رجل الأعمال الأميركي وارن بافيت (رويترز)
وارن بافيت.. أسطورة الاستثمار الذي حوّل البساطة إلى ثروة تفوق الخيال
من أوماها إلى قمة المال العالمي
في عالم مليء بالمخترعين العباقرة والرياضيين الأسطوريين، يبرز وارن بافيت كشخصية استثنائية بطريقة مختلفة تماماً. ليس فناناً يبدع لوحات خالدة، ولا مخترعاً يغير وجه التكنولوجيا، بل مستثمر هادئ يشتري أسهماً ويبيع أخرى، مستمداً براعته من جذور الغرب الأوسط الأميركي.
يصف بافيت نفسه مهمته بأنها “بسيطة، لكنها ليست سهلة”. ومع اقتراب تقاعده في سن الـ95، يأتي الوقت للتأمل في قصة رجل أصبح أغنى مستثمر في التاريخ، مجسداً قيماً أميركية ورأسمالية تقليدية مثل الأسواق الحرة والحس السليم، في زمن يفتقر إلى قدوات حقيقية.
تبدأ قصة بافيت من طفولة مبكرة في أوماها، حيث أظهر موهبة استثمارية فذة. في سن الـ11، اشترى أول أسهم له في شركة “سيتيز سيرفيس”، مستمداً أمواله من بيع الفول السوداني والذرة المحمصة في مباريات كرة القدم الجامعية، أو توزيع جريدة “واشنطن بوست”، أو إنتاج نشرة نصائح لسباقات الخيول.
وبعمر 17 عاماً، جمع مدخراته لشراء آلات “بينبول” وضعها في محلات الحلاقة، مما أنتج تدفقاً نقدياً مستمراً. كانت هذه البدايات المتواضعة دليلاً على عقله التجاري الحاد، الذي لم يتوقف أبداً عن البحث عن الفرص، بحسب ما ذكره موقع “The Atlantic” في تقرير مطول، واطلعت عليه “العربية Business”.
في أوائل العشرينيات، اكتشف بافيت فصل دراسي في جامعة كولومبيا عن “الاستثمار القيمي”، فن البحث الصبور عن صفقات مربحة. كان المدرس بنيامين غراهام، مهاجر عبقري يدير صندوق استثمار ناجحاً، وكتب كتباً أصبحت دستوراً للاستثمار مثل “المستثمر الذكي”. نشأت بينهما علاقة وثيقة غيرت مسار بافيت إلى الأبد. مستوحى من غراهام، أسس بافيت في عام 1956 شراكة استثمارية بعمر 25 عاماً، ملتزماً بدائرة كفاءته، محققاً نتائج استثنائية على مدى 15 عاماً.
ثم جاء التحول الكبير في 1962، عندما اشترى أسهم “بيركشاير هاثاواي”، شركة نسيج متعثرة تبدو صفقة رخيصة. لكنها كانت تواجه منافسة خارجية، فخطط بافيت لإغلاق عملياتها.
بعد 8 سنوات، أصبح رئيساً للشركة، محولاً إياها إلى تكتل تأميني وصناعي. امتلاك شركات التأمين كان مفتاحاً، إذ يولد “الطفو” النقدي الذي استثمره بافيت بحكمة. نمت بيركشاير لتمتلك مئات الشركات مثل سكة حديد “بي إن إس إف” و”جيكو”، بالإضافة إلى حصص في “أبل” و”كوكا كولا”. بلغت ثروته الشخصية أكثر من 125 مليار دولار، بعد تبرعات هائلة، مبنية على الجهد لا الحظ.
يعود نجاح بافيت إلى نهجه القيمي: يقيم الأسهم كحصص في أعمال يحتفظ بها طويلاً، ينتظر “الضربة السمينة”، ويشتري المزيد إذا انخفض السعر. المستثمرون القيميون، كما يصف الكاتب نفسه، صيادو صفقات طبيعيون، يثيرهم حساب الفائدة المركبة، “العجيبة الثامنة”. لم يسعَ بافيت للثراء السريع، مفضلاً الطريق الطويل الأكيد.
أعجب كل مستثمر قيمي ببافيت، متابعين خطاباته السنوية لفهم تفكيره: الصبر، الثبات، والتركيز طويل الأمد. حقق هذا بخمس صفات: عقل حاد، بساطة في التحليل، تمييز الاستثمارات، تركيز مستمر، ومرونة في التعديل. عبر أزمات مالية وحروب وجائحات، سار بافيت دون اضطراب، محافظاً على نتائج استثنائية رغم المنافسة.
يدرك الناس أن الثراء ممكن عبر الاستثمار في أسهم جيدة، إعادة استثمار الأرباح، والصمود أمام الذعر. لكن بافيت أثبت أكثر: يمكن أن تصبح من أغنى الأغنياء بهذا النهج البسيط، لا بخوارزميات معقدة، بل بشراء أسهم شركات معروفة عالية الجودة. كان “يونيكورن” استثماري، لكنه أيضاً رجل عادي يقرأ التقارير السنوية بعمق.
كان بافيت حاملاً طويلاً الأمد، ينصح بتجنب التنويع الزائد، مقترحاً “بطاقة استثمار” بـ20 فرصة فقط مدى الحياة. استفاد من حظه: ولادته في أسرة مستقرة في نبراسكا، بعيداً عن ضغوط وول ستريت، في أميركا التي ازدهرت أسواقها. لكنه طور نفسه، متأثراً بفيليب فيشر وتشارلي مونغر، مركزاً على جودة الأعمال: “استثمر في شركات رائعة يمكن لأحمق إدارتها، لأن ذلك سيحدث عاجلاً أم آجلاً”.
في الستينيات والسبعينيات، اختار استثمارات بناءً على الأساسيات، مخالفاً نظرية “السوق الفعالة” التي تنفي إمكانية التفوق. أثبت بافيت العكس، مشجعاً على التحليل الأساسي. أعظم إنجازه ليس الثروة، بل الاستمرار في الأداء العالي لـ75 عاماً، كلاعب كرة لا يغيب.
كان بافيت لا يتوقف، يعمل وحده تقريباً، مثل “كال ريبكن” في الاستثمار. معلماً ملهماً، يستقبل الطلاب في أوماها، وخطاباته السنوية مليئة بحكم مثل “كن خائفاً عندما يكون الآخرون جشعين، وجشعاً عندما يكونون خائفين”. حسنت هذه الخطابات تواصل المستثمرين مع عملائهم.
استخدم خطاباته لجذب شركات للبيع، واعداً بإدارة محترمة دون تغييرات جذرية. أصبح اجتماعات بيركشاير “وودستوك الرأسمالية”، يجذب عشرات الآلاف، مع عرض منتجات الشركة. كان بافيت مثل جي بي مورغان الحديث، يدعم الشركات في الأزمات كـ2008، مشجعاً على أميركا.
فيلسوفاً، علق على الضرائب والخيرية، محتفظاً بتواضعه: يعيش في نفس المنزل، يأكل هامبورغر وكوكا كيري، ويشعر بالذنب من طائرته الخاصة. أجل الخيرية حتى يزيد ثروته، ثم تبرع بـ31 ملياراً لمؤسسة غيتس في 2006، وأسس “عهد العطاء” لجمع المليارديرات.
حب بافيت للأعمال جعله يتنقل بين الأصول، محولاً بيركشاير إلى عملاق بقيمة تريليون دولار. مع تقاعده في 2025، يغيب صوته، لكن إرثه يبقى: التركيز على الصواب يؤدي إلى الإعجاب. في زمن التركيز على المال فقط، يذكرنا بافيت أن “ليس لأنك تستطيع، يعني أنك يجب”. سيبقى وارن بافيت فريداً، ملهماً الأجيال بقصته الساحرة.
***********
المصادر:
– دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)
– جريدة الدستور
– موقع (اليوم السابع)
– موقع العربي الجديد
– موقع : – الجزيرة .نت
– سكاي نيوز عربية – أبوظبي
– موقع سبق- اليوم السابع
– الإمارات اليوم
– العربية .نت – الرياض
-صحيفة الثورة السورية
– موقع المصرى اليوم – موقع عكاظ
– مواقع تواصل إجتماعي – فيس بوك – ويكبيديا
– مجلة فن التصوير
– إيليت فوتو آرت: https://elitephotoart.net
*****

