ما هي الضرورة الشعرية ومتى يلجأ إليها الشاعر وما رأي النقد العربي فيها؟

بقلم الشاعر عبد الواسع السقاف

هل لاحظت أنه كلما خاطبت شاعرًا في وزنٍ مختل أو قاعدةٍ غير سليمة يقول لك: ضرورة شعرية!!

طيب ما هي الضرورة الشعرية ومتى يلجأ إليها الشاعر وما رأي النقد العربي فيها؟

الحقيقة أنه في الشعر العربي، الذي يُعرف بالتزامه الصارم بالوزن والقافية والبلاغة، يجد الشاعر أحيانًا نفسه أمام حاجات إبداعية لا يمكن التعبير عنها ضمن القواعد التقليدية الصارمة. وهنا يظهر مفهوم الضرورة الشعرية، الذي يعدّ استثناءً من القواعد، مبررًا بالهدف الفني والوجداني للنص.

تعريف الضرورة الشعرية

الضرورة الشعرية هي أي تصرّف بالقصيدة يُخالف القواعد العروضية أو البلاغية المعتادة، لكنه يُبرَّر بحاجة النص أو المعنى أو الإحساس الشعري. وهي رُخص لغوية تُمنح للشعراء لتجاوز بعض قواعد النحو والصرف، بهدف الحفاظ على الوزن والإيقاع والقافية، واستقامة الصورة الفنية.

متى يلجأ الشاعر إلى الضرورة الشعرية؟

يلجأ الشاعر إلى الضرورة الشعرية عندما يتطلب المعنى الانسجام مع الوزن: مثل إدخال زحاف أو حذف حركة لتجنب كسر التفعيلة أو الإيقاع. أو عندما يحتاج النص إلى صورة بلاغية دقيقة: مثل تركيب نحوي غريب أو كلمة شاذة. أو عندما يريد الشاعر تعزيز الإحساس أو الموسيقى الداخلية للنص: مثل تكرار الحروف أو الألفاظ لصناعة جرس صوتي خاص.

أمثلة على الضرورات الشعرية:

1. ضرورات تتعلق بالحروف (زيادة، نقص، تغيير): حذف الهمزة: قولُ شوقي “روحي فداه” (أصلها: فداؤه). وقطع همزة الوصل: “ألا لا أرى إثنينِ أحسن شيمةً” (الأصل: “اثنينِ”). وتخفيف المشدد: “لا يدَّعي القومُ أني أفرْ” (الأصل: أفرُّ). والمد والقصر: (مثل مد أو قصر الهمز أو الألف لأجل الوزن).

2. ضرورات تتعلق بالإعراب والحركات: مثل تنوين ما لا ينصرف: قول امرئ القيس: “خدرَ عنيزةٍ” (الأصل: خدرَ عنيزةَ، صرفت للضرورة). وتسكين المفتوح أو تحريك المسكن.

3. ضرورات تتعلق بالتقديم والتأخير: مثل تقديم المفعول به على الفعل أو الخبر على المبتدأ (مع مراعاة الوزن). وأشهر أنواع الضرورات (حسب بعض النقاد وعلماء اللغة): قطع، وصل، تخفيف، تشديد، مد، قصر، تسكين، تحريك، منع صرف، صرف.

وجهة نظر النقاد للضرورة الشعرية:

يختلف النقاد في تقييم الضرورة الشعرية، النقاد المؤيدون يرون أنها وسيلة إبداعية مهمة، تُظهر براعة الشاعر في التلاعب بالقواعد لتحقيق أثر جمالي أو وجداني أكبر. أما النقاد المعارضون فيعتبرونها خروجا عن القواعد الأساسية المألوفة مما يؤدي إلى ضعف النص أو إضعاف القيمة الشعرية إذا أسرف الشاعر فيها دون مبرر.

والخلاصة أن الضرورة الشعرية عند النقاد مقبولة حين تخدم النص وتزيده جمالا وعمقا، لكنها مرفوضة إذا أصبحت وسيلة فوضوية أو غياب للمهارة.

خاتمة

الضرورة الشعرية ليست مجرد خرق للقواعد، بل حق للشاعر عند الحاجة الإبداعية. نجاحها يقاس بمدى أثرها الفني والجمالي في النص، ومدى توازنها بين الانضباط والحرية الشعرية.

ومن وجهة نظر شخصية الضرورة الشعرية هي حق فقط لكبار الشعراء الذين لديهم تجربة شعرية قوية، وليست سبيلا لصغار الشعراء الذين يتخذونها عذرا لعدم تمكنهم من إجادة العروض والبلاغة.

أخر المقالات

منكم وإليكم