حليم بأبي فوق الشجرة
أبي فوق الشجرة”: الفيلم الذي كسر البراءة وخلخل الصورة
إعداد : سمر محفوض
واحد من أروع الافلام التي انتجتها السينما المصرية
هو فيلم “أبي فوق الشجرة”
المأخوذ عن رواية لإحسان عبد القدوس:
أخرجه :حسين كمال العام 1969م.
زلزال بالسينما المصرية:
لقد أحدث هذا الفيلم زلزالاً في السينما العربية، وأنشأ صدمة بصرية غير مسبوقة،
وتمرداً على الصورة المثاليةالتي حاولت السينما العربية ترسيخها،
الثنائيات غير المترابطة:
بل أصبح مرآة مكسورة تعكس ثنائيات غير مترابطة:
الحب والرغبة، البراءة والانحراف، الشاطئ والملاهي الليلية، وكان على الصعيد البصري رحلة بين النور والظل، بين الشمس التي تضيء البحر والليل الذي يبتلع الأحلام.
حافظ الباحث عن نفسه:
في هذا الفيلم لم يعد عبد الحليم حافظ العندليب العذري الذي كرسته السينما وكرسته أغانيه أيضاً،
لم يعد الفتى الحالم تحت شجرة ياسمين، بل شاب يبحث عن نفسه،
يهرب عبد الحليم من ابيه ليقع باحضان ناديا لطفي:
يهرب من أب متسلط ليقع في يد أنثى (نادية لطفي) تصطاده كما تصطاد المدينة زوارها الجدد،
أنثى تجذبه، تغويه، تغرقه في عالم صاخب من الأضواء المتوهجة والموسيقى الصاخبة.
نادية لطفي:
لم تكن مجرد راقصة، لم تكن امرأة عابرة، بل مدينة كاملة، بحر يراود السفن عن نفسها، ليل يعد باللذة ويخفي فخاخ الضياع، ضوء أحمر يتوهج في الأزقة المظلمة،
حيث يسقط العشاق في دوائر المتعة قبل أن يكتشفوا أنها ليست طريقًا للخلاص، بل متاهة لا نهاية لها.
الإسكندرية الأخرى:
وعلى خلفية هذه الاحداث ثمة إسكندرية أخرى في هذا الفيلم لا تشبه إسكندرية الرومانسية البيضاء
التي كرستها السينما العربية والعالمية كما ظهرت في فيلم “غرام وانتقام” مثلاً،
الفيلم الذي أخرجه: يوسف وهبي
والذي مثله أيضاً واضعًا بصمته المسرحية على العمل، بأسلوبه الذي يجمع بين الفخامة الدرامية والبنية الكلاسيكية للحبكات الميلودرامية.
وقد جاء التصوير والإضاءة بأسلوب هوليوودي متأثرًا بالسينما العالمية،
حيث تبدو الإسكندرية في بعض المشاهد كفضاء للحب والمأساة في آنٍ واحد،
حيث البحر حاضر، كأنه انعكاسٌ لمصائر الشخصيات، حيث يكون لامتناهيا غامضاً، يبتلع الأسرار تمامًا كما ابتلع أسمهان في الحياة الواقعية.
الأسكندرية التي لاتشبه ذاتها:
أما في فيلم أبي فوق الشجرة فإن الإسكندرية لا تشبه البحر الممتد بلا نهاية،
لا تشبه الكورنيش وضحكات العشاق، بل هي مدينة تحمل الحب والموت، السحر والخطيئة، تمنح الحلم ثم تسلبه في اللحظة التي يبدو حقيقيًا.
البطل عادل بين عالمين:
بين الشواطئ والملاهي الليلية، بين النظرات البريئة والرقص المستفز، بين الفساتين القصيرة والأغاني الطويلة،
يتحرك عادل بين عالمين، عالم كان يظنه مألوفًا، وعالم يسحبه إلى الداخل دون أن يمنحه فرصة للتراجع،
حيث الجسد لغة، حيث الغواية قانون، حيث الحب لا يشبه الحكايات القديمة،
بل يشبه لعبة خطرة، يشبه مقامرة، يشبه سقوطًا في فضاء بلا قاع.
ميرفت امين وجه الحكاية الثاني:
كانت ميرفت أمين الوجه الآخر للحكاية، الوجه الذي يقف مقابل غواية نادية لطفي، الوجه الذي يمثل الحب الرومانسي في مواجهة الإغراء،
الصفاء في مواجهة العتمة، العاطفة النقية في مواجهة الجسد المتلاعب.
آمال الذي يحبها عادل:
كانت آمال الفتاة التي يحبها عادل (عبد الحليم حافظ)، الفتاة التي تبدو وكأنها تمتلك إجابة لكل أسئلته،
لكنها في الحقيقة مجرد لغز آخر، حلمٌ قد يكون حقيقياً،
وقد يكون مجرد وهمٍ يطارده بعد أن عرف وجهاً آخر للحب.
أغاني عبد الحليم الستة هي الدراما:
لقد غنى عبد الحليم حافظ ثلاث أغنيات في هذا الفيلم لم تكن فواصل أو لحظات راحة وسط الدراما،
بل هي الدراما نفسها، هي نبض الفيلم وصراعه الداخلي.
نشيد الهروب أغنية جانا الهوى:
لم تكن “جانا الهوى” أغنية سفر، بل نشيد الهروب، هي اللحظة التي يبدأ فيها كل شيء،
اللحظة التي يقرر فيها بطل الفيلم “عادل” :
ترك العالم الذي يعرفه ليبحث عن عالم مختلف، مجهول، مغرٍ وخطير.
المرآة الساحرة قاضي البلاج:
الأغنية الثانية هي “قاضي البلاج” وهي مرآة ساخرة، لحظة عبثية لا يدرك فيها البطل أنه يقترب من الهاوية.
أما “يا خلي القلب”، فهي نشيد العودة، نغمة الندم، الحنين إلى شيء لم يعد موجودًا
إلى براءة تبعثرت، إلى لحظة لم يعد بالإمكان استرجاعها.
كانت الجرأة هي الصورة التي لم يعتدها الجمهور،
فقد حظي هذا الفيلم بأطول القبلات زمنياً،
وحظي بالرقص الأكثر جرأة،
وبالنظرات المشحونة
حيث لم تعد الأنوثة عذبة :
فقط، بل قاتلة، ساحرة، وخطيرة.
بل أن العندليب:
لم يعد يغني فقط عن الحب، بل عن الرغبة، عن الهروب، عن الانجراف.
اسقط القالب والاسطورة الفيلم:
“لقد كسر أبي فوق الشجرة” القالب، وأسقط الأسطورة، وفتح بابًا على صورة لم يعتدها الجمهور، صورة لم تكن عن العندليب الحالم،
بل عن الشاب الذي يعيش، ثم يسقط، ثم ينجرف، ثم يكتشف نفسه في المرآة ويرى انعكاسًا مختلفًا.
الشاشة اغلقت بعد أبي فوق الشجرة:
بعد هذا الفيلم أغلقت الشاشة إلى الأبد، فبعد “أبي فوق الشجرة”،
لم تعد ثمة أفلام أخرى للعندليب، لم يعد هناك مشاهد أخرى، لم يعد هناك خروج جديد عن القواعد.
اصبح الفيلم نهاية المرحلة والوداع الابدي للحرية:
لم تتحمل السينما أكثر لاسباب سياسية واجتماعية سنتكلم عنها لاحقاً،
اكتفت بهذه الخطوة الأخيرة.
لذلك أنا أعد هذا الفيلم نهاية لمرحلة، بل نهاية حقبة، ووداعاً أبدياً للحرية التي تصنع من الغواية جمالا بلا نهاية.
******
معرض الصور:




أغانى فيلم أبى فوق الشجرة”
غناء :عبد الحليم حافظ
قاضى البلاج
أحضان الحبايب
يا خلى القلب
الهوى هوايا
جانا الهوا
الوداع
*******
المراجع والمصادر:
مواقع إجتماعية- فيس بوك
– المصدر : الجزيرة
مواقع إلكترونية – ويكبيديا