من البداية وحتى النهاية..حكاية فريد الأطرش مع الغناء والفن.- مرايا حلبية 91 ..

⊙ حكايات من فصط حلب ☆ مرايا حلبية 91
🎼 عمالقة الغناء والتمثيل في الزمن الجميل – فريد الأطرش 🎼
🌹 حكاية فريد الأطرش مع الغناء والفن من البداية وحتى النهاية 🌹
🎻 فنان ملأ الميدان الموسيقي الغنائي بإنتاجه الموسيقي والسينمائي في البلاد العربية، فلحن الكثير من الأغاني وعبأها على أسطوانات دخلت أكثر البيوت، وله معجبون كثر لا يستمعون إلى غيره.. وأكثر الألحان التي لاقت نجاحاً ساحقا تلك التي لحنها لشقيقته «أسمهان» وقدمها في أفلامه السينمائية، ولو قدر لأسمهان الحياة لظهرت ألحانه بشكل أوسع وأعم، ومع ذلك فقد أخذت ألحانه مركزها واحتلت مكانها اللائق..
🎻 هذا هو «فريد الأطرش» الفنان ذو الجنسية العربية، لأنه ولد في حاصبيا اللبنانية من أم لبنانية، وكان والده من جبل الدروز في سورية، وقـد استوطن أخيراً في مصر فحاز بذلك على جنسياته العربية الثلاث، وعروبـة «فريد» ظاهرةً في أغانيه وانتقائه للأشعار التي يلحنها..
🎻 ولد «فريد» في بلدة حاصبيا عام |1917| في بيئة نبيلة تنتسب إلى عائلة الإمارة الطرشانية، فعشق الموسيقى والغناء منذ حداثته، ومع دراسته الأولية كان يمارس هوايته الموسيقية، ولما اشتد ساعده قليلاً سافر إلى القاهرة مع شقيقته «أسمهان» ووالدته «علياء المنذر»؛ وفيها انتسب إلى المعهد العالي للموسيقى العربية، وكان اسمه آنذاك المعهد الموسيقي الملكي للموسيقى العربية، فانصقلت موهبته في هذا المعهد، وبدأت تظهر بوادر إنتاجه، فاستدعته الإذاعة القاهرية ليقدم عزفاً على العود، ثم نبّه «فريد» إدارة الإذاعة أن له صوتاً جميلاً يرغب بأن يسمعه للجماهير العربية، فلبت رغبته ثم بدأ يظهر له بعض الأسطوانات في أغان وطقاطيق؛ لم تلبث أن ارتفعت هذه الألحان إلى أوبريت وأفلام استعراضية وقصائد كبيرة ذوات الإيقاعات الموسيقية المركبة..
🎻 كانت مصر هي الاختيار الأمثل للسيدة «عالية بنت المنذر»، والدة الفنان السوري «فريد الأطرش» وشقيقته «أسمهان»؛ حيث لم تكن خاضعة لسلطة الاحتلال الفرنسي كما في بلاد الشام.. لذلك انطلق «فريد» مع أسرته من بيروت إلى حيفا بالعربة؛ ومنها إلى القاهرة بالقطار حتى وصلوا إلى مصر، بعد أن اجتازوا الحدود بمعجزة من دون أوراق هوية ولا تأشيرات دخول؛ حيث استغاثت الأم عبر الهاتف من سيناء بمكتب سعد زغلول، فأمر بدخولهم مصر على مسئوليته الخاصة..
🎻 وفي القاهرة عاش الفنان السوري مع أسرته حياة تختلف كلياً عن حياة الأمراء التي اعتادوها، واستأجروا منزلاً متواضعاً في شارع باب البحر بالقاهرة القديمة، ونجحت الأم بالتحايل في إلحاق ابنيها فؤاد وفريد بمدرسة (الفرير) الفرنسية بالخرنفش، وادّعت لمدير المدرسة الفرنسي أنهم من عائلة (كوسة) الشهير، وأنهم فقدوا أوراقهم الشخصية في الرحلة، فرّق الرجل لحالهم ووافق على قبولهما بالمجان..
وبذلك تحول الأطرش إلى «فريد كوسة» واحتمل سخرية زملائه ومدرسيه، ومع مرور الأيام بدأت موهبته الموسيقية تتفتح، وأخذ يتأثر بجمال صوت والدته ومهارتها في العزف على العود، فطلب إذن من أحد القساوسة بالمدرسة لحضور حصة التراتيل حتى أصبح بعد فترة قصيرة رئيساً لفريق المنشدين فيها..
لكن معلمه نصحه ذات يوم بقوله: “إنك تتمتع بصوت جيد؛ لكن ترتيلك ينقصه الإحساس، يجب أن تذرف الدمع وأنت تنشد، وتجعل مستمعيك أيضًا يشاركونك البكاء”، فاستجاب الصبي للنصيحة، ويبدو أن ذلك ساهم بقوة في تشكيل شخصيته الغنائية (الحزينة) التي عرف بها فيما بعد..
🎺🎼🎻🎹🎷🎼🎸🎶🎺
🎻 عندما جاءت أسرته هاربة من جبل الدروز فى سورية للقاهرة في مطلع العشرينيات من القرن الماضي، كانت «أم كلثوم» و«عبد الوهاب» نجمين مضيئين، وكان أمله في البدايـة أن يصبح مطرباً فقط؛ يطاول اسمه عمالقة الطرب، ولهذا غنى من تلحين آخرين مثل «فريد غصن» و«يحيى اللبابيدي» و«مدحت عاصم»، وبعد ذلك اكتشف أن أفضل من يضع ألحان لصوت «فريد الأطرش» هو الملحن «فريد الأطرش».. ومن هنا بدأ «فريد» مرحلة النضج الفني في صالة «بديعة مصابني» مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي.. هذه الصالة التي قال لي عنها الموسيقار الراحل «محمود الشريف» زميل «فريد الأطرش» في تلك السنوات، إنها كانت أكاديمية الإبداع الفني الغنائي في مصر.. هذه الراقصة اللبنانية الأصل «بديعة» هي التي قدمت للساحة المصرية والعربية كبار المطربين والمطربات والراقصات، بل والشعراء أيضاً..
نعم؛ بدأ «فريد» الغناء في قاعة صغيرة تملكها «ماري منصور»؛ إلا أن الخطوة الأهم في مشواره؛ كانت ولا شك عند «بديعة» عازفاً للعود ومطرباً ثم ملحناً.. النظام الصارم الذي وضعته «بديعة» لا يسمح لأي فنان بالتلحين إلا بعد أن يمر بمرحلة العزف والغناء أولاً.. كانت صالة «بديعة» حلبة إبداعية كل من يلتحق للعمل عندها؛ حتى ولو كانت الوظيفة بعيداً عن الفن، فإن فيروس الفن ينتقل إليه، ونستطيع مثلاً أن نرى صورة ماسح أحذية يقف على باب الصالة؛ وهو «محمود فهمي إبراهيم»؛ الذي اكتشفت «بديعة» أنه شاعر موهوب، فأسندت له كتابة بعض الأغنيات، وكان «فريد الأطرش» متعاطفاً معه؛ حتى أنه أسند له تأليف كل أغاني فيلمه الشهير (أنت حبيبي)؛ مثل (زينة)، و(يا مجبل يوم وليلة تطوي السكة الطويلة)؛ التي رقصت على إيقاعها «هند رستم» في القطار!!..
🎺🎼🎻🎹🎷🎼🎸🎶🎺
🎻 مارس فريد فن الغناء والتلحين أكثر من أربعين عاماً؛ قدم خلالها المئات من الألحان الغنائية والموسيقية من مختلف الألوان؛ والمؤلفات الموسيقية التقليدية منها، والمتطورة التي تتسم بالابتكار والأصالة والذوق الرفيع، التي أضفت على الأغنية العربية ألواناً من الإبداع الفني والجمالي.. وكان «فريد» من الأعلام الذين وضعوا اللبنة الراسخة في نهضة الموسيقى العربية الحديثة مع أقرانه الأعلام..
🎻 وهكذا نجد أن تاريخ «فريد الأطرش» في الميدان الموسيقي حافلاً بجلائل الأعمال الفنية.. فهو من رواد الموسيقى العربية المعاصرين الذين كان لجهودهم الأثر الكبير في نهضة موسيقانا العربية وازدهارها، إلى جانب فرسان هذا الميدان الشيخ «زكريا احمد»، و«محمد عبد الوهاب»، و«رياض السنباطي» ومن سبقهم من الأعلام..
🎻 يعتبر «فريد» أول من قدم الأوبرا بعد المرحوم الشيخ «سيد درويش» من الملحنين وذلك، في فيلمه الأول (انتصار الشباب) عام |1939|، ولم يكن للسينما المصرية فبل هذا التاريخ عهد بالأوبريت الغنائية، كما سجلت ألحانه وموسيقاه بعض الدول الأوربية، وقاد الفرق الموسيقية الأوربية في ألحانه الفنان الفرنسي «فرانك بورسيل»، فسجل من مؤلفاته أغاني:

  • حبيب العمر
  • نجوم الليل
  • زمردة
    🎻 إن هذا الفنان قد تخطى إنتاجه الفني نطاق البلاد العربية إلى البلاد الأوربية، فنرى شركات الأسطوانات الأوربية تسجل له لحن (وياك) على أسطوانة دخلت الكثير من البيوت الأوربية، وحينما زار القاهرة عازف الأرغن الأوربي «جيرالد شو» عام |1946| كان من ضمن معزوفاته الأوروبية التي قدمها على مسارح القاهرة معزوفة (حبيب العمر)، ولم يخل الاتحاد السوفيتي من ألحان «فريد»، فإن موسيقى (يا زهرة في خيالي) تعزف فيها باسم (تانغو اورينتال)..
    🎺🎼🎻🎹🎷🎼🎸🎶🎺
    🎻 ومن أهم اتجاهات «فريد» الفنية؛ عنايته بالاستعراضات الغنائية التي تتضمن جميع الألوان الغنائية الشرقية، ووضع هذه الجهود الهائلة في معظم أفلامه السينمائية، وكان مكثر في إنتاج الأفلام السينمائية، وقد بلغ عدد الأفلام التي أنتجها لحسابه الخاص؛ وقام فيها بأدوار البطولة [32] فيلماً منها: (حبيب العمر)، و(لحن الخلود)، و(رسالة غرام)، و(عهد الهوى)، و(الخروج من الجنة) وغيرها.. هذا عدا عن الأفلام التي اضطلع ببطولتها لحساب شركات الإنتاج الأخرى وعددها [35] فيلما منها: (انتصار الشباب)، و(أحلام الشباب)، و(حكاية العمر كله)، و(الحب الكبير)، و(زمان يا حب)..
    🎺🎼🎻🎹🎷🎼🎸🎶🎺
    🎻 وفريد يعتبر من العازفين البارعين على آلة العود؛ فهو يعتز بهذه الآلة كثيراً، وقد حرص على استخدامها في جميع حفلاته، وفي رحلاته الفنية إلى خارج مصر، كل ذلك رغبةً منه في المحافظة على إحياء هذه الآلة العربية الأصيلة والحفاظ عليها.. وقد استطاع أن يطور الأداء على هذه الآلة؛ حيث خرج عن نطاق طور العزف المألوف الضيق إلى دائرة أكثر رحابة، وهو استطاعته التعبير عن مختلف الأحاسيس الإنسانية المألوفة في التعبير الكلامي إلى التعبير اللحني، وهذه البادرة تعتبر خطوة جذرية نحو ارتقاء الموسيقى العربية إلى مكانتها المأمولة والمنتظرة في ميدانها العملي..
    🎻 شارك «فريد» بفنه في خدمة الحركة الوطنية، فقدم الكثير من الألحان الوطنية الحماسية منها (المارد العربي)، الذي صورته إدارة الشؤون العامة للقوات المسلحة للسينما، وعرض في جميع دور العرض في الجمهورية المصرية.. كما غنى العديد من الأغاني منها:
  • يا بلادي يا بلادي فيك عاش الأوفياء..
  • اليوم يوم الشجعان
  • دعي الفجر هيا رجال الغد
  • سنة وسنتين
    🎻 كما شارك «فريد» في جميع المناسبات القومية، وكان في كل مناسبة يقدم لحناً جديداً يعبر فيه عن أحاسيسه ومشاعره ووطنيته الصادقة.. ويذكر الميدان الفني المصري على سبيل المناسبة تعشق «فريد» لمصر ومصريته أنه حين أوفدته الإذاعة المصرية إلى لندن عام |1939|؛ بناءً على طلب إذاعتها لتسجيل بعض الأغنيات، أعلنت الحرب العالمية الثانية، فأحس «فريد» بحنين غريب إلى موطنه الثاني، فبعث برسالة إلى أحد الشعراء لينظم له أغنية يعبر فيها عن شعوره، فنظم له الأغنية المعروفة: (يا مصر كنت في غربة وحيد).. وعندما عاد إلى القاهرة قدمها للإذاعة وسجلها على أسطوانة وزعت على العالم العربي..
    🎻 إن هذه العاطفة بين «فريد» وعروبته، قد قابلتها الدول بالمثل، أظهرت شعورها نحو هذا الإنسان الفنان فقلدته هذه البلدان أوسمتها الرفيعة؛ فجاءته الأوسمة من سورية ولبنان والأردن والمغرب وتونس، ومنحه الرئيس «جمال عبدالناصر» وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، ومعنى ذلك أن هذه الدول قد شعرت بأحاسيس هذا الفنان؛ وقدرت فيه مشاعره النبيلة، وبادلته تلك المحبة بالمحبة والتقدير والإعجاب..
    🎺🎼🎻🎹🎷🎼🎸🎶🎺
    🎻 تغنى بألحانه مشاهير المطربات والمطربين في مصر والدول العربية منهم: «فتحية أحمد»، و«نجاة علي»، و«أسمهان»، و«صباح»، و«سعاد محمد»، و«وردة الجزائرية»، و«شادية»، و«محمد رشدي»، و«محرم فؤاد»، و«وديع الصافي»..
    وكانت ألحانه سبباً في شهرة كثيرين منهم هذا الفنان.. فضلاً عن كونه فنان مبدع؛ فإنه أيضاً يؤدي الغناء من الطراز الأول، والى جانب هذا الأداء المبدع، فقد تحلى بالخلق الطيب، والأريحية السمحة، في إطار جميل من إنسانية الفنان، مما أعاد إلى الفن والموسيقى العربية سيرته الأولى في عصره الذهبي، فكان حصيلة هذا النجاح بما وهب من نفسه للفن، وبما بادله الفن من عطاء سخي..
    🎻 ولم يمض وقت طويل حتى أصبح الأخوان «فريد» و«أسمهان» موضوع اهتمام كتّاب الأغنية والملحنين، ولاسيما بعد ذيوع أغنية «فريد» الشهيرة (يا ريتني طير)، وكان النجاح الكبير الأول لفريد وشقيقته هو فيلم (انتصار الشباب) سنة |1941|، وهو النجاح الذي جعل منه نجماً سينمائياً إضافة إلى مكانته البارزة في دنيا الغناء..
    🎻 لقد مثل «فريد» أكثر من ثلاثين فيلماً سينمائياً خلال مشوار امتد ثلث قرن، ويمكن القول إنه حتى هذه اللحظة فإن أفلام «فريد الأطرش» هي درة الأفلام العربية الغنائية، فاذا كانت «ليلى مراد» مثلاً هي أفضل من غنى في تاريخ السينما العربية، فإن أفلام «فريد الأطرش» هي أفضل الأفلام الغنائية في تاريخ السينما العربية عبر القرن الماضي..
    🎻 لم يكن «فريد الأطرش» ممثلاً موهوباً، بل إنه كان يطلب إلى المخرجين تجنيبه الأدوار المعقدة مردداً – كما ذكر المخرج الراحل بركات – إن أدواراً كهذه تحتاج إلى (ممثل)، ولكن موهبة «فريد» السينمائية تكمن في أهم عناصر العملية السينمائية: الإنتاج، مستفيداً بذلك بمكانته مطرباً مرموقاً ومحبوباً في كل الأقطار العربية..
    🎻 كان «فريد» يختار لأفلامه أفضل الروايات السينمائية مستعيناً بعبقري كتابة النصوص السينمائية على مر تاريخ السينما العربية «أبو السعود الأبياري»، الذي كتب له عدداً من الأفلام؛ تحولت على مر الزمن إلى علامات بارزة في كلاسيكيات السينما العربية، ويقال إن الرئيس المصري السابق «أنور السادات» كان يصطحب معه عدداً من أفلام «فريد» هذه في رحلاته خارج مصر، ليشاهدها في أوقات فراغه..
    🎻 وقد لجأ «فريد» إلى تعريب عدد من الروايات العالمية من مثل (غادة الكاميليا)، و(مجدولين)، كما أنه ابتكر قصة فيلم (قصة حبي) استوحاها كما هو معروف من قصة زواج ملك مصر السابق «فاروق» من «ناريمان»، حيث قام «فريد» بدور خطيب الفتاة الجميلة التي قيل إن الملك السابق رآها في أحد محلات المجوهرات فأعجبته، ووافقت هي على الزواج بمهر كبير هو أن تصبح ملكة مصر، وغيّر «فريد» وبدّل بمعاونة كاتب السيناريو، فجعل من الضابط مطرباً شهيراً قام هو بدوره، وقيل وقتذاك إن السلطة الثورية الجديدة قد شجعت «فريد» على إنتاج الفيلم..
    🎻 وبالإضافة إلى القصة؛ كان «فريد» يختار أفضل المخرجين من مثل «أحمد بدرخان»، و«هنري بركات»، و«يوسف شاهين»، كما كان يحشد في أفلامه في أدوار المساندة أبرز ممثلي عصره في تلك الأيام من مثل «كمال الشناوي»، و«يوسف وهبي»، و«أنور وجدي»، و«عبدالسلام النابلسي» وغيرهم..
    أما البطلات فكنّ ممثلات المستوى الأول: «فاتن حمامة»، و«مديحة يسري»، و«مريم فخر الدين»، و«شادية»، و«ماجدة»، إضافة إلى «سامية جمال»، وغيرهن بطبيعة الحال.. كما كان يدخر لأفلامه أفضل أغانيه وأكثرها شهرة، ولقد خدمت أفلام «فريد الاطرش» أغانيه بما لم تصنع السينما مع أي مطرب آخر، وذلك في الفترة التي سبقت ظهور التليفزيون، وباتت هذه الأغاني الآن من الفقرات الأساسية في البرامج الترويجية لأي محطة تلفزيونية..
    🎺🎼🎻🎹🎷🎼🎸🎶🎺
    🎻 غنى «فريد الأطرش» للقلوب، وغنى للحياة، وشدا للأمة العربية بكل أقطارها، وبالاسم، هل ننسى (بساط الريح)؟.. وغنى لإشراقات الفرح الإنساني بما لم يفعل أحد غيره من المغنين، هل نجد في أي فرح إنساني أجمل من (دقوا المزاهر)، وهل نجد في أفراح الميلاد ما يعادل (يا مالكة القلب في إيدك)، وهل هناك من استحضر لحظات الحزن العاطفي بمثل ما صنع «فريد» في (يا قلب يا مجروح)، ومن شدا للربيع في تاريخ الغناء العربي بمثل ما صنعه في أغنيته الشهيرة؟..
    🎻 غنى فريد إذن للمشاعر الإنسانية كلها، وخاطب شتى الأطوار النفسية لمعجبيه ومستمعيه، ولهذا اتسمت ألحانه بنبرة الحزن، واتشحت معانيها بالشكوى من قسوة الحبيب، وتقبله هو لهذا العذاب عن طيب خاطر، وهو ما عبرت عنه أغان شهيرة من مثل (نجوم الليل)، و(ياللا سوا)، و(عيني بتضحك)، بل إن بعض أغانيه، ولاسيما في الفترة الأخيرة من عمره؛ باتت تبعث على الكآبة واليأس من مثل (عدت يا يوم مولدي)؛ التي نظمها له «كامل الشناوي»، و(أضنيتني بالهجر) التي نظمها «الأخطل الصغير»..
    🎺🎼🎻🎹🎷🎼🎸🎶🎺
    🎻 رغم أنها لم تغن من ألحانه؛ إلا أن العلاقة بين كوكب الشرق «أم كلثوم» والموسيقار «فريد الأطرش» كانت جيدة على المستوى الشخصي.. وكتب «طارق الشناوي»: “فريد الأطرش أمير الغناء؛ اضطهدته «أم كلثوم»، و سخر منه «حليم»!..
    🎻 رحيل «فريد الأطرش» كان في عام |1974|، وقبل الرحيل بخمسة أيام؛ كان مشغولاً بإحصاء ما حدث في عام مضى، والتنبؤ بملامح عام قادم، وكأن «فريد» لم يحسن اختيار توقيت يوم موته.. لقد غنى «فريد» ليوم ميلاده بأشعار «كامل الشناوي» (عدت يا يوم مولدي، عدت يا أيها الشقي)، ولم يدرك أن يوم رحيله سيظل أيضاً يوماً شقياً..
    🎻 أمسك «فريد» المجد من أطرافه: مطرباً وملحناً؛ وبطلاً للأفلام، وملكاً متوجاً في العزف على العود، ورغم ذلك ظل طوال حياته يعتقد أن هذا المجد لن تكتمل أركانه إلا إذا لحن أغنيات لكل من «أم كلثوم» و «عبدالحليم».. وعاشت تلك الأمنية بداخله تطارده، وكلما اقترب من تحقيقها؛ اكتشف أنه يمسك الهواء بيديه..
    🎺🎼🎻🎹🎷🎼🎸🎶🎺
    🎻 وكان منافس «فريد» الأول بعد أن بدأ مشواره هو «محمد عبدالوهاب».. «عبدالوهاب» مطرب وملحن وممثل، وكذلك «فريد الأطرش»، والفارق الزمني بينهما [9] سنوات فقط..
    «عبدالوهاب” من مواليد |1901|، و«فريد» من مواليد |1910|، وبرغم أن عام ميلاد «عبد الوهاب» و«فريد» يعدّ بمثابة أحد الأسرار العسكرية؛ وكل منهما يحاول أن يختصر سنوات من عمره، وكان «فريد» يحمل جواز سفر يؤكد أنه من مواليد |1915|، و«عبد الوهاب» يحمل جواز سفر يؤكد أنه من مواليد |1910|؛ إلا أن الشاعر الغنائي الكبير «مأمون الشناوي»؛ أقرب أصدقاء «فريد الأطرش» أكد لي أن «فريد» من مواليد |1910|، وأن «عبدالوهاب» يكبره بأربع سنوات..
    🎻 «فريد الأطرش» هو الفنان العربي الوحيد الذي لديه أربع جوازات للسفر: سوري ولبناني ومصري وسوداني، وكل دولة عربية اعتبرته ينتمي إليها، وكان آخرها السودان، وهكذا منحه «جعفر النميري» رئيس السودان في مطلع السبعينات، الجنسية السودانية، وكانت هي آخر جنسية حصل عليها، والدولة العربية الوحيدة التي كانت بينه وبينها توتر هي الجزائر، وإن كان هذا التوتر قد زال سريعاً، وذلك بسبب أوبريت بساط الريح الذي كتبه «بيرم التونسي»، حيث غنى لأغلب الدول العربية، وعندما اتجه غرباً غنى لتونس الخضراء، ثم انتقل إلى مراكش، ولم يذكر الجزائر التي كان ينبغي أن يمر عليها بالطبع بساط الريح.. وقد اعتبرها بعض الجزائريين من فرط حبهم لفريد؛ إهانة مقصودة، ولم يكن هذا بالطبع في حسبان «فريد»، بل إن من المؤكد أن «بيرم التونسي» لم يكن يقصد أيضاً؛ أن يعبر بالبساط بدون أن يغني للجزائر، ربما لضيق زمن الأوبريت.. وانتهت بالطبع حالة الغضب، وغنى «فريد» للجزائر، وفي الجزائر، ومن أشهر أغنياته (المارد العربي)؛ التي حرص فيها وهو يذكر بلاد (المارد العربي) ألا ينسى أن المارد العربي قابع في بلد المليون وربع مليون شهيد..
    🎻 «فريد» كان يريد دائماً أن تتم المقارنة بينه وبين «عبدالوهاب»؛ إلى درجة أنه كان يسعى في الخمسينات إلى عقد صفقة: يغني هو من تلحين «عبدالوهاب»، ويغني «عبدالوهاب» من ألحانه، لكن «عبدالوهاب» لم يبد حماساً لهذه الفكرة، بل طلب منه أن يغني هو أولاً أحد ألحانه القديمة!!..
    🎻 «فريد» هو المطرب الوحيد الذي استمر لديه جاذبية جماهيرية في السينما بعد ظهور «عبدالحليم حافظ».. كانت خطة «عبدالوهاب» هي أن يظل «فريد» منشغلاً بمعركة مع «عبدالحليم» حتى يظل «عبدالوهاب» بعيداً حتى عن المقارنة، والحقيقة هي أن هذه كانت أحد لمحات الذكاء لمحمد عبد الوهاب، وهي أن يشغل منافسه بمعارك أخرى بعيدة عنه، فتصبح المقارنة بين «فريد» و«عبدالحليم»، وليست بينه وبين «فريد»..
    🎻 كان رأي «عبدالوهاب» في «فريد الأطرش» يحمـل إعجاباً؛ لكنه لا يصل للذروة، فهـو يقول مثلاً إن «فريد» لو أخلص للتلحين مثلما يخلص للعب القمار لأصبح له شأن أكبر.. والحقيقة هي أن «فريد» لم تكن لديه نقطة ضعف سوى لعب القمار، وسرعة الوقوع في حب النساء من بطلات أفلامه؛ مثل «سامية جمال» و«شادية»؛ فهو لا يدخن، ولا يشرب الخمر، لكنه لم يستطع أن يقاوم الإمساك بورق (الكوتشينة)، حتى إنه في أحد خسائره؛ رهن عمارته على نيل القاهرة بالجيزة بجوار بيت الرئيس الراحل «أنور السادات»!!.. ورغم ذلك فلقد كان «فريد» في عز أزماته المادية هو عنوان الكرم والشرف.. روى لي الموسيقار «محمد الموجي» أن «فريد» عرف من أحد الأصدقاء أن «محمد الموجي» يمر بضائقة مالية، وفوجئ بأن موظفاً يطرق بابه في المساء من مكتب «فريد» ويمنحه ظرفاً به بضعة آلاف من الجنيهات!!..
    🎻 كان «فريد» يرى أن الجيل التالي له من الملحنين؛ مثل «الموجي» و«كمال الطويل» و«بليغ حمدي» لا يدخلون في مجال التنافس معه، وأن الوحيد الذي يحق له أن ينافسه هو «عبد الوهاب»، ولهذا في الأربعينات كان يريد أن يسبق «عبد الوهاب» في التلحين لأم كلثوم، والبداية لم تكن أغنية (الربيع)؛ كما ذكر في مسلسل (أم كلثوم)، وأصبحت هذه هي الواقعة الأكثر شهرة في لقائه مع «أم كلثوم»، ولكنها ليست الحقيقة، البداية كانت مع أغنية (حبيب العمر) عام 1947، كانت هي أول كلمات يقدمها «مأمون الشناوي» لكي تغنيها «أم كلثوم»، وقالت له إنها معجبة بالكلمات؛ ولكنها تريد بعض التغييرات، فقال لها «مأمون الشناوي» هل تطلبين من فنان تشكيلي يقدم لك لوحة؛ أن يضع بعض ظلال أو يغير بعض الألوان، والأغنية مثل لوحة تشكيلية متكاملة البناء، ولكن «أم كلثوم» قالت له: أنا التي أقدم هذه اللوحة للجمهور، يجب أن اقتنع أنا بها أولاً..
    وسحب «مأمون» الكلمات رافضاً رأي «أم كلثوم»، ولا يعلم الكثيرون أن «حبيب العمر» في الأصل أغنية، وطنية وأن حبيب العمر هو الوطن، ولو راجعت الكلمات لاكتشفت ذلك؛ فهو يقول: “فتحت عينيه من صغري على حبك، وكان أملي، سقتني كاس هواك بدري”.. ولكن لحن «فريد» أبعد عنها الإحساس الوطني..
    الصدفة هي التي أوقعت الكلمات في يد «فريد الأطرش»؛ حيث أن «فريد» وقتها كان يقطن بجوار فيلا «أم كلثوم» بحي الزمالك الشهير بالقاهرة، وعندما غادر «مأمون» فيلا «أم كلثوم» لمحه «فريد الأطرش» وهو في طريق العودة لمنزله، وكان قد سبق له أن لحن من كلماته أغنية (أهوى)؛ التي غنتها شقيقته «أسمهان» في فيلم (غرام وانتقام)، وقرأ «فريد» كلمات (حبيب العمر) وأعجبته؛ وبدأ في تلحينها، والغريب أن فريد ذهب بها مرة أخرى إلى «أم كلثوم» التي قالت له أنا قلت لمأمون الشناوي يغير بعض الكلمات، واعتذرت عن غناء اللحن.. وغناه «فريد» بصوته، بل أطلق على فيلمه اسم (حبيب العمر) على اسم الأغنية.. وتكرر الأمر مع أغنيات (أول همسة)، و(الربيع)، و(حكاية غرامي)، و(نجوم الليل).. ودائماً تطلب «أم كلثوم» تغيير في الكلمات، أو تغيير في المقام الموسيقي، وتتعثر المفاوضات بينهما..
    ولم يفقد «فريد» الأمل أن تغني له «أم كلثوم».. إلا أن «فريد» ظل لديه إحساس بأن «أم كلثوم» تتعمد ألا تغني ألحانه، لأنها لا تريد لألحانه الانتشار بصوتها!!..
    في أول لقاء بينهما، أراد «فريد» أن يحقق أمنيته باللقاء مع شاعر أغنية (انت عمري) بأغنية (كلمة عتاب)، ووافقت «أم كلثوم» على الكلمات، وأبدت سعادتها باللحن، ولكن «فريد» توفي في |26 ديسمبر 1974|، ورحلت بعده «أم كلثوم» بأقل من [40] يوماً، ولم يتحقق اللقاء بل إن اللحن لم يكن «فريد» قد وضع له المقدمة بعد؛ ولهذا غنته «وردة» بعد أن استعان «بليغ حمدي» بأشهر مقاطع من موسيقى لأغنيات «فريد»، ومزج بينها، فأصبحت هي مقدمة (كلمة عتاب)، ولا تزال الإذاعة المصرية تحتفظ بتسجيل لكلمة عتاب بصوت «فريد» على العود.. كانت هذه هي أكبر عقدة عاشها «فريد»..
    🎻 «فريد» كان هو المطرب الوحيد الذي استمر وله مكانته الخاصة في السينما؛ بعد أن ظهر «عبدالحليم» سينمائياً في (لحن الوفاء) عام |1955|؛ وتستطيع أن تدرك أن «فريد» استخدم كلمة (لحن) مرتين كعنوان لأفلامه الأولى عام |1952|: (لحن الخلود)، والثانية بعدها بعام في (لحن حبي).. فقرر المخرج «إبراهيم عمارة» أن يقدم لعبد الحليم في أول أفلامه لحناً آخر تيمناً بفريد؛ وهو (لحن الوفاء)!!..
    🎻 كل المطربين الذين لمعوا قبل «عبدالحليم» سينمائياً توقفوا، مثل «عبدالعزيز محمود»، و«كارم محمود»، و«محمد الكحلاوي»؛ حتى «محمد فوزي» لم يقدم بعد بزوغ نجومية «عبدالحليم» سوى فيلمين فقط ثم توقف.. وبدأ الجمهور يتجه إلى «عبد الحليم» ولكن «فريد» ظل في مكانته السينمائية حتى أن آخر أفلامه (نغم في حياتي) الذي عرض عام |1975| بعد رحيله، بينما توقف «عبدالحليم» عن السينما بعد فيلم (أبي فوق الشجرة) عام |1969|، وعاش «عبدالحليم» بعدها [8] سنوات..
    «فريد» كان لديه قلب عليل، لكنه لم يكف عن التلحين، أو الغناء، أو التمثيل، أو الحب، وقدم للساحة السينمائية [31] فيلماً، فهو أكثر المطربين الذين قدموا أفلاماً غنائية، لا ينافسه في الكم سوى «محمد فوزي»؛ إلا أنه على مستوى النجاح التجاري لا يقارنه أحد..
    🎻 أخرج القسط الأكبر من هذه الأفلام «أحمد بدرخان»، و«هنري بركات»؛ وكل منهما [11] فيلماً، وهما أستاذان في مجال الفيلم الغنائي.. كان «بدرخان»؛ هو أيضاً المخرج الذي استعانت به «أم كلثوم» في أفلامها بداية من (نشيد الأمل)، وقدم «بدرخان» «فريد» و«أسمهان» لأول مرة في (انتصار الشباب)، وتجد أيضاً على خريطته السينمائية «صلاح أبو سيف» في فيلم (رسالة من امرأة مجهولة)، و«عاطف سالم» في (زمان يا حب).. و«كمال الشيخ» في فيلم (من أجل حبي).. و«يوسف شاهين» في فيلم (انت حبيبي).. وكان أفضل أداء لفريد كممثل كان مع «يوسف شاهين» في فيلم (انت حبيبي)؛ رغم الخلافات التي كانت تنشب بينهما دائماً في الاستديو، لأن «فريد» يعتز بأنه «فريد»، وينسى أنه يؤدي شخصية درامية داخل أحداث الفيلم، ولهذا كان يعترض على تنفيذ الكثير من مشاغبات «شادية» في دويتو (يا سلام على حبي وحبك)، ولكن «يوسف شاهين» كان يصر..
    وحكى «عاطف سالم» عن فيلم «فريد» (زمان يا حب)، أنه كان يريد اختصار زمن أغنيات «فريد»؛ لأن هناك فارقاً بين أغاني الحفلات وأغاني الأفلام، بينما «فريد» يريد أن يأتي الجمهور للسينما لكي يشاهد تلك الأغنيات، وقبل أن يجري «عاطف سالم» المونتاج النهائي ليختصر زمن الأغاني، وجد «فريد» أن الطريق الوحيد لكي يقنع «عاطف» بالإبقاء على زمن الاغنيات؛ هو أن يوجه له دعوة لحضور حفل له كان يقيمه في بيروت أثناء تصوير الفيلم.. قال «عاطف”: قبل أن يصعد «فريد الأطرش» على المسرح، صعد عود «فريد» فقط، ووضع بجوار الكرسي، فظل الجمهور على مدى [15] دقيقة يصفق للعود، وعندما صعد «فريد» صفقوا [20] دقيقة قبل أن يغني، واقتنع «عاطف» بأن «فريد» حالة خاصة؛ وينبغي أن يطيل من أجله زمن أغنياته؛ حتى لو تعارض ذلك مع إيقاع الفيلم..
    🎻 قالت «لبنى عبدالعزيز» في ذكرياتها حول فيلم (رسالة من امرأة مجهولة) إن «عبدالحليم حافظ» لم يكن سعيداً بأن تقف بطلة أمام «فريد» بعد أن لعبت بطولة أول أفلامها (الوسادة الخالية) أمام «عبدالحليم»، والفيلمان لنفس المخرج «صلاح أبو سيف».. نعم كان «عبدالحليم» يضع «فريد» دائماً في معادلاته الفنية، وكان «فريد» على الجانب الآخر يريد أن يؤكد أنه الموسيقار وليس فقط المطرب؛ مثل «عبدالحليم»، ولهذا لم يكن أمامه سوى أن يلحن لأهم الأصوات «صباح»، و«شادية»، و«وردة»، و«سعاد محمد»، و«شهرزاد»، وأن يسعى لكي يلحن أيضاً لعبد الحليم حافظ، وبالفعل اتفق مع الشاعر «عبدالعزيز سلام» ولحن أغنية (يا وحشني رد عليا ازيك سلامات)، وأعلن «عبدالحليم» إعجابه باللحن، بل وغنى على عود «فريد» مذهب الأغنية أكثر من مرة، ثم فجأة اختفى وتهرب من «فريد»، وأراد «فريد» أن يلقنه درساً، فمنح هذه الأغنية إلى منافسه في تلك السنوات منتصف الستينيات؛ «محرم فؤاد»، وكان بعض أصدقاء «فريد» قد اقترحوا عليه أن يغنيها بصوته، ولكنه وجد أن الرد المنطقي أن يسند هذا اللحن إلى «محرم»، وظل يمنح ألحانه لكل منافسي «عبدالحليم»؛ مع أول منافسيه «كمال حسني»، و«عبداللطيف التلباني»، و«محرم فؤاد»..
    ثم كانت أهم معركة بين الاثنين في عام |1969|؛ عندما جاء «فريد» من لبنان بعد ابتعاده عن مصر عدة سنوات، وغنى (سنة وسنتين وانت يا قلبي تقول أنا فين)؛ التي كتبها «مأمون الشناوي»، وأراد «فريد» أن يغني في ليلة الربيع؛ وهو نفس موعد غناء «عبدالحليم حافظ» حيث كان التليفزيون يقدم دائماً حفل «عبد الحليم» مساء يوم الأحد على الهواء مباشرة، ولم تكن الدولة تملك وقتها سوى قناتين فقط الأولى والثانية؛ وأسمهما [5] و[9]، وإمكانيات الدولة إعلامياً لم تكن تسمح سوى بوحدة واحدة للبث المباشر على الهواء، كيف يتم إذن حل هذا المأزق، ولم يستطع ولا حتى وزير الإعلام د. «عبدالقادر حاتم» إيجاد حل، فكان ينبغي أن تتدخل السلطة السياسية العليا، ورفع الأمر حتى يزيل الحرج عن نفسه إلى «عبدالناصر»؛ الذى أصدر اوامره مؤكداً أن على التليفزيون أن يذيع حفل «فريد الأطرش» على الهواء مباشرة، ويسجل حفل «عبدالحليم» ليذاع في ثاني يوم، وكانت هناك مشكلة الفرقة الموسيقية؛ حيث أن الفرقة الماسية؛ وهي أهم فرقة في مصر بقيادة «أحمد فؤاد حسن»، فكيف تقدم الفرقة حفلتين في نفس الوقت، وتم تقسيم الفرقة إلى شعبتين: واحدة برئاسة المايسترو «أحمد فؤاد حسن»، والثانية برئاسة عازف الكمان الشهير «أحمد الحفناوي»؛ مع الاستعانة ببعض عناصر من فرقة «صلاح عرام».. كما أن هناك أيضاً نزاع على المطربين والمطربات، وفجأة ظهر الحزبان «بليغ حمدي» ملحناً، و«محمد حمزة» شاعراً في جبهة «عبدالحليم حافظ»، وبدأت معركة الإغراءات: من يغني مع «عبد الحليم» سوف يلحن له «بليغ»، ومن يذهب لحفل «فريد» يغني من تلحينه، كان من المفترض أن يغني «محمد رشدي» أغنية (ردوا السلام) لبليغ حمدي في حفل «عبدالحليم»، وكان «فريد» قد اتفق معه أيضاً فماذا يفعل؟.. تنازل عن لحن (ردوا السلام) الذي أصبح أول ألحان «عفاف راضي»، وقدمت من خلاله أوراق اعتمادها كمطربة للجمهور، بينما منح «فريد» لرشدي أغنية اسمها (عشرية)؛ لم يعد أحد يتذكرها الآن، كما أن «فهد بلان» غنى له في نفس الحفل (ما اقدرشي على كده ومقام السيدة)، وغنت «سعاد محمد» من أغاني «فريد» القديمة (بقى عايز تنساني)..
    وظلت المعركة مستمرة؛ حتى أن الرئيس «جمال عبدالناصر» منح «فريد» وسام الفنون والعلوم من الطبقة الأولى، وهو نفس الوسام الذي حصلت عليه من قبل «أم كلثوم»، و«عبدالوهاب»، وهو ما لم يمنح لعبدالحليم حافظ في عهدي ناصر والسادات، برغم اقترابه من دائرة السلطة، إلا أن «فريد الأطرش»؛ كان هو الأقرب لجمال عبد الناصر، ومن بعده لأنور السادات، وهذا دائماً ما كان يوغل في صدر «عبد الحليم»!!..
    العلاقة الساخنة بينهما كانت تشهد تراشقات في الصحافة، ولم يحسم الأمر سوى هذا التسجيل الوحيد الذي يجمع بين «فريد» و«عبدالحليم” عام |1970| للتليفزيون اللبناني، ويومها عاتبه «فريد» قائلاً أنت قلت إني قد والدك.. ورد عليه «عبدالحليم»: بلاش يا سيدي، ما تزعلش انت قد جدي!!.. وقررا تكليل هذا اللقاء التليفزيوني بأغنية مشتركة، وتم تكليف «محمد حمزة» بكتابة الأغنية.. وكالعادة تهرب «عبدالحليم» في اللحظات الحاسمة..
    🎺🎼🎻🎹🎷🎼🎸🎶🎺
    🎻 نعم لم تتحقق أمنية «فريد» بالتلحين لـ«أم كلثوم» و«عبدالحليم حافظ»، وخسرت المكتبة العربية ولا شك مذاق إبداعي له سحره، ولكن مكانة «فريد» ظلت كما هي، فلقد أمسك المجد من أطرافه، حتى لو لم يكن من بين ما أمسك به ألحان لأم كلثوم وعبدالحليم حافظ!!..
    إن المتصفح للائحة الملحنين الذين تعاقبوا على التلحين لسيدة الطرب العربي؛ لاشك سيلاحظ أن الست تعاملت مع ملحنين من جميع المستويات والأجيال، من الأربعة الكبار «رياض السنباطي» و«محمد القصبجي» و«زكريا أحمد» و«محمد عبدالوهاب»، إلى ملحنين من مستويات متباينة أمثال: «صبري النجريدي» و«محمود الشريف» و«بليغ حمدي» و«كمال الطويل» و«سيد مكاوي»، ومن جميع معاصريها من الكبار، لم يستثن من دخول نادي ملحني السيدة «أم كلثوم» إلا «فريد الأطرش» فما هي قصته مع «أم كلثوم»، ولماذا فشل مشروع تعاونهما؟..
    لقد انصرف «فريد» عن فكرة التلحين للسيدة «أم كلثوم»؛ فكان يراقب غناءها لملحنين كانوا أطفالاً عندما بدأ هو الغناء والتلحين مطلع الثلاثينات؛ مثل «كمال الطويل» و«محمد الموجي» و«بليغ حمدي»، ومما كان يخفف عنه أن ملحناً عملاقاً ظل «فريد» يضع رأسه برأسه؛ وهو «محمد عبدالوهاب» مستبعد بدوره من أجندة الست، لكن سيتغير كل شيء ابتداء من سنة |1964|؛ ففي هذه السنة وبضغط من الرئيس «جمال عبدالناصر» سيدخل «محمد عبدالوهاب» نادي ملحني السيدة «أم كلثوم» بلقاء السحاب؛ وهو الاسم الذي أطلقته الصحافة المصرية على أغنية (أنت عمري) في كناية على التقاء قمة التلحين «محمد عبدالوهاب»؛ مع قمة الغناء «أم كلثوم»..
    هنا تغير الوضع.. لقد أصبح «فريد» المستبعد الوحيد، لذا سيتنازل عن كبريائه، ويعرض نفسه؛ بل ويوسط الآخرين، وستستقبله السيدة «أم كلثوم» بفيلتها بالزمالك..
    ومند البداية؛ بدا أن الست لم تأخذ الأمر محمل الجد، فوضعت شرطاً تعجيزياً، فقد طلبت من «فريد» انتقاء شعر وتلحينه، فإذا أعجبها الكلام واللحن كان به، وإلا خيرها بغيرها.. انتقى «فريد» قصيدة وطنية من ديوان الشاعر اللبناني «بشارة الخوري» الملقب بالأخطل الصغير؛ هي (وردة من دمنا)، ولما اطمأن لمتانة اللحن، عرضه على السيدة «أم كلثوم»، فردت الست إنها يسعدها أن تغني هذه القصيدة؛ خاصة وأنها لفلسطين، لكن الأغنية الوطنية تؤدى مرة أو مرتين، ثم تركن، وهي تريد أن تبدأ تعاونها مع «فريد» بقصيدة عاطفية، يمكن أن تؤدى على المسرح لفترة طويلة..
    رجع «فريد»، وانتقى قصيدة دارجة من كلمات «أحمد شفيق كامل»؛ هي (كلمة عتاب).. ولما أسمع جزء منها لأم كلثوم، ردت بأنها تريد لحناً على مقام الراست وليس النهاوند الذي لحنت على مقامه (كلمة عتاب).. رجع «فريد» وأخبر المقربين منه، فأشاروا عليه أن السيدة ترفض الغناء من ألحانه، وتستحي أن تقول له ذلك بالفم المليان..
    بعدها سيصرح «فريد» في حديث للإذاعة السورية في غضون سنة |1973| أن «أم كلثوم» تكرهه، وترفض الغناء من ألحانه لغيرتها القديمة من «أسمهان».. وهذا التصريح؛ يجعلنا نصدق ما يقال على سذاجة الرجل وعلى نيته..
    الأهم من كل ذلك، أن الأسباب التي سيقت لتبرير عدم اللقاء بين العملاقين كثيرة؛ فمن قائل إن «فريد» أخطأ حين سرب الخبر للصحافة، لأن حساده وأولاد الحلال نقلوا للسيدة «أم كلثوم» أن «فريد» إنما أراد بالتسريب أن يفرض عليها الأمر الواقع، فلا يمكنها أن تتراجع بعد شيوع الخبر.. ومن قائل إن الإقليمية الضيقة كانت وراء إبعاد «فريد» عن تحقيق حلمه للتلحين للسيدة «أم كلثوم»، كما ساهمت في إفشال لقاء ألحانه مع صوت «عبدالحليم»، لأنهم ظلوا ينظرون إليه في مصر على أنه شامي؛ رغم حصوله على الجنسية المصرية سنة |1950|.. في سياق آخر؛ يرجع الموسيقار «بليغ حمدي» عدم التعاون بين العلمين الكبيرين؛ إلى أن «فريد» كان مغتراً للغاية بنفسه، وعنيداً إلى آخر مدى، حتى في ما لا يخدم فنه هو.. وأن «فريد» لم يعرف كيف يتعامل مع سيدة في الغناء العربي كأم كلثوم..
    وفي تبرير أقرب إلى الصحة؛ يقول الناقد السوري «صميم الشريف» في كتابه {السنباطي وجيل العمالقة} ص 285: أن «أم كلثوم» امتنعت عن غناء اللحن الذي وضعه لها، نتيجة الضغط الذي مورس عليها من قبل «محمد عبدالوهاب» و«السنباطي» وغيرهما، بدعوى أن مستوى «فريد الأطرش» في التلحين لا يتفق والمستوى الذي تغنيه للسنباطي وعبد الوهاب والموجي وحمدي.. والحقيقة أن «السنباطي» نفسه؛ كان يضع «فريد» ضمن الطبقة الثانية من الملحنين، لأنه كان يلازم في نظره مقامات معينة سهلة لا يحيد عنها؛ ولا ينتقل لغيرها، ونادراً ما توجه إلى مقام عويص.. وحتى نكون منصفين، أرى أن أبرز مجموعة من الحقائق منها:
    ● إن «فريد» نجح حين لحن لغيره؛ أكثر مما نجح حين لحن لنفسه، وستجد أن أحسن ما بقي من كثير من المطربين والمطربات لدى الجمهور، هي الألحان التي قدمهما لهم «فريد»، ويمكن أن نستحضر هنا «أسمهان»؛ و«نور الهدى»؛ و«صباح»، و«محرم فؤاد»؛ و«ديع الصافي»؛ و«محمد رشدي» وغيرهم..
    ● إن أنسب أعمال «فريد» التلحينية لأم كلثوم هي أعماله الكلاسيكية كالربيع؛ و(أول همسة)؛ و(حبيب العمر)؛ و(بقى عايز تنساني) وغيرها، ومع الأسف كان «فريد» قد غناها واستنفذها؛ حين تولدت فكرة التلحين للسيدة «أم كلثوم»، وكنت أقول إن أنسب لحن لأم كلثوم في الفترة التي ولد فيها مشروع التلحين؛ هي قصيدة (عش أنت)، كما كنت دائماً أردد؛ إن أنسب لحن أطرشي لعبد الحليم حافظ هو الأغنية الفردية (يا حبايبي ياغايبيين)..
    ● إن قصيدة (وردة من دمنا) لم تكن لا هي و(لا كلمة عتاب) بالعملين اللذين كان على «فريد» أن يبدأ بهما باكورة تعاونه مع سيدة الطرب العربي، والدليل أنه لا (وردة من دمنا)؛ حين غناها «فريد و(لا كلمة عتاب)، حين أدتها «وردة» تركتا صدى كبيراً يمكن أن يقنعنا بأن «أم كلثوم» أخطأت حين رفضتهما..
    ● إن «فريد» نفسه تأخر في طلب التلحين لأم كلثوم؛ فلم يتحمس للأمر إلا بعد تلحين غريمه «محمد عبدالوهاب» لها، وقد كان بجعبته ما يقدم لها في الأربعينات والخمسينات، وقد يكون ارتكب أخطاء في التعامل معها كما ذهب إلى ذلك «بليغ حمدي»..
  • هل كان لصراع «أسمهان» و«أم كلثوم» في نهاية الثلاثينات وبداية الأربعينات على عرش الغناء وإقحام اسم «أم كلثوم» في المشتبه بهم في مقتل «أسمهان» دخل في إفشال هذا التعاون.. الله أعلم..
    🎺🎼🎻🎹🎷🎼🎸🎶🎺
    🎻 اشتهر «فريد» بطيبة القلب ورقة الإحساس وضعفه أمام أصدقائه الذين، في غياب حياة الأسرة المستقرة، لم يكن يستطع الابتعاد عنهم لحظة واحدة، وبعض هؤلاء استغل طيبته فجعل من علاقته بالفنان الكبير سبيلاً للإثراء المادي، وبعضهم عمل كصديق مزدوج مع خصومه فزاد في تعقيد علاقاته مع الفنانين الآخرين، وبعضهم الآخر ظل مخلصاً ملازماً له؛ فكان «فريد» ينفق عليه، بل يؤويه ويتكفل به، هكذا صنع مع صديقه «عبدالسلام النابلسي»؛ بعد أن تقطعت السبل بهذا الأخير؛ وفقد كل ثروته في إفلاس (بنك انترا) في لبنان منتصف الستينيات..
    🎻 وعرف المال طريقه إلى «فريد» بعد نجاح الفيلمين، فأصبح محط أنظار الطبقة الراقية، ورحب هو بهذا الجو الجديد الذي جاء تعويضاً عن أيام البؤس والشقاء..
    هكذا اعتاد الموسيقار الشاب تدريجاً على مراهنات الخيول، وطقوس اللهو والسهر، وكان كلما زادت خسائره ازدادت شهوته للتعويض، حتى إنه تعرض للإفلاس أكثر من مرة..
    وشهدت باريس أقسى محنة مر بها بسبب الطاولة الخضراء؛ حينما اضطر لرهن ساعة يده ليحصل على ثمن تذكرة العودة؛ فضلاً عن حلولـه ضيفـاً على مسافر مصري رافقـه في الرحلة، وحين عاد وجـد صاحب المنزل يطالبه بإيجار ثلاثة أشهر لم يكن قد دفعها..
    🎻 في هذه الفترة كان «فريد» قد أنهى للتو علاقة استمرت عشر سنوات بفتاة من بنات الطبقة الراقية؛ وصفها في كل احاديثه بـ”السمراء بنت الذوات”، ولم يفكر مرة واحدة في الزواج منها، إذ كان يرى في الارتباط العائلي مقبرة للفن، وقيداً لطموحات أي فنان.. ولما كان ذا عاطفة متأججة وفي حاجة ماسة للحب، فقد خرج من قصة حب هذه السمراء ليقع في غرام سمراء أخرى؛ هي الراقصة «سامية جمال».. والراقصة المعروفة ليست المرأة الأولى في حياته، ولم تكن الأخيرة أيضاً، لكن قصة حبهما كانت الأعنف والأطول عمراً.. إذ دخلت «سامية جمال» حياته في ظروف غاية في الحساسية، فهي جاءت في أعقاب أكبر أزمة مالية واجهته، وبعدما تركت والدته البيت اعتراضاً على جو السهر والبذخ؛ مفضلة الإقامة وحدها..
    والأهم من ذلك؛ أنه تعرف إلى الراقصة الشهيرة بعد مصرع شقيقته وتوأم روحه «أسمهان» في حادث غرق السيارة الشهير، الذي لا يزال غامضاً حتى اليوم.. وأراد الموسيقار الكبير أن يعمق علاقته بسامية جمال فقرر أن ينتج للمرة الأولى فيلماً يقومان ببطولته، وباع سيارته وحظيرة خيوله؛ واستدان مبلغ عشرة آلاف جنيه، كما حصل على كثير من المساعدات المادية والفنية من صديقه المخرج «هنري بركات».. وبفضل ذلك كله؛ تمكن من إنجاز فيلم (حبيب العمر) عام 1947؛ الذي أحرز نجاحاً تجارياً ضخماً، انتقل «فريد» معه إلى مرتبة الأثرياء، وسدد كل ديونه..
    🎻 وأغراه النجاح والحب بإعادة الكرة، فأنتج وشارك «سامية جمال» بطولة خمسة أفلام أخرى بين عامي |1947-1952| هي: (احبك انت)، و(آخر كدبة) من إخراج «أحمد بدرخان» و(عفريتة هانم)، و(ماتقولش لحد) من إخراج «بركات»، و(تعالى سلم) من إخراج «حلمي رفلة»..
    🎻 قصة الحب الأسطورية التي جمعت بين الفنان السوري «فريد الأطرش» والراقصة المصرية «سامية جمال» لم تنته بشكل رومانسي عن طريق الزواج؛ أو بشكل درامي عن طريق الفراق، ولكنها انتهت بشكل أكثر إثارة في ساحات المحاكم، فبعد أن رفض «الأطرش» الزواج من «سامية» خضوعًا لتقاليد عائلته الصارمة، افترق الاثنان؛ وباتت تلك القصة حديث الأوسط الفنية والصحفية، ونُسب إلى الاثنان عدة تصريحات قاسية، فكانت النتيجة أن أقام الأول دعوى (سب وقذف) ضد «سامية» يتهمها بالنيل من سمعته الشخصية والفنية.. لكن المحكمة المختصة بنظر القضية رفضت دعوى الفنان السوري؛ وبرّأت «سامية» من هذا الاتهام؛ وأسقطت عنها الحق المدني الذي طالب به محامي المُدعي.. وبحسب مجلة (الكواكب)، فإن «الأطرش» قبل انتهاء المحكمة إلى براءة الراقصة المصرية، أكد لعدة صحف فنية أنه بصدد التنازل عن الدعوى؛ رجوعًا إلى صداقتهما القديمة وتاريخهما الفني المشترك، ولكن هذا التنازل كان (صحفيًا) فقط، ولم يحدث أن تقدم محاميه بهذا التنازل المزعوم!.. أما «سامية جمال»، التي كانت ترقد مريضة في منزلها، فقد استقبلت النبأ بكلمة واحدة هي: “الحمدلله”، فيما أكد أصدقاؤها المقربين أن مرضها ليس مصدره ميكروب الإنفلونزا اللعين؛ وإنما (عين الحسود)..
    إلا أنه بقدوم عام |1952|؛ كانت الأزمات العاطفية قد بلغت مداها بين الحبيبين بعد أن نجح البعض في الإيقاع بينهما، فأخذ كل منهما ينسب إلى نفسه الفضل في نجاح الآخر.. وفي الوقت نفسه كان «فريد» لا يزال متشبثاً برفضه الزواج، فكان طبيعياً أن تمل «سامية جمال» هذه العلاقة.. وفجأة تم الإعلان عن زواجها من شاب أميركي اعتنق الإسلام؛ وأطلق على نفسه اسم «عبدالله كنج»، لتنتهي واحدة من أشهر قصص الحب في الوسط الفني..
    وعقب الانفصال الفني بين «فريد الأطرش» و«سامية جمال» عام |1952|، ظن الجميع أنـه قد انتهى.. لكنه سرعان ما عاود الوقوف على قدميه ثانية، واستعاد وجوده الفني، مع نجاح فيلم (لحن الخلود).. وأهم ما في هذه التجربة أن الفنان لم يضطر أن ينتج فيلماً لنفسه حتى يعود إلى السينما من دون «سامية» شريكته في النجاح، وإنما جاءت المبادرة من استوديو مصر صاحب الفضل الأول في تقديمه على الشاشة الكبيرة عام |1941|..
    وتوافرت لفيلم (لحن الخلود) كل أسباب النجاح، إذ جمع لأول وآخر مرة نجمات السينما الثلاث «فاتن حمامة»، و«مديحة يسري»، و«ماجدة»، فضلاً عن أن «فريد» أنشد فيه مجموعة من أنجح أغنياته؛ على رأسها أغنية (لحن الخلود) التي أخذ منها الفيلم عنوانه..
    🎻 وبعد هذا الفيلم تفتحت شهيته للعودة للإنتاج؛ فقدم في |1953| فيلم (لحن حبي) من بطولة «صباح» و«حسين رياض» و«إسماعيل ياسين» و«عبدالسلام النابلسي»، وظهرت فيه الراقصة ليلى الجزائرية التي أتى بها من باريس لتدخل الشهرة من أوسع أبوابها؛ بعدما رقصت على واحدة من أكثر أغنياته انتشارآً وهي أغنية (نورا)، التي أداها في ذلك الفيلم.. وكانت هذه الراقصة الشابة المرأة الجديدة في حياة الموسيقار المعروف، لكنه لم يكن حباً بالمعنى المألوف على الأقل من ناحيته هو، بل كان أقرب إلى ال?

أخر المقالات

منكم وإليكم