على الساحل الشمالي لسورية حيث يتعانق البحر مع اليابسة وتتشابك الذاكرة مع التراب يقف موقع أوغاريت الأثري حارساً ابديا وشاهداً نادراً على حضارةٍ لم تكتفِ بأن تعيش عصرها بل تركت لنا صوتها مكتوباً على الطين منذ أربعةٍ وثلاثين قرناً غبرت.
فهنا في هذا الموقع وحده أسفر التنقيب الأثري عن نصوصٍ لم تكن مجرد سجلات صامتة بل خرائط حية كشفت أسماء المدن والقرى التابعة لمملكة أوغاريت وحددت ملامح جغرافيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية كأن الكتبة الأوغاريتيين أرادوا أن يمدّوا أيديهم عبر الزمن ليعرّفونا بأنفسهم وبعالمهم.
ومن هذا الاكتشاف الفريد انفتحت أمام الباحثين أبوابٌ واسعة لفهم تاريخ المنطقة بأسرها. فالتلال الأثرية المنتشرة في محافظة اللاذقية لم تعد مجرد ارتفاعات ترابية صامتة بل تحوّلت من الناحية العلمية إلى مفاتيح ضرورية لا غنى عنها. إن تنقيبها لم يعد ترفاً معرفياً بل ضرورة مُلحّة، لأنها تحمل في طبقاتها المتراكمة أجوبة عن علاقة هذه القرى بأوغاريت وعن أدوارها في زمن ازدهار المملكة خلال العصر البرونزي الحديث ذاك العصر الذي مثّل الذروة الذهبية للحضارة الأوغاريتية.
لقد شهدت هذه التلال في مراحل سابقة أعمال سبر ودراسات دقيقة أنجزها علماء آثار وباحثون سوريون فجاءت نتائجها مدهشة بما تحمله من دلالات. فقد كشفت اللقى والكِسَر الفخارية الخارجة من أعماق الأرض عن تسلسل زمني موغل في القدم وأكدت أن الحياة هنا لم تكن هامشية ولا عابرة بل كانت جزءاً فاعلاً من شبكة حضارية واسعة تدور في فلك أوغاريت. ومن بين تلك اللقى ما يعود بوضوح إلى العصر البرونزي الحديث متزامناً مع زمن الوثائق الأوغاريتية المكتشفة
زمن الموانئ النشطة.
والمعابد العامرة.
والقصور التي ضجّت بالحياة والإدارة والفكر.
إن هذه الشواهد المادية حين تُقرأ على ضوء النصوص الأوغاريتية تساعد في تحديد مواقع القرى التي ورد ذكرها في تلك النصوص وتمنح الأسماء القديمة جسداً ومكاناً على أرض الواقع. وهنا يكتمل المشهد: نصٌّ مكتوب من جهة وأثرٌ صامت من جهة أخرى وحين يلتقيان ينبثق التاريخ حيّاً من جديد.
ولذلك فإن جهود الباحثين والمهتمين بتاريخ حضارة سورية القديمة، قِدمَ التاريخ ذاته، لن تذهب سدى. فكما انتزع من سبقهم أسرار أوغاريت من أعماق التراب والطين سيواصل اللاحقون هذا الطريق مسلحين بالعلم والصبر والشغف. فالأرض التي أفصحت يوماً عن أبجديتها الأولى لا تزال قادرة على أن تبوح بالمزيد لمن يُحسن الإصغاء إليها..
عاشق أوغاريت..غسان القيّم..
𐎂𐎎𐎐 𐎍𐎖𐎊𐎎
الصورة المرفقة منظر عام لمدينة اوغاريت كما تخيلها لي الذكاء الاصطناعي..
***
المصادر:
– موقع سبق- اليوم السابع
– الإمارات اليوم –
– العربية .نت
-صحيفة الثورة السورية
– موقع المصرى اليوم – موقع عكاظ
– مواقع تواصل إجتماعي – فيس بوك – ويكبيديا
– مجلة فن التصوير
– إيليت فوتو آرت: https://elitephotoart.net
********


