
هوليوود والمافيا: أسرار خلف الكواليس
زيد خلدون جميل
كانت مفاجئة غريبة ان ينسى الممثل روبرت دي نيرو نفسه ويقول في أشهر برنامج مقابلات في التلفزيون البريطاني،
«استعراض كيفن نورتن»:
إن زعماء رجال المافيا يحترمون كلمتهم، أي إن وعودهم الشفهية التزام مقدس بالنسبة لهم.
ويبين هذا الاحترام الواضح لهذا الممثل الشهير لعصابات الجريمة المنظمة وعدم خوفه من تدني شعبيته،
عندما يتفوه بكلام عديم العلاقة بالواقع. ومن الواضح أنه يعرف مدى إعجاب الجمهور الغربي بعالم الأجرام.
أما المغني بول أنكا، فقال في برنامج شهير آخر وعلى التلفزيون البريطاني أيضا،
إنه كان يغني في فنادق لاس فيغاس عندما كانت مملوكة من قبل المافيا الإيطالية،
وعبّر عن إعجابه بتلك الفترة واستيائه من الأحوال الحالية، حيث انقطعت علاقة المافيا بالفنادق.
قد يجد القارئ هذا الأعجاب مفاجئا، ولكن التاريخ يفسر هذه الظاهرة بوضوح،
فموسيقى الجاز الشهيرة ظهرت إلى العلن للمرة الأولى في دور الدعارة في مدينة نيوأورلينز الأمريكية في نهاية القرن التاسع عشر.
وكان الجميع سعداء بذلك، حيث كسب عازفو الجاز رزقهم من عزف الجاز وكانت الموسيقى خير طريقة لتجنب الملل بالنسبة لزبائن بيوت الدعارة،
الذين لم يكونوا مهتمين بهذه الموسيقى بالذات، ولكنها طريقة لقضاء الوقت.
وكانت فرصة العمل الأخرى لعازفي الجاز في تلك الفترة في الحانات سيئة السمعة التي كان يديرها مجرمون إيطاليون
قبل ظهور المافيا، أي عصابات الجريمة المنظمة الإيطالية، التي يعرفها القراء.
ولم تكن الموسيقى للاستماع، بل كضوضاء لتحسين الجو داخل الحانات التي كانت مليئة بدخان السجائر وصاخبة بسبب الاستهلاك الكبير للكحول والمخدرات من قبل الموجودين.
وتطور الأمر بسرعة، حيث أصبحت هذه الموسيقى من العناصر الرئيسية لحفلات العالم السفلي من المجتمع الأمريكي.
وقد أظهرت السينما الأمريكية ذلك بوضوح وصدق.
سيطرت العصابات المنظمة، لاسيما الأيطالية منها (المافيا)، على عالم الملاهي والترفيه،
وازدادت سطوتها مع منع الكحول عام 1920 حيث حصلت من الناحية العملية على احتكار لجميع جوانب عالم الترفيه بكل مقوماته مثل،
الموسيقيين والفتيات العاملات في الملاهي والدعارة والكحول، ما جعل حاناتها وملاهيها غير القانونية تنال نجاحا غير عادي.
لهذا السبب كان عازفو ومغنو موسيقى الجاز وبقية الألوان الموسيقية المرتبطة بعالم الملاهي،
على علاقة قوية بالعصابات المنظمة، لأنها كانت جزءا أساسيا من الترفيه الذي زودته العصابات.
ومنهم المغني بنغ كروسبي، الذي كان يعمل في بداية مسيرته الفنية مغني جاز في ملهى تملكه إحدى تلك العصابات.
وكان ذلك يعني تمتعه بحماية تلك العصابة، فأي تهديد للمغني أو الموسيقي أو فتاة الليل يعني تهديدا لمصلحة العصابة.
وعلى سبيل المثال بدأ المغني والممثل بنغ كروسبي، مسيرته الفنية مغنيا للجاز في ملهى تابع للمافيا،
وعندما هاجمه أحد المجرمين العاديين وضربه ضربا مبرحا، مطالبا إياه بحصة من أرباحه،
قام المغني بإبلاغ العصابة المالكة للملهى بما حدث. وأكدت العصابة له عدم الاهتمام وأنه لن يتعرض للمضايقة بعد ذلك.
ولا نعلم ماذا حدث للمجرم الذي اعتدى على بنغ كروسبي، لأنه لم يزعجه مرة أخرى،
وأصبح بنغ كروسبي أحد أشهر المغنين في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية وممثلا شهيرا.
أما المغني والممثل الشهير فرانك سيناترا، فكان يكافح للدخول في عالم الغناء في فترة شبابه حتى تعرف على ولي مورتي أحد زعماء المافيا.
وقام ولي مورتي بفرض فرانك سيناترا على بعض الملاهي الشهيرة.
وعندما وقع فرانك سيناترا عقدا مجحفا مع إحدى الفرق الموسيقية جعله تحت سيطرة تلك الفرقة،
قام زعيم العصابة بتدبير إلغاء ذلك العقد بطريقة ما. وفي مقابلة للممثل روبرت دافي،
ذكر أنه في بداية ممارسته مهنة التمثيل كان يعمل في مطعم وقام صاحب المطعم بطرده، من دون أن يدفع أجوره.
وتعرف الممثل على فرانك سيناترا وشكى له ما حدث،
فإذا بالمغني الشهير يأخذه بالسيارة إلى مكان ما حيث انظم إليهم رجل بدت عليه سمة الإجرام.
وذهب الثلاثة إلى ذلك المطعم، حيث دخله الرجل الثاث وخرج بعد دقائق حاملا أجور الممثل كاملة مع «بقشيش».
بسبب علاقة العصابات المنظمة بالمغنين،
ظهرت إشاعات كثيرة في الإعلام الغربي حول علاقة هذه العصابات
بشركات إنتاج الأسطوانات والمسؤولين عن برامج الموسيقى في بعض محطات الراديو في بداية ظهور الراديو،
كوسيلة ترفيه رئيسية في الولايات المتحدة الأمريكية. كانت أول علاقة للعصابات المنظمة بعالم السينما قيامهم بحماية دور السينما بسبب حرب نشبت بين أصحابها،
وكان أحدهم رجل الصناعة توماس أديسن، في مدينة نيويورك في بداية القرن العشرين.
واشتدت هذه المواجهات إلى درجة اضطر بسببها بعض أصحاب دور السينما إلى مغادرة نيويورك واللجوء إلى ضاحية لمدينة لوس أنجليس تدعى هوليوود،
حيث لم يكن للعصابات المنظمة وجود فيها آنذاك.
ولكن الأمر تطور حيث ظهرت العصابات المنظمة الإيطالية وغير الإيطالية في لوس أنجليس وغيرها من مدن كاليفورنيا،
وتعرف رجال العصابات على مشاهير الممثلين والممثلات وتكونت علاقة صداقة بينهم.
وقد يكون السبب أن هذه العصابات سيطرت على عالم المخدرات والدعارة والمقامرة.
وتوطدت هذه العلاقة عندما أسست العصابات المنظمة فنادق وكازينو للمقامرة في لاس فيغاس،
حيث حضر نجوم السينما حفلات تلك الفنادق وقام أشهر مغنيي الولايات المتحدة بعروض فيها،
مثل فرانك سيناترا وبول أنكا.
وفي الوقت نفسه أصبحت العصابات المنظمة تعرف الكثير عن الحياة الخاصة للمشاهير في عالمي الغناء والسينما والأثرياء
والكثيرين من موظفي الدولة من الجنسين وتقوم بتزويدهم بوسائل ترفيه لا يستطيعون الحصول عليها بالوسائل القانونية.
كان الاختلاط بين الفنانين ونجوم السينما أكثر من مجرد مصلحة،
حيث كان اجتماعيا جدا نظرا لكون الكثير من الفنانين من أوساط اجتماعية لا تختلف عن تلك التي أتى منها رجال العصابات،
فمثلا نشأ أغلب مشاهير الفن ذوي الأصول الإيطالية في الأحياء الإيطالية للمدن الأمريكية، لاسيما نيويورك.
وهي الأحياء نفسها التي ظهرت فيها العصابات الإيطالية (المافيا)
وأصبح للجانبين الكثير من العوامل الاجتماعية المشتركة وأحيانا أصدقاء طفولة.
اخترق رجال العصابات مجتمع هوليوود حتى تكونت صداقات حميمة وغريبة،
فقد فوجئ عالم السينما في الولايات المتحدة الأمريكية بقيام ابنة الممثلة الشهيرة لانا ترنر بقتل عشيق والدتها،
الذي لم يكن سوى عضو معروف في المافيا.
وبرأت المحاكم الأمريكية الإبنة من أي تهمة جنائية، بحجة أنها كانت تدافع عن والدتها. على الرغم من كل ذلك،
فإن العصابات المنظمة لم تستطع السيطرة على شركات السينما، كما يتخيل البعض ولم تهدد مخرجين مثل فرانسيس فورد كوبولا عندما أخرج فيلم «العراب».
ولكن عمل بعض صغار الممثلين في العصابات المنظمة كان معروفا،
فمثلا عمل ثلاثة من صغار الممثلين في فيلم «العراب» في الجريمة المنظمة.
وكان أحد الممثلين الثانويين في مسلسل المافيا الشهير :
«سوبرانو» عضوا سابقا في المافيا ودخل السجن لهذا السبب.
وهناك إشاعات كثيرة حول بعض الممثلين الذين ربما اختلقت كدعاية لهم مثل جيمس كان وجورج رافت وغيرهما.
ولم تقتصر هذه الظاهرة على الولايات المتحدة الأمريكية،
فلم تكن بريطانيا أفضل، حيث كان الشقيقان ريجي وروني كرَي، أشهر مجرمين في بريطانيا في الستينيات.
وكان من المثير للدهشة أن شرطة لندن لم تلقِ القبض عليهما في مرحلة مبكرة من نشاطهما، نظرا لشهرتهما منذ البداية،
مما يثير الكثير من التساؤلات.
ولكن ما يثير التساؤلات أكثر كانت علاقتهما ببعض المشاهير مثل المغنية جودي غارلاند،
التي كانت تختلط بهما أثناء وجودها في لندن،
وكذلك الممثل جورج رافت، الذي كلفته علاقته بهما إغلاق كازينو المقامرة الذي كان يملكه في لندن.
حاول الإعلام البريطاني إضفاء هالة من الإثارة على هذين المجرمين بطريقة مشابهة
لما قام به الإعلام الغربي حول أشهر مجرمي الولايات المتحدة الأمريكية مثل:
آل كابون ولكي لوسيانو.
وانتجت السينما البريطانية فيلما عنهما، إلا أن بريطانيا كانت أقل نجاحا في هذا من الولايات المتحدة الأمريكية.
الغريب في الأمر أن حديث الإعلام عن علاقة بعض المشاهير بالعصابات المنظمة لم يؤثر على شهرة هؤلاء، بل دعمها.
وأضاف الإعلام الكثير من قصص نفوذ العصابات المنظمة لاسيما المافيا في عالم السينما
مما زاد من أعجاب الجمهور بالأفلام السينمائية والعاملين فيها.
ولاحظ القائمون على صناعة السينما هذه الظاهرة منذ بدايتها، فأنتجوا أفلاما عن الجريمة في عشرينيات القرن العشرين
ونالت نجاحا هائلا حيث ظهر فيها زعماء العصابات مرهوبي الجانب،
يفعلون ما يشاؤون ومحاطين بالنساء الجميلات. وكانت تلك الأفلام مليئة بالمشاهد العنيفة والجنسية الجريئة،
وكانت تلك بداية الكثير من أشهر ممثلات وممثلي السينما الأمريكية
حتى فُرِضَت قيود لتحديد ذلك الأتجاه المتزايد في أواخر الثلاثينيات.
واستمرت تلك القيود حتى نهاية الستينيات بفيلم «بوني وكلايد» Bonnie and Clyde الذي مثله:
وورن بيتي وفَي دَنَوَي، ونال نجاحا كبيرا حيث جعل الاثنين من ممثلي الصف الأول.
* باحث ومؤرخ من العراق
**********
المراجع والمصادر:
مواقع إجتماعية- فيس بوك