم اللغة ومنثورها ..
إنما يؤدي دوراً تعليمياً وتربوياً لا يستهان به من خلال ما تبثه معاني لوحاته من قيم ومثل عليا في عين الناظر..
وصولاً إلى قلبه وعقله. وأذكر هنا بعض الأبيات للشاعر الراحل حسن البحيري:
وإذا أردت الخط فاصطف ما يخط ويكتتب
واحسب يراعك مرقم الألماس يغمس في الذهب
لاعقلة مبرية تختار من عقل القصب
مغموسة في الحبر كالغسق الدجي إذا وقب
وأجله في الدرر الفرائد من يتيمات الأدب
ليكون آية كاتب صحب الخلود بما كتب
* ما هي أنواع الخطوط .. ولماذا يقال عن خط الثلث انه من أصعبها وأجملها في آن واحد، ولاسيما وانك من أهم خطاطي خط الثلث في العالمين العربي والإسلامي ؟
– أهم أنواع الخطوط هي:
الثلث النسخ، الإجازة، الرقعة الديواني، الديواني الجلي، التعليق الشكسته،
أما الكوفي فهو رسم خطي تشكيلي يؤدى بالأدوات الهندسية ولا يخط باليد،
ويشذ عن ذلك الخطاطان (ممدوح وبدوي ) عليهما رحمة الله. وإنني أرى انه:
ص–١٧-
ليس هناك خط سهل .. وخط صعب.. فالخطوط العربية جميعاً بحاجة إلى معايشة طويلة ومثابرة نادرة لامتلاك ناصيتها،
وبعد كل ذلك نجدها سريعة التفلت ممن لا يقف عليها عمره ولا يخلص لها وده.
ورحم الله القائل:
(العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك .. فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً).
ويمتاز خط الثلث وخط الثلث الجلي ديواني بالإمكانات التشكيلية الوافرة من مد وقصر وإرسال وقبض وتكوير وإرداف وتنصيل .. الخ…
ويستطيع الخطاط الحاذق أن يقولبهما في تكوينات لانهائية ساحرة،
وأشكال هي من الفتنة والإدهاش مما ( لاعين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).
* من المعروف أن هناك مقامات عديدة في الموسيقى العربية ولم يتطرق إليها الملحنون.وكذلك الحال في فنون أخرى .هل يصح هذا على الخط العربي.
– هناك خطوط مولدة كخط الشكسته)، وحركاته مزيج بين التعلق والديواني، وهو مهجور إلى حد ما في البلاد العربية،
لأن كتابته على الطريقة الإيرانية (العجماء تجعل من قراءة النص فيه أمرا عسيرا، ذلك ان الإيرانيين والأتراك عموماً،
لا يراعون مسألة صحة القراءة وسهولتها في تركيباتهم لي.. فقد الخطية.. وبالنسبة لي..
أدخلت على هذا الخط تعديلات جعلت منه خطاً عربياً فصيحاً مقروءا.
وهناك أيضاً خط (المحقق) وهو مهجور أيضا، والسبب – في تقديري –
أنه ليس خطا مستقلا بنفسه فحروفه من (الثلث) مع اختلاف بسيط في إطالة الأعمدة وتقعير الكؤوس واستعمال الحروف (المرسلة) بدل (المجموعة).
* هناك اختلاف واضح بين الخط المغربي والخطوط المشرقية.
ما هو السبب برأيك ؟
– الخط المغربي هو (نسخ) بدائي، وعلى الرغم من كثرة استعماله في المغرب العربي فهو غير قادر على مسايرة الخطوط العربية الأخرى التي تسبقه بأشواط بعيدة في النضج والقوة والفنيات العالية،
ويعود سبب ذلك إلى فقر تلك بعيدة وافتقارها إلى أساتذة كبار في الخط،
وانعدام المدارس الخطية القوية فيها.
* أيضاً، ما هو وجه الاختلاف بين الخط العربي والخط التركي أو الإيراني ؟
– أولا .. ليس هناك إلا الخط العربي)، فلا يوجد خط تركي أو إيراني.. وإنما هناك أسلوب أو منهج يغلب على أسلوب هذا البلد أو ذاك.. ولا فرق بين المناهج إلا من حيث الجودة والقوة بصرف النظر عن الجغرافيا .. وهناك شروط للوحة الخطية المركبة لا تقوم من دونها، وهي:
1. جودة الحروف المفردة ومطابقتها للنسبة الذهبية.
2 . جمال التوزيع من حيث حسن الجوار بين الحرف والحرف.
والكلمة والكلمة .. وصولاً إلى التناغم الذي لا ازدحام فيه ولا تصلع.
3. صحة الترتيب الإملائي) من حيث توالي كلمات النص مرتبة
الأولى فالثانية فالثالثة … بحيث تسهل قراءة النص مهما كانت درجة تركيبه.
4. التفرد في صياغة التركيب الفني للوحة بحيث يكون مبتكراً غير مسبوق.
والأتراك والإيرانيون المعاصرون يراعون البندين الأول والثاني ويهملون البندين الثالث والرابع..
أما الخطاط العربي (المرموق) فهو يحاول تحقيق التوازن بين البنود الأربعة..
وهذه هي نقطة التفوق له على الأتراك والإيرانيين.
أضف إلى ذلك أن الخطاط العربي يكتب الخطوط العربية جميعا بإجادة متقاربة،
بينما تقتصر إجادة الأتراك على الثلث والنسخ، وإجادة الإيرانيين على التعليق والشكسته.
* كيف يتم اختيار الموضوع الذي تود كتابته، وما هي المواد التي تستخدمها لتحقيق ذلك ؟
– ليس هناك طريقة محددة، فكل لوحة كتبتها هي حالة قائمة بذاتها، والخطاط يتأمل في هذا الكون،
ويتفاعل معه سلباً وإيجاباً – شأنه شأن بقية خلق الله – فتراه يمر بحالات نفسية عديدة متشابكة.
حالات من الفرح الغامر .. أو الحزن المطبق، أو الانفراج .. أو الهم..
أو الانبهار بجمال ما يمر أمام ناظريه،
أو الإمتاع الروحي الذي يطرق أذنيه من خلال عمل فني موسيقي مدهش .. فيتأمل … ويتأمل ..
ويتأمل ثم يستخرج من مخزون حافظته الأدبية (نثراً وشعرا ) ما يسعفه على التعبير عن تلك الحالة التي يمر بها …
فيترجمها جرة بالمداد . . تتحول بعد التهذيب والتنميق إلى لوحة متكاملة .. أما الأدوات المستخدمة فهي أدوات الخطاط المعروفة ( الورق والقصب والمداد).
عندما تكتب اللوحة هل تعمل لها كروكي مسبقاً أم انك تباشر فوراً بالكتابة بالحبر ؟
أنا من أنصار التسويد والتجريب قبل التحبير، مع أنني متمكن من ارتجال الخطوط جميعها،
ولكن حرصي على إحراز السوية الأعلى يجعلني أعيد النظر في اللوحة مرارا قبل التنفيذ …
ومن منا لا يعرف أن السرعة والإتقان ضدان لا يتفقان..
إذا زاد علم المرء زاد حكه، وإن يكتب في ساعة يسر العين ساعة..
وأما ما يخط بشرايين القلوب.. واحمرار العيون..
وانحناءات الظهور. طريقاً خالصاً إلى الله.. فذاك الذي لا تبلى جدته ولا تفنى روعته وكلما زدته نظرا زادك أنسا وإمتاعا .
* تشتهر لوحتك الخطية بجمالية التكوين فيها .. فكيف تتم دراسة التكوين في اللوحة الخطية، وعلى ماذا تعتمد ؟
– كما أسلفت، فإن جمال التوزيع والتكوين هو أحد بنود اللوحة
ص – ١٨-
الخطية، وان الوصول إلى هذا الجمال أمر بالغ المشقة على الأغلب إذا ليس من السهل إحراز التناغم بين السواد والبياض في اللوحة مع المحافظة على مقاييس الحروف الذهبية ومراعاة تسلسل القراءة الإملائي الصحيح.. وان الوصول إلى التكوين المثالي يستغرق وقتاً قد يطول .. وقد يقصر وذلك بحسب حالة الإشراق والإلهام التي يمر بها الخطاط، فإذا انحسر هذا الإشراق رافق العمل بعض العسر وعدم التوفيق، والعكس صحيح .. وان لدي مسودات قد مضى عليها سنوات دون أن ترى النور بسبب عدم الرضا الكامل عن جمال التوزيع وصحة الترتيب فيها .. وبالمقابل .. هناك أعمال وصلت بها إلى التركيب القوي النموذجي من المحاولة الأولى…
* ماذا يعني أن تكون صوفيا في اللوحة .. هل يعني هذا انك تتجاوز شكلانية الحرف لتمضي إلى الباطن حيث الدلالات والمعاني ؟
وهل يمكن القول عن لوحة الخط الكلاسيكية أنها لوحة صوفية أم أن الأمر ينطبق على اللوحة الحروفية التشكيلية فقط ؟
– التصوف هو خلاصة الصدق، والحرف العربي بحد ذاته – صوفي الملامح… عميق الدلالات والتأثير ولا يأتي التصوف في اللوحة من شكلها الخارجي فقط .. أو من ألوان مدادها وورقها … وإنما من عناصرها (القوية) مجتمعة. وعليه فإن لوحة الخط الكلاسيكية المتقنة المبدعة هي قمة في التصوف الحرف، بصرف النظر عن شكل التكوين الخارجي دائريا كان أو بيضويا أو على السطر.. أو على طريقة التوازن القلق.. أو على الطريقة الحروفية المعاصرة. الشأن كله متعلق بقوة اللوحة الفنية أو ضعفها،ولذلك..فاللوحة الخطية القوية هي اللوحة الصوفية.
* كيف تجد وضعية الخط العربي اليوم، وهل يمكن للحاسوب أن يشكل تهديدا حقيقيا للخطاط ؟
الخط العربي يعيش اليوم حالة من انتعاش لم يشهد لها
مثيلاً في تاريخه كله، والمسابقات الدولية التي بدأت من عام 1986م
أفرزت أقلاما قوية جديرة بالاحترام.. وهناك تلامذة كثر لهم في
أرجاء المعمورة ينهلون منهم ( عيانا) ومراسلة.. ملتقيات الخط
ومهرجاناته لا تهدأ في العواصم والمدن العربية والإسلامية
(استنبول، طهران الشارقة، بغداد، دبي، كاظمة، بيروت، طرابلس
دمشق حلب الرقة..) . وهو مما يثلج الصدر، ويبعث الأمل بنهضة
خطية كبيرة على المدى المنظور إن شاء الله.
وأما بالنسبة لتأثير ( الحاسوب ) فهذا تقدم علمي مبهر لا يمكن إنكاره، ولست أرى أي خطر منه على فن الخط العربي إذا احسن استخدام التقنيات والإمكانات التي يتمتع بها .. فهو يساعد – مثلا في صنع الخلفيات والظلال للخطوط المكتوبة على أغلفة الكتب كما يساهم في تجميل الكادر الذي يحيط باللوحة الخطية.. الخ أما أن يكتب الخط نفسه عن طريق الحاسوب.. فهذا هو الخطأ
الذي لا يغتفر، وهو يسيء بشكل بالغ إلى جمال الخط العربي ورفعته.
* كيف ينظر الخطاط الكلاسيكي إلى استخدام الفنانين التشكيليين المعاصرين وحدات من الفن الإسلامي أو الخط العربي في أعمالهم الفنية؟
– لقد اطلعت على كثير من تلك المحاولات.. فوجدت الركاكة والضعف الفني يغلف معظمها ، ورأيتها بعيدة عن النضج والتبلور… وبرغم ذلك فهي تجربة جديدة على كل حال، وإن استخدام الحرف العربي من قبل التشكيليين شرف كبير لهم ولأعمالهم، وعودة محمودة منهم إلى جذورهم العربية – على الأقل – بدل التخبط ذات اليمين وذات الشمال الذي مارسوه عقوداً طويلة من جراء تبعيتهم العمياء للغرب.
* بما انك أديب.. ولديك كتابات نثرية ومنظومات شعرية، وتملك صوتاً رخيماً ومعرفة بالمقامات الموسيقية وطرائق الإنشاد الديني.. فهل لك أن تحدثنا عن العلاقة التي تربط بين الأدب والموسيقا والخط العربي ؟
– الإمتاع والمؤانسة هما الهدف المشترك بين الفنون والآداب جميعها، وكأن هذه الفنون – على اختلافها ظاهراً وتوحدها باطناً – تتنافس فيما بينها لإحراز اكبر قدر من الجمال المطلق.. ولن تصل إليه بطبيعة الحال.. لأن كل ما هو مطلق هو من صفات الله جل وعلا (رفعت الأقلام وجفت الصحف) … ولكنها تصل إلى الجمال النسبي (الاصطلاحي) المشوب بالنقص والكدر، ولا يتفاوت المبدعون فيما بينهم إلا بمقدار وجود نسبة هذا النقص في أعمالهم – انخفاضاً أو ارتفاعاً – أو يتفاوتون بالقدرة على تجميل النقائص والعيوب وممارسة ما يسمى ( خداع النظر والسمع ) في محاولة صرف الانتباه عنها .. وهذا يفسر قول الأدباء المرموقين، وهم يصفون أعمالهم:
أرجو ممن نظر إلى عملي أن يسبل ذيل التستر عليه، وان يغض الطرف عن عيوبه، فإن الكريم يصفح .. واللئيم يفضح ….. وإذا كان هذا القول وما يشابهه يدخل في باب التواضع المحمود الذي عرف به العلماء الكبار. فإنه في الوقت نفسه، وصف دقيق لحقيقة الحال.. ذلك أن العالم المبدع – أديباً كان أو موسيقياً أو خطاطاً – يدفعه طموحه المتقد ونفسه الوثابة وهمته العالية إلى تركيز همه واهتمامه على المنطقة العلمية الفنية التي لم يحرزها ولم يسبر أغوارها بعد فيرى نفسه مقصراً أيما تقصير.. بينما يراه الناس محلقاً أيما تحليق.. ولا يلتفت أبدا إلى الوراء، لان الالتفاف من شأنه أن يذكره بإنجازاته، فيضيع الوقت الثمين – وهو يستعرضها متلذذا – وقد يقع في مطب العجب والغرور.. ومن هنا قال المتصوفة: (ملتفت لا يصل).
أو كما قال مستقر الفنون والآداب ومستودعها واحد .. ألا وهو
(القلب العاقل)، ولكن دهاليز الوصول إليه تختلف بين فن وآخر.. فالموسيقا والأدب يلجان القلب العاقل عن طريق إطراب الأذن وإثارة منطقة الخيال والتصورات.. أما فن الخط فطريقه إدهاش (العين) وإمتاع منطقة الذوق السليم والارتقاء بها إلى سماوات اللطف الروحي من خلال قوة النص الأدبية) وروعة هندسته الفنية).
الشاعر يتلمس مواطن الجمال حوله، فيجند موهبته في تصويرها أجمل تصوير ممكن، ويضفي عليها من خياله المجنح لمسات الإمتاع والسحر .. ولابد له من الالتزام بضوابط اللغة والقافية والوزن الشعري.. ولكنه – في الحقيقة – يلتزم بها ، لعله ينشئ (وحدة حال) مع المتلقي من خلال إمتاع قلبه وصولا إلى إمتاع عقله. فإذا كان الموضوع الشعري من الأهمية بمكان بحيث يتعلق بالأمة كلها .. سار إليه، على الأغلب، على أشرعة البحر البسيط) أو الكامل.. أو الطويل المعروفة بأوزانها القوية المؤثرة، وانتقى…له قافيه..مجلجلة..
ومفردات جزلة متينة .. أما إذا كان الموضوع داخلا في باب (الاخوانيات) أو باب (النجوى) الشخصية، فتراه يمتطي بحرا ناعم الإيقاع كالزجر أو الرمل أو الهزج، وينتقي قافية حالمة ومفردات سلسة سهلة، وربما لجأ إلى شعر التفعيلة) العذب الانسياب.. الخ. وكذلك الموسيقي .. يمتطي مقام (الرصد ) القوي للأعمال الكبرى.. أو البيات).. وينتقي للمقاطع الحزينة مقام (الصبا) أو (الحجاز)، ولأغاني الأطفال مقام (العجم) المفرح، ولنجوى الحب يسعفه مقام النهاوند ) الناعم للتعبير عما يجيش في صدره من عواطف دافئة.
والخطاط المبدع الذي يقضي عمره بين بكاء قلمه وضحكة قرطاسه لديه أيضا خيارات متشابهة فخط الثلث الجلي بقوته وشموخه يناسب النص القوي الشامخ، لذلك نجد أن معظم اللوحات القرآنية تخط به، وخط التعليق والشكسته برقتهما وعذوبتهما ، يتناغمان مع الموضوعات الشعرية بشكل عام، والديواني والديواني الجلي، بفخامتهما وأبهتهما ، يصلحان لكتابة ما هو موجه إلى الشخصيات المرموقة، والنسخ والرقعة لبساطتهما وسرعة أدائهما، يناسبان المكاتبات اليومية السريعة.. وهكذا …
وبعد فهذه قواعد عامة، ولكنها ليست فاصلة أو منزلة، إذ من الممكن تجاوزها .. فيمكن لبحور الشعر الجزلة أن تأخذ مكان البحور الناعمة، والعكس صحيح، وفي الموسيقا ، مثلاً، يجوز لمقام (الصبا) الحزين أن يستعمل في موضع الفرح، كما يجوز لمقام (العجم) المفرح أن يستعمل في موضع الحزن، وذلك بحسب براعة الشاعر والموسيقي وقدرتهما على التأثر والتأثير. وبالمقابل .. يستطيع الخطاط الحاذق أن يستبدل أماكن الخطوط تجاه موضوعاتها تبع لذوقه الخاص.
الشأن كله متعلق بقوة العمل الفني، أدب أو قطعة موسيقية أو لوحة خطية، وهذه القوة الفنية من شأنها أن تدخل من غيراستئذان عبر بوابتي الأذن والعين إلى قلب المتلقى وعقله.. أي إلى (قلبه العامل) . وان قواعد أي فن أو ضوابطه، والتي لاوجود له من دونها أصلا، إنما وضعت لكي تمارس ردح من الزمن، عمل وذوق، ثم يتجاوزها، نحو الأجمل، من يجد نفسه مؤهلا لذلك.
* ماذا أضفت من جديد على عالم الخط.. وما هي أهم الأعمال التى أنجزتها؟
– انجزت ما يقرب من ثلاثمائة لوحة فنية ليس فيها أي لوحة منقولة أو مقلدة وأسلوبي في الخطوط العربية جميعا لا يشبه أحداً من خطوط القدماء – على الإطلاق. وعليه.. فإن كل ما خطه قلمي هو جديد كل الجدة على عالم الخط..
ولعل اهم ما يميز أسلوبي – بشكل عام – هو مراعاة صحة القراءة في اللوحات المركبة، والمزج بين مختلف المدارس الخطية في خط / التعليق والديواني والرقعة … والتفوق – المعترف به من كافة الخبراء والنقاد – في خط / جلي الديواني / .. رصيدي في المسابقات الدولية ثلاث عشرة جائزة في مختلف انواع الخط العربي، أبرزها جائزتا المركز الأول في الثلث الجلي، والمركز الأول في الديواني الجلي في مسابقة حمد الله الاماسي الدولية عام 1997، وجائزة المركز الأول في الديواني الجلي في مسابقة ميرعماد الحسني عام 2004. ومن الأعمال التي اعتز بها لوحة اقرأ باسم ربك الذي خلق … مالم يعلم) الثلثية الدائرية والفائزة بمكافأة (إرسيكا) للتميز في فن الخط عام 2001م .
ولوحة أخرى بالثلث الجلي أيضا نصها لا إله إلا الله محمد رسول الله.. بتركيب جديد في الكثير من التجلي والإشراق والتوفيق، ومنها أيضا لوحة بالثلث الجلي ضمن شكل مثمن طولاني نصها الآية الكريمة : ( ولا تمش في الأرض فرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا) فيها الكثير من الجرأة والابتكار والاشتقاق وقوة القلم….
كذلك لوحة بخط التعليق الجلي نصها : أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم)، وهي من مقتنيات مهرجان كاظمة بالكويت.
ولوحة رائعة بخط التعليق أيضاً، نصها : (فبما رحمة من الله لنت لهم)، وهي من مقتنيات وزارة الثقافة السورية بدمشق….
وحيد تاجا
المراجع والمصادر:
مواقع إجتماعية- فيس بوك
*مجلة فنون – العددان: 1347-1348 – تاريخ 2006/12/28م