درس من نلسون مانديلا..تعلمه عبد المنعم عنان باللقاء

درس من نلسون مانديلا

 لقاء عبد المنعم عنان مع الرئيس نلسون مانديلا.والدرس الذي تعلمه منه

كان ذلك في شهر كانون الثاني من العام 1999م.

عندما جاءت الفرصة التي انتظرتها لعام ونصف،

في ظل غياب السفير، باللقاء مع الزعيم التاريخي ورئيس جنوب إفريقيا نيلسون مانديلا،

فقد طلب اللقاء معي لإرسال رسالة شفهية للحكومة السورية في حينها،

أسرعت الخطى وخلال نحو ‫نصف ساعة كنت على باب مكتبه في ضاحية هاوتن بمدينة جوهانسبرغ،

‏استقبلني في مكتبه وبعد الترحيب نهض من وراء المكتب

وقال : لست على يقين أننا لوحدنا هنا في هذا المكان ،

لذا دعنا نذهب إلى الخارج ، إلى الحديقة ،

ونتحدث قليلاً، ويبدو أنه كان يشك بوجود أجهزة تنصت في مكتبه .

‏وكان ذلك حيث أجلسني بجانبه على مقعد خشبي متواضع للغاية في حديقة المكتب ، وبعد أن حملني الرسالة الشفهية
‏التفت نحوي وسألني: كيف الحال وكيف ترى جنوب إفريقيا،

فأنا أحب أن أرى بلدي من خلال عيون الآخرين ؟

‏أجبته : هي بلد تستحق العشق بوجودكم سيادة الرئيس ، وخاصة في ظل رؤيتكم الحكيمة لبناء دولة قوية في جنوب إفريقيا ،

وهذا ما لمسته من خلال قراءتي مؤخراً لكتابكم الرائع (مسيرتي الطويلة نحو الحرية)My Long Walk to Freedom.

‏نظر إلي وقال: هل حقاً قرأت الكتاب؟

قلت له بكل تأكيد، لقد انتهيت من قرأءته منذ أسبوع .
‏قال : وماذا أعجبك في الكتاب ؟

‏أجبته : محطتين : الأولى قدرتك على الصبر وكيف أن سجانيك لم يستطيعوا أن يضعفوا إرادتك وعزيمتك على مدار 27 عاما في السجن،

‏والثانية: قدرتك على التسامح والتعايش مع جلاديك في بلد واحد.

‏فسألني: هل أنت مسلم ؟
‏قلت : نعم

‏قال : اليوم جمعة فهل ستذهب للصلاة ؟
‏أجبته : إن شاء الله، وإذا بقي معي الوقت لذلك.

‏قال حسناً : أما الصبر على الشدة في السجن فهو ينبع من الإيمان بالحق ،

وأما التسامح هو صفة الإنسان القوي وليس الضعيف .

وهناك أمثلة ناصعة في التاريخ الإنساني على التسامح وأبرزها نبيكم محمد (صلى الله عليه وسلم).

‏فعندما كنت في سجن روبين آيلند كان معي صديقي الوفي أحمد كاترادا ، الذي أمضي معي 26 عاماً في ذات السجن.

‏ومرةً أعطاني كتاباً عن تاريخ الإسلام، قرأت فيه أن امرأةً من أعداء النبي ساهمت في قتل عمه :

(يقصد الصحابي الجليل حمزة بن عبدالمطلب)

ثم اخرجت كبده وحاولت أكله،

‏وكنت أقرأ الكتاب وأقول في نفسي مع كل صفحة، يا ترى ماذا فعل بها النبي بعد أن هزم أعداءه واستعاد مكة !

‏وللغرابة أنني عرفت أنه لم ينتقم منها بل أعطى منزلها صفة القداسة

حيث كان يتمتع بالحماية من يلجأ لبيتها على نفس القدر من الحماية والمكانة لمن يلجأ للمسجد .

‏وهناك مثال آخر على التسامح وهو ملك اثيوبيا (الحبشة) المسيحي في حينها

والذي أعطى حق اللجوء والحماية للمسلمين الفارين من الإضطهاد في مكة بل

ولم يجبرهم على ترك دينهم ، فهذا مثال آخر على التسامح في عصر كان فيه الدين هو المكون الأساسي لهوية الناس .

‏وقراءتي أن محمداً (ص) لم ينتقم لانه كان يريد أن يبني دولة، ويؤسس لمنظومة قيم وحضارة ،

أثبتت صوابيتها وقوتها فيما بعد عندما انتشر الإسلام بسرعة في العالم لم تماثله أية حضارة أخرى على مر التاريخ .

ففي غضون بضعة عقود وصل المسلمون إلى أوروبا والهند وآسيا الوسطى وشمال إفريقيا.”

‏أحببت أن أستذكر هذا المثال اليوم ونحن في سورية نعيش حالة من الجدل والتجاذبا

ت فيما يتعلق بعمليات الإبادة الجماعية والتركة الإجرامية الثقيلة التي خلفها نظام الأسد في سورية على مدار ٥٤ عاماً.

والخلاصة أنه في الإسلام، وفي ثقافات أخرى ، توجد أمثلة رائعة على الأثر الفعّال والعميق للتسامح في بناء الدول واعادة ترميم النسيج الإجتماعي،

وأكاد أجزم أن مانديلا استخدم كلمة tolerance/ التسامح في ذلك اللقاء أكثر من ست مرات .

واليوم نرى أيضاً أنصار مدرسة الحداثة يعتبرون التسامح أساس بناء الدولة القوية ،

كما يؤكد على ذلك المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما في كتابه الذي شغل العالم على مدى ال٣٠ عاماً الماضية وعنوانه (نهاية التاريخ والإنسان الأخير ) ،

وكتابه الآخر (بناء الدولة)، اضافة إلى كتابه:

(أصول النظام السياسي ، من عصور ما قبل الإنسان إلى الثورة الفرنسية).

وهذه الكتب الثلاث هي الأكثر تأثيراً في منهجية تفكيري الشخصي ، من بين كل الكتب التي قرأتها، على مدى أكثر من ٢٠ عاماً .

وصلى الله على نبيبنا الكريم ، نبي الرحمة والتسامح ، ورحم الله مانديلا .

***********

*******

اترك تعليقاً