من همنغواي إلى هوليوود: كيف تفوق فيلم «القتلة» على قصته الأصلية
من المصادفة أن يعرض فيلم «القتلة» عام 1946 ويظهر تعبير «فيلم نوار» في تلك السنة، إذ إن هذا الفيلم يجسد ذلك النوع من الأفلام في جميع جوانبه. ولكن فيلم «القتلة» يعد كذلك أحد أكثر أفلام السينما تأثيرا في تاريخ السينما الأمريكية، وعلامة فارقة في تطورها، كما أنه بداية مسيرة اثنين من الممثلين، أصبحا سريعا من أساطير السينما العالمية، ألا وهما برت لانكاستر وأيفا غاردنر، حيث كان ذلك الظهور الأول لبرت لانكاستر في السينما، بينما كان الدور البارز الأول لأيفا غاردنر، بعد أدوار لا تستحق الذكر في عدة أفلام. والفيلم مقتبس من قصة «القتلة» للكاتب الأمريكي أرنست همنغواي.
تدور أحداث الفيلم في عام ألف وتسعمئة وسبعة وعشرين، وفي مطعم بلدة صغيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان العمل في ذلك الوقت من اليوم بطيئا، إذ لم يكن فيه سوى اثنين من العاملين وشاب يعمل في محطة البنزين. وفجأة يدخل اثنان من القتلة مثيرين الرعب في قلوب الموجودين ويستجوبونهم عن شخص يدعى «السويدي» (برت لانكاستر) لأنهم يريدون قتله. ويستغرب أحد العاملين عن السبب، فيوضح أحد القتلة، أنه لا يعرفه ولكن يجب أن يقتله. ويخرج القاتلان من المقهى، فيذهب الشاب إلى مسكن «السويدي» لتحذيره، إذ إنه يعمل معه في محطة الوقود، إلا أنه يفاجأ بعدم اهتمامه أو تفكيره بالهرب، أي أنه يستسلم لمصيره. ويخرج الشاب مستغربا عائدا أدراجه. ويقتحم القاتلان مسكن السويدي ويقتلاه دون أن يبدي أي مقاومة. ولأن السويدي كان يعمل في محطة وقود، فكان مشمولا بتأمين الشركة المالكة للمحطة، مما جعل أحد محققي شركة التأمين يحاول حل لغز هذه الجريمة الغريبة، ولماذا لم يحاول «السويدي» الهروب أو مقاومة قاتليه، لاسيما أنه اكتشف أن الضحية كان ملاكما سابقا وعنيفا. ويبلغ زميل «السويدي» في العمل المحقق أنه كان مؤدبا ومثابرا في عمله ولكن تصرفاته تغيرت عندما أتى زبون في سيارة فاخرة، حيث بدا «السويدي» وكأنه أصيب بصدمة. ويكتشف المحقق أن «السويدي» قضى ثلاث سنوات في السجن، فيتصل بضابط الشرطة الذي كان مسؤولا عن تلك القضية، ويكتشف أن «السويدي» كان قد وقع في غرام أمرأة شابة (أيفا غاردنر) من الوسط الإجرامي، فجرته إلى ذلك الوسط. وعندما اتهمت هذه المرأة بسرقة مجوهرات، ادعى «السويدي» أنه كان السارق فدخل السجن لهذا السبب. وأثناء قضائه فترة العقوبة، ظن أن المرأة لا تراسله لأنها مريضة بينما كانت في الحقيقة قد أصبحت عشيقة زعيم عصابة إجرامية خطيرة. ويكتشف المحقق تدريجيا مدى سذاجة (السويدي) تجاه النساء وتهوره في تصرفاته، فعندما يخرج من السجن ينضم إلى تلك العصابة بالذات. وتتفق العصابة على سرقة ربع مليون دولار من إحدى الشركات والتفرق فور الانتهاء، كي يجتمع الجميع في مكان محدد. ولكن المكان يتغير، من دون إبلاغ السويدي، فيقتحم المكان ويأخذ المبلغ من العصابة عنوة متهما العصابة بمحاولة الاستيلاء على حصته ويهرب بالمال، ولكنه بعد أيام قليلة ينهار، حيث يسرق أحدهم المال ويصبح معدما ويفقد احترامه لنفسه، لأنه خُدِع.
ويكتشف محقق التأمين أن المرأة أبلغت جميع أفراد العصابة بتغيير مكان الاجتماع، إلا أنها أخبرت «السويدي» أن العصابة تحاول أخذ حصته، فيجن جنونه ويسرق المال بأكمله، إلا أن المرأة تأخذ كل شيء وتختفي. ويقرر المحقق أن المرأة مفتاح اللغز، فيبحث عنها مما يعرضه إلى محاولة قتل من قبل قاتلي «السويدي»، إلا أن محققي الشرطة ينجحون في قتلهما. ويكتشف المحقق في نهاية المطاف أن المرأة كانت متفقة مع زعيم العصابة منذ البداية، حيث أمرها بإغواء السويدي وخداعه كي يسرق المال من العصابة، ثم تهرب هي بالمال تاركة السويدي منهارا، وتلحق بزعيم العصابة الذي كان هدفه عدم تقسيم الغنيمة مع بقية أفراد العصابة، ويُقتَل زعيم العصابة على يد أحد أفرادها بينما يُقبَض على المرأة.
لم يمتز الفيلم ببراعة أداء الممثلين فحسب، بل كذلك بمهارة المخرج الألماني روبرت سيودماك، والمصور، في تحويل القصة إلى كابوس متواصل منذ اللحظة الأولى، مصحوبا بإثارة لم تتوقف طوال الفيلم. وقد ساعد كون الفيلم بالأبيض والأسود، على تقوية التأثير الدرامي والنفسي على المشاهد، بالإضافة إلى الموسيقى المؤثرة، التي زادت من عمق وقع أحداث الفيلم على المشاهد. وكانت النتيجة فيلما ناجحا للغاية من الناحيتين التجارية والفنية، حتى أصبح علامة في تاريخ السينما ودرسا لطلبة صناعة السينما.
على الرغم من أن القصة للكاتب أرنست همنغواي، وكانت قد نالت إعجاب الكثيرين، إلا أن الفيلم كان أفضل منها، لأن الكاتب ترك هفوات واضحة فيها كعادته في أعماله الأدبية، ولذلك قام طاقم الفيلم بإضافة الكثير من التفاصيل لجعل الفيلم أكثر واقعية، على الرغم من أن نجاحهم لم يكن مثاليا، إذ بقيت بعض النقاط غير المنطقية في الفيلم. ومنها أخبار القاتلين للعمال في المطعم بنيتهم قتل «السويدي»، فقد كان ذلك غير معقول، وكان سبب هذا المشهد في الحقيقة إخبار المشاهد، الذي ربما يتساءل عن سبب اقتحام القتلة ذلك المطعم. وظهر خطأ آخر عندما قام الشاب بإنذار «السويدي» ثم عودته إلى المقهى، ففي الحقيقة أن التصرف الواقعي يكون بإبلاغ الشرطة فورا. ومن الأخطاء الأخرى كان استسلام السويدي وطريقة تعامله مع زعيم العصابة في محطة الوقود، فهذه ليست طريقة تعامل المجرمين العنيفين. ومع ذلك لم ينتبه أحد لهذه الأخطاء بسبب الإخراج والتمثيل الرائعين. ويستحق المخرج والممثلين كل الثناء، في مشهد محاولة قتل محقق التأمين الفاشلة، إذ بدا بالغ الواقعية على عكس المشهد الشهير لآل باتشينو، وهو يغتال منافسه مع ضابط الشرطة في المطعم في فيلم «العراب». وقد حدثت مثل هذا الاغتيالات داخل المطاعم في عالم الإجرام، عدة مرات، وقد ذكرت مرارا في كتب تاريخ العصابات الإجرامية. وكان أشهرها مقتل زعيم المافيا جوماساريا عام 1931. ومن الجدير بالذكر، أن أرنست همنغواي عدّ هذا الفيلم أفضل الأفلام التي اقتبست من أعماله، وكان مصيبا في رأيه.
لم يكن نشر القصة الأصلية عام 1927 مصادفة، إذ شهدت الولايات المتحدة الأمريكية تزايدا ملحوظا في نشاط العصابات الإجرامية في تلك الفترة. وكان من أسباب ذلك منع بيع المشروبات الكحولية والضعف النسبي للقوى الأمنية. وكانت شيكاغو، حيث تقع أحداث القصة بالقرب منها، من أكثرها شدة. وبرزت أسماء شهيرة في عالم الإجرام في تلك الفترة، وكان الأشهر آل كابوني.
يعد الفيلم تجسيدا لنمط «الفيلم نوار» (تعبير فرنسي يعني الفيلم المظلم) في السينما الأمريكية. وعلى الرغم من أن الأسم ظهر عام 1946، فإن هذا النوع من الأفلام ظهر في ثلاثينيات القرن العشرين، أي في فترة الكساد الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية. وتتمحور مواضيع هذا النوع من الأفلام حول الجانب البائس من المجتمع الأمريكي مثل عالم الإجرام واليائسين المستعدين القيام بأي شيء مهما كانت درجة قسوته وشره من أجل تحقيق المكاسب. ودعم تأثير هذا النوع من الأفلام، كونها غير ملونة، ما زاد من غموض وتأثير أحداثها. وبرز هذا النوع من الأفلام بشكل واضح في الأربعينيات والخمسينيات، كما اشتهر العديد منها وأعدت من رموز السينما الأمريكية مثل «النوم الكبير» The Big Sleep و»غابة الإسفلت» The Asphalt Jungle وغيرهما. وبرز بعض المؤلفين الذين اختصوا في هذه المضمار مثل وليام برنيت وريموند تشاندلر. أعيد إنتاج الفيلم عام 1964 وكان من تمثيل لي مارفن ورونالد ريغان وأنجي ديكنسن عام 1964 ونال نجاحا تجاريا، إلا أنه لم يصل لمضاهاة الفيلم الأصلي في أي جانب.
زيد خلدون جميل
باحث ومؤرخ من العراق
***&&&***
المصادر:
الموقع الإلكتروني : victory-Jo.com
– الشرق الاوسط – مراسي –
صفحة الفيس Kerolos M Takla
– صحيفة البيان الإلكترونية
_ الجريدة www.aljarida.com
– صحيفة سبق الإلكترونية- وكتلة سرمد
– النهار – الجريدة – «عكاظ»
الرياض – العربية نت – بي بي سي .كوم BBC.com
– مواقع تواصل إجتماعي – فيس بوك – ويكبيديا
– مواقع إلكترونية: المجلة- القدس العبي
الجزيرة+ العربية نيوز – فرانس24/ أ ف ب
– اخبار فن التصوير- rafik kehali
– الوسط – الألمانية -اليوم السابع
– دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)
– جائزة هيبا – الإمارات اليوم – القدس العربي
– موقع المستقبل – موقع سينماتوغراف
– موقع المصرى اليوم – موقع عكاظ
– إيليت فوتو آرت: https://elitephotoart.net
********


