ذاكرة الناس وحكمة الحياة..الأمثال الشعبية السورية…- بقلم: نجوى عبد العزيز محمود.

الأمثال الشعبية السورية… ذاكرة الناس وحكمة الحياة
بقلم: نجوى عبد العزيز محمود
تحتلّ الأمثال الشعبية مكانة خاصة في الثقافة السورية، فهي ليست مجرد جمل قصيرة تُقال في المواقف اليومية، بل هي خلاصة تجارب طويلة وحكايات تناقلتها الأجيال،فهي تمتاز بأنها بسيطة في لفظها، عميقة في معناها، ومعبّرة عن روح المجتمع، وعاداته، وبيئته، وطريقة نظرته إلى الحياة.
فهي تُعَدّ جزءاً أصيلًا من التراث الثقافي السوري، وهي مرآة تعكس ذاكرة المجتمع وقيمه وتجربته الحياتية عبر مئات السنين.
وقد نشأت هذه الأمثال من مواقف واقعية، وتجارب عملية، وروايات تراثية، فباتت تُستخدم للتعبير عن الحكمة، والتوجيه، والسخرية، والنقد الاجتماعي بطريقة موجزة وعميقة التأثير.
فالجذور الثقافية للأمثال السورية تنبع الأمثال الشعبية من بيئة متنوعة تضم المدينة والريف والبادية والجبل، مما يجعلها تحمل نكهة غنية ومختلفة من منطقة لأخرى، وقد تأثرت بظروف الحياة القديمة، مثل العمل في الزراعة والتجارة والحروب والحياة الاجتماعية، وكانت وسيلة الناس للتعبير عن الحكمة والانتقاد والموعظة بطريقة لطيفة وغير مباشرة.
ففي دمشق تميل الأمثال إلى اللطافة والتهذيب، وفي حلب: تمتاز بالحكمة والحدة أحياناً، وفي الساحل السوري: تظهر فيها علاقة الناس بالطبيعة والبحر وفي الجزيرة والبادية تتأثر بالبيئة البدوية وفي حمص تمتاز بالخفة والدعابة وغيرها من المحافظات السورية.

وظائف الأمثال الشعبية
للأمثال الشعبية دوراً فعالاً في نقل الحكمة الشعبية، فالكثير منها تلخص تجارب إنسانية مهمة، مثل الصبر والاجتهاد والاحتياط, تقويم السلوك وتستخدمها الأمهات والآباء لتعليم الأبناء بطريقة محببة والتهوين وتخفيف الهموم.
فهناك أمثال ساخرة ومرحة تُقال للترويح عن النفوس وتعزيز الهوية والانتماء، إذ يعيش السوريون مع هذه الأمثال يومياً في كلامهم وتعاملهم.

نماذج من الأمثال الشعبية السورية ودلالاتها
“الحكي ببلاش” يقال هذا المثل عندما يُكثر أحد الأشخاص من الكلام والوعود دون تنفيذ، ويدل على أن الكلام وحده لا قيمة له إن لم يُترجم إلى أفعال
“الحيطان إلها آذان” يُستخدم للتنبيه إلى ضرورة الحذر عند الحديث، لأن الكلام قد يصل إلى من لا يجب أن يسمعه ويعكس المثل ثقافة الاحتياط والحكمة في التعامل مع المواقف الحساسة.
“كل شي بالقسمة والنصيب إلاّ الرزق بدو سعي ” يستخدم لتأكيد أن الرزق يحتاج إلى جهد، وأن الاتكال على الحظ وحده غير كافٍ فهذا المثل يبرز قيمة العمل والاجتهاد في المجتمع السوري.
“يا مأمنة للرجال يا مأمنة للمَيّ في الغربال” يظهر عندما تكون الوعود غير موثوقة أو يصعب تحقيقها حيث يعبر عن تجربة اجتماعية طويلة تتعلق بالحذر من الوعود الفارغة. “الحركة بركة” من أشهر الأمثال التي تُستخدم لتشجيع الشخص على النشاط والسعي فهو يعكس ثقافة العمل والإيجابية، ويرفض الكسل والاتكال.
“القهوة بالنكهات والناس بالمواقف”يقال لتأكيد أن حقيقة الإنسان تظهر في المواقف الصعبة، تماماً كما تُعرف جودة القهوة من مذاقها.
“العين بصيرة والإيد قصيرة”يصف حال من يرغب في أمر لكنه لا يستطيع تحقيقه بسبب عجز مادي أو ظرف قاهر
أهمية الأمثال الشعبية في الثقافة السورية
تمتاز الأمثال السورية بقدرتها على نقل المعاني الكبيرة في كلمات قليلة، ولذلك شكّلت وسيلة للتواصل الاجتماعي بين مختلف الأجيال،فهي خزان للخبرة الجماعية المتراكمة عبر الزمن ووسيلة للتربية والتوجيه بطرق غير مباشرة، كما إنها صورة فنية ولغوية تكشف عن روح الدعابة السورية والذكاء الشعبي و مؤشر على الهوية المحلية، سواء في المدن أو الأرياف أو البادية.
وكان لوسائل التواصل الاجتماعي والأعمال الدرامية السورية دوراً فعالاً في نشرها على نطاق عربي واسع، وهذا يدل على أن المثل الشعبي ليس مجرد قول قديم، بل جزء حي من الوجدان الجمعي ، لذلك نجد أن الأمثال الشعبية تبقى مرآة صادقة لروح المجتمع، فهي تحكي قصته، وحكمته، وطريقته في النظر إلى الحياة. وبقدر ما تحمل من بساطة في التعبير، تحمل عمقاً في المعنى يجعلها تعيش في الذاكرة جيلاً بعد جيل.
.

أخر المقالات

منكم وإليكم