” علي عباس التميمي ” … 🇮🇶
سيرة قلمٍ عراقيٍّ نذر نفسه للصحافة والأدب والتاريخ، فصار شاهدًا على تحولات وطنٍ وراويًا لحكاياته الخالدة … 🇮🇶
بقلم : طارق الأسمر … 🇲🇦
في زوايا العراق، حيث تختلط رائحة الورق بالحبر، وتتعانق الكلمات مع أنين التاريخ، وُلدت حكاية رجلٍ لم يكن مجرد صحفي، بل كان ذاكرة وطن، ومرآة ثقافة، وصوتًا لا يعرف الصمت. إنه علي عباس التميمي، الذي لم يكتفِ بأن يكون شاهدًا على الأحداث، بل اختار أن يكون صانعًا لها، وراويًا لتفاصيلها، ومؤرخًا لنبضها.
فمنذ أن خط أولى كلماته على صفحات الصحف، كان يدرك أن القلم ليس أداةً للكتابة فحسب، بل هو سلاحٌ في وجه النسيان، وجسرٌ بين الماضي والحاضر. في عام 1982، انضم إلى نقابة الصحفيين العراقيين، ليبدأ رحلةً طويلة من النضال الثقافي، حيث لم يكن الصحفي في تلك الحقبة مجرد ناقلٍ للخبر، بل كان حارسًا للهوية، ومدافعًا عن الحقيقة.
حيث لم يكتفِ التميمي بالصحافة، بل غاص في أعماق الأدب، فحصل على عضوية اتحاد الأدباء والكتاب في العراق عام 1985، ليؤكد أن الكلمة عنده ليست مهنة، بل شغفٌ متجذر، ووجدانٌ حي. ومن هناك، امتدت خطواته نحو التاريخ، فكان عضوًا في اتحاد المؤرخين العرب، يكتب لا ليؤرشف فقط، بل ليمنح الذاكرة صوتًا، ويعيد للحكايات المنسية وهجها.
و في قلب المؤسسات الثقافية، كان التميمي حاضرًا، لا كضيفٍ عابر، بل كركيزةٍ أساسية. عضويته في الهيئة الإدارية لاتحاد الكتاب والمؤلفين العراقيين، وعضويته الشرفية في المركز الوطني للوثائق منذ عام 1985، تعكس مكانته كأحد أعمدة الثقافة العراقية، وكمنارةٍ تهتدي بها الأجيال.
فأما الصحافة، فكانت له بيتًا وساحة معركة. عمل محررًا ورئيسًا ومديرًا لتحرير عدد من الصحف والمجلات العراقية، حيث كانت كل صفحةٍ تمر بين يديه تحمل بصمته، وكل عنوانٍ يُنشر يحمل رؤيته. لم يكن يكتب ليملأ الفراغ، بل ليوقظ العقول، ويثير الأسئلة، ويزرع الوعي.
ولأن الإبداع لا يعرف حدودًا، كان عضوًا في الاتحاد الدولي للمبدعين في العراق، يشارك في المؤتمرات والمهرجانات المحلية والدولية، يحمل معه صوت العراق، ووجعه، وأمله. حصل على العديد من الجوائز التقديرية، لكنها لم تكن غايته، بل كانت شهادةً على صدقه، وإقرارًا بعطائه.
و في جامعة الكوفة، حيث تلتقي المعرفة بالروح، تقلد عدة مناصب، وكان مديرًا للإعلام فيها، ثم مديرًا لإعلام كلية آداب الكوفة. هناك، لم يكن مجرد إداري، بل كان محركًا للفكر، ومؤسسًا لنهضةٍ ثقافية، أعاد من خلالها الحياة إلى المؤتمرات الكبرى، التي جمعت الفكر والثقافة والأدب تحت سقفٍ واحد.
ولعل أجمل ما يُقال عن علي عباس التميمي، أنه لم يكن يومًا باحثًا عن الأضواء، بل كان هو الضوء ذاته. رجلٌ آمن بالكلمة، ووهب لها عمره، فكتبت عنه الموسوعات، وترجمت سيرته، لا لأنه طلب ذلك، بل لأن سيرته تستحق أن تُروى، وتُخلد.
و في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث، وتضيع فيه التفاصيل، يبقى التميمي شاهدًا على عصرٍ، وصوتًا لا يهدأ، وحكايةً تُروى للأجيال، لتتعلم أن الثقافة ليست ترفًا، بل مقاومة، وأن القلم حين يُمسك بصدق، يمكنه أن يغير العالم …


