د.عفيف البهنسي لسان التاريخ يكتب مسيرة عمارة أمة.- إعداد: فريد ظفور

د.عفيف البهنسي لسان التاريخ

الباحث والفنان والمؤرج

وباعث نهضة الامة

الدكتور عفيف البهنسي

كلمة لابد منها..

الى العظيم الباحث والفنان والمؤرج وباعث نهضة هذه الامة  وباني حضارتها المادية واللامادية.إلى مؤسس نقابات فنونها التشكيلية.

إلى الفنان والموثق الرمز الذي أعاد لفن العمارة والتاريخ أمجادهما

الى المعلم الفنان الذي تخرج من مدرسة الأبجدية الأولى في بلاد الشام. التي علمت العالم كلة الكتابة.

اقدام هذه المقالة هدية متواضعة للتذكير بقامات أنارت طريقنا المعرفي وقدمت عصارة فكرها وتجاربها لخدمة جيل الشباب العربي الذي سيحمل راية امجاد اسلافه من المفكرين والباحثين والادباء والفنانين.وما هذه الشخصيات والمؤلفات

إلا بوصلة لمستقبل الناشئة وحديقة وارفة الظلال متنوعة الثمار  المعرفية والثقافية ليجد فيه شبابنا وشاباتنا بغيتهم كما يجدون فيه المتعة التي نحاول أن تكون قريبة إلى النفوس سهلة في متناول الجميع .

ليكون لهم دافعا ومحفزا وعونا وزوادة في عالم الحضارة الرقمية والذكاء الإصطناعي.

ضيفنا الدكتور:عفيف البهنسي… بين القلم والريشة

شيخ المؤرخين العرب في حضرة الفن.. ذاكرة الفن وروحه: الدكتور عفيف البهنسي … حين يصبح التاريخ لونًا والفنُ وطنًا… المعلّم والمعمار…قراءة في أثر سفير الجمال العربي…  البهنسي.. كما لم يُكتب من قبل ..من دمشق إلى السوربون.. رحلة الأكاديمي الذي علّمنا كيف نرى الفن…صانع النقابات ومؤسس الكليات.. أيادي البهنسي البيضاء على الثقافة السورية…مؤلفات تنوف على السبعين.. حين تتحول الكتب إلى متاحف ناطقة…وكذك الفن الإسلامي في عيون الباحث الجمالي العربي الأول.ونضيف شهادات واوسمة تتويج لمسيرة لا تعرف النسيان..

المقدمة:

في حضرة الجمال والفكر، لا بد أن نُسند ظهورنا إلى أعمدة من نور، أسّسها رجال نذروا حياتهم لحفظ الذاكرة وصياغة الهوية. من بين هؤلاء، تتقدم قامة سامقة اسمها عفيف البهنسي، رجل لم يكن الفن عنده متعةً بصرية وحسب، بل خطاباً حضارياً، ووسيلة لقراءة التاريخ وإعادة صياغته.

من بين جدران دمشق، حيث تلتقي الظلال بالرائحة، نشأ البهنسي شاعرَ خطوطٍ ومعمارٍ ومفكّرًا في الجمال والهوية، فحمل لواء الفن العربي، وكتب سيرته ليس فقط في الكتب، بل على جدران الوطن، وفي صروح المتاحف، وعلى شرفات النقاد والدارسين. تتقاطع في شخصه مسارات المؤرخ بالفنان، والأكاديمي بالعاشق، والباحث بالمجدد… ليغدو ذاكرة الفن العربي الحديث، وحارس تراثه الذي لا ينام .

سيرة ومسيرة الباحث :

الدكتور عفيف البهنسي (1928–2017)، أحد أبرز المفكرين والمؤرخين في مجال الفن والعمارة الإسلامية في الوطن العربي.

مؤرخ الفن والعمارة، الباحث الموسوعي، رائد الدراسات الجمالية في العالم العربي

ولد الدكتور عفيف البهنسي في دمشق عام 1928، ونشأ في بيئة علمية وفكرية ساهمت في تشكيل رؤيته الفلسفية والجمالية منذ وقت مبكر. تلقى تعليمه الأولي في دمشق، ثم حصل على إجازة في الحقوق من جامعة دمشق، ودبلوم في الفنون الجميلة، ثم سافر إلى فرنسا حيث نال الدكتوراه في تاريخ الفن من جامعة السوربون، وتخصص في الفن الإسلامي والعمارة الإسلامية، ليصبح لاحقًا أحد أهم المرجعيات في هذا المجال عربيًا ودوليًا.

شغل منصب مدير عام للآثار والمتاحف في سوريا، وأستاذ لتاريخ العمارة والفنون في كلية الهندسة المعمارية بجامعة دمشق، كما عمل مستشارًا ثقافيًا في عدة هيئات دولية، منها اليونسكو، وكان عضوًا في عدد كبير من اللجان والمؤسسات المعنية بالتراث والفن.

*إنجازاته ومساهماته:

يُعد من أوائل المؤرخين العرب الذين أسّسوا لعلم تاريخ الفن الإسلامي بمناهج حديثة تربط بين العمارة والجماليات والفكر الديني.

ساهم في تأطير دراسة العمارة الإسلامية في مناهج التعليم الجامعي، وربطها بالسياق الحضاري والروحي.

له أكثر من 70 كتابًا ومؤلفًا، من أبرزها:

الفن الإسلامي: المفهوم والوظيفة

العمارة العربية الإسلامية

جماليات الفن العربي

التصوير الإسلامي: من المنمنمة إلى الجداريات

فنون العرب في الإسلام

الفكر الجمالي في الإسلام

ساهم في الإشراف على ترميم مواقع أثرية عديدة في سوريا، مثل قلعة دمشق، وقصر العظم، ومتحف تدمر، وغيرها.

له مشاركات ومحاضرات في مؤتمرات عالمية حول العمارة والتراث.

أسلوبه ورؤيته:

تميّز الدكتور البهنسي برؤية فلسفية جمالية في مقاربته للفن الإسلامي، حيث كان يعتبره “فنًا يحمل هوية روحية”، لا ينفصل عن العقيدة والسلوك والعمران. دعا إلى قراءة العمارة الإسلامية من خلال علاقتها بالضوء والظل، والوظيفة والرمز، بعيدًا عن النظرة الاستشراقية الجامدة.

* وفاته وإرثه:

توفي الدكتور عفيف البهنسي في دمشق يوم 2 ديسمبر 2017، عن عمر ناهز 89 عامًا، تاركًا وراءه إرثًا علميًا وفكريًا كبيرًا، لا يزال مرجعًا أساسيًا في الجامعات والمعاهد ومراكز البحث في العالمين العربي والإسلامي.

في مدينةٍ تشبه الأسطورة، بين جدران دمشق العتيقة وأصوات الحارات المضمّخة بعطر الياسمين الشامي وبقايا الآثار  العثمانية والرومانية،

وُلد الدكتور عفيف البهنسي عام 1928، ولم يكن يعلم ذلك الطفل الدمشقي أن الحبر الذي تعلّمه في دار المعلمين سيصبح في ما بعد مدادًا لفصول الحضارة،

وأن عينيه ستصبحان عدستين تؤرّخان للفن والتاريخ والهوية.

رجلٌ جمع بين رهافة الفنان ودقّة المؤرخ، وبين لغة المعمار وبصيرة الفيلسوف،

ليصبح أحد أبرز روّاد الثقافة العربية الحديثة. باحث، أستاذ، فنان تشكيلي، ومنقّب في ذاكرة الإنسان،

تنقّل بين قاعات المتاحف وكراسي الجامعات، وبين محراب الخط العربي ورُقِيّ الصورة الجمالية.

ملامح التكوين..بين باريس ودمشق..

بدأت رحلة البهنسي الأكاديمية في جامعة دمشق،

حيث نال إجازة في الحقوق ودبلومًا في العلوم الإدارية عام 1950،

لكنه سرعان ما لبّى نداء الفن والجمال، فشدّ رحاله إلى باريس ليتتلمذ في معهد أندره لوت ويدرس تاريخ الفن في معهد اللوفر،

قبل أن يتوّج جهوده بالحصول على دكتوراه في تاريخ الفن من جامعة السوربون (1964)

ثم دكتوراه الدولة من الجامعة ذاتها (1978) بدرجة مشرّفة جداً في كليهما.

مناصبه ومسؤولياته..كانت عمارة الذاكرة الوطنية..

عاد البهنسي إلى وطنه ليرسم ملامح الحداثة البصرية فيه،

فكان أول مدير للفنون الجميلة في سورية (1962–1971)،

ثم مديراً عاماً للآثار والمتاحف حتى عام 1989،

وكان مؤسساً لنقابة الفنون الجميلة، وأيضا لكلية الفنون الجميلة، وكذلك مؤسساً لعدد من المتاحف ومراكز الفنون.

شغل منصب أستاذ تاريخ الفن والعمارة في جامعة دمشق منذ عام 1959،

وأصبح أول رئيس لمجلس إدارة مركز أبحاث التاريخ والفنون في إسطنبول (1980–1996).

وكان عضواً مؤسساً في اتحاد الكتّاب العرب، مما يؤكد اتساع دائرة اهتمامه بين الحرف واللوحة.

كتبه شواهد حية..وذاكرة مصورة لسورية:

ما كتبه عفيف البهنسي لا يقلّ أهمية عما شيّده، فقد قدّم أكثر من 70 مؤلفاً تُرجمت إلى لغات متعددة، وشارك في تأليف موسوعات عالمية، من بينها:

الفن عبر التاريخ:

معجم مصطلحات الفنون

جمالية الفن العربي

الفن الحديث في سورية

الفن والاستشراق

من الحداثة إلى ما بعد الحداثة

موسوعة التراث المعماري

معجم الخط والخطاطين

أما منجزاته الميدانية، فهي محفوظة في الذاكرة العمرانية والفنية:

صرح الجندي المجهول، تمثال عدنان المالكي، بانوراما حرب تشرين،

وغيرها من الشواهد التي تصوغ الوطن بجمالٍ ناطق.

التكريم والتقدير… لغة أخرى للعرفان

نال الدكتور بهنسي 13 وساماً رفيعاً من دول مختلفة،

إلى جانب عشرات شهادات التقدير، أبرزها الجائزة الأولى في الفن الإسلامي من منظمة العواصم والمدن الإسلامية.

وهو تكريم لم يكن فقط لمنجزه الشخصي، بل للاعتراف بمنهجية عربية أصيلة في فهم الفن وجماليته.

الحضور الذي لا يغيب..صوت ذاكرة وطن:

حتى بعد رحيله في الثاني من تشرين الثاني 2017، لا يزال عفيف البهنسي يقيم في ذاكرة الباحثين والطلبة والنقاد،

كمرجع لا يُستغنى عنه في تاريخ الفن العربي والإسلامي، وكصوت حمل مسؤولية أن يكون الفن شاهدًا على الزمن، وأن تكون الكلمة مرآة للهوية.

في سيرته التي وثّقها الناقد سعد القاسم في كتاب “وثيقة وطن – في تراث عفيف البهنسي”.

نجد أستاذاً لا يكتب عن التاريخ بل يعيشه، ولا يرسم الوطن بل يكوّنه بعيون من ريشة وذاكرة من ذهب.

* شهادة سعد القاسم:

عبّر الناقد سعد القاسم بأسى عن رحيل الدكتور عفيف البهنسي قبل أن يرى الكتاب الذي كان يحلم بصدوره، وقد أبدى حرص البهنسي الكبير على إنجازه، كما ظهر في رسالته الأخيرة إليه، التي قال فيها إنه لا يملك ملاحظات إضافية على النسخة النهائية، وأعرب عن أمله أن يتم تنفيذ خطة الإصدار بسرعة، لشعوره بأن الوقت لم يعد في صالحه. وصف البهنسي الكتاب بأنه “أطروحة جامعية تستحق مكافأتها”، في إشارة إلى عمق المادة وجهد الباحث.

واستشهد القاسم برسالة قديمة من الدكتور الأثري سليم عبد الحق إلى البهنسي، يطلب منه فيها تزويد باحث فرنسي بمعلومات ولوحات عن الفن التشكيلي السوري، ويختتمها بعبارة تلخص أهمية دور البهنسي بقوله:

“ليست لنا أي حيلة حين تسنح الفرصة في التعريف بأقدار عبقريات بلادنا وإسهامها في مضمار الإنتاج والابتكار.”

في تلخيص شهادة الناقد سعد القاسم حول كتاب “مذكّرات عفيف البهنسي”، نبرز النقاط التالية:

الكتاب ومنهجيته:

الكتاب من إعداد وحوار سعد القاسم، ونُشر ضمن سلسلة “وثيقة وطن” لتكريم أعلام الثقافة السورية.

استند إلى أكثر من عشرين ساعة من الحوارات المسجلة مع الدكتور عفيف البهنسي خلال أوائل عام 2017، إضافةً إلى شهادات معاصرين ووثائق متنوعة.

توفي الدكتور بهنسي قبل صدور الكتاب بأشهر، ما أضفى عليه بعدًا توثيقيًا وإنسانيًا مؤثّرًا.

الاختيار والتكليف:

جاء ترشيح سعد القاسم للمهمة بمبادرة من الدكتورة بثينة شعبان، وكان بهنسي نفسه هو من اقترح اسمه.

شعر القاسم بمسؤولية كبيرة، دفعته إلى قراءة واسعة وزيارات متكررة إلى منزل بهنسي في شارع الروضة، حيث تم تسجيل الحوارات وسط أجواء منزلية وثقافية غنية.

أهمية الكتاب:

حمل عنوانًا معبّرًا: “وثيقة وطن.. في تراث عفيف بهنسي”، في إشارة إلى تداخُل الشخصي بالوطني.

حافظ القاسم على أسلوب بهنسي في الحديث ما أمكن، ساعيًا إلى تقديم صورة صادقة وشاملة عن هذه القامة الثقافية.

العلاقة الشخصية؛

تعود معرفة القاسم باسم بهنسي إلى طفولته، حين وقعت عينه على كتابه “الفنون التشكيلية في الإقليم السوري” في مكتبة جده.

لاحقًا، شكّل كتاب “تاريخ الفن والعمارة” مرجعًا أساسياً له أثناء تحضيره للالتحاق بكلية الفنون الجميلة عام 1974

مضامين الكتاب:

يتناول محطات حياة بهنسي: الطفولة، التعليم، السفر إلى فرنسا، ثم المناصب الثقافية والإدارية.

يسلّط الضوء على منجزاته الباقية مثل: تمثال عدنان المالكي، صرح الجندي المجهول، بانوراما حرب تشرين.

يستعرض مشاركته الفاعلة في المؤسسات الوطنية والدولية المرتبطة بالفن والآثار والمتاحف.

الكلمة الختامية لبهنسي:

عبّر الدكتور بهنسي عن سعادته بأن يكون سعد القاسم مَن يدوّن سيرته، وقال:

“حديثي هو حديث من شاهد ومن فعل ومن اشتغل ومن ساهم في إعادة رسم وثيقة هذا الوطن، سورية”.

أبدى بهنسي امتنانه للقاسم، معتبراً أن هذا الكتاب سيكون جسرًا لاستمرار حياته الرمزية في الذاكرة الثقافية السورية

خلاصة

أثبت سعد القاسم من خلال هذا العمل وفاءه لتاريخه الشخصي والوطني، ونجح في تقديم سيرة عفيف البهنسي ليس كمجرد مؤرخ فنّ، بل كفاعل في الثقافة والهوية السورية، جعل من حياته نفسها وثيقة وطن.

خاتمة تليق.. الجمال موقف… والفن وطن..

لم يكن الدكتور عفيف البهنسي مجرد مؤرخ للفن، بل كان هو ذاته جزءًا من تاريخ الفن العربي. عاش حياته مؤمناً بأن الجمال لا يُدرّس فقط، بل يُعاش ويُبنى ويُصان. ومن دمشق إلى باريس، ومن القاعات الجامعية إلى المتاحف والكتب، خطّ بيده سيرة لا تُمحى، ليبقى اسمه محفورًا في جدارية الذاكرة الثقافية، علماً من أعلام الفكر والجمال في سورية والعالم العربي.

وندلف أخيرا للقول باننا أمام قامة معرفية كبيرة …

قد ترحل الأجساد، لكن الأرواح التي تخطُّ أثرها على وجه الحضارة لا تُغادر. هكذا بقي عفيف البهنسي بيننا، في كل ريشة رسم، وفي كل حجر أثري، وفي كل كتاب خطَّه ليصير دليلاً، وفي كل طالب حمل فكرَه وتطلّع بعينيه إلى الجمال بعينٍ ناقدة وعقلٍ مشبع بالتراث.

لم يكن البهنسي عابرًا  للسبيل في مشهد الثقافة السورية والعربية، بل كان عمودًا من أعمدتها، وأحد فرسانها الأوفياء. ترك لنا إرثًا لا يُقدر بثمن، وصورةً مشرقة لما يمكن أن يكون عليه المفكر العربي حين يتسلّح بالعلم، ويؤمن بالجمال، ويُخلص للحضارة.

إنه الباحث والفنان والمؤرخ الباقي فينا… طالما ظل الجمال سؤالاً والهويةُ جواباً.

إعداد: فريد ظفور

*********

معرض الصور:

*************************

المراجع والمصادر:

مواقع إجتماعية- فيس بوك

صحيفة الثورة السورية

التاريخ السوري النعاصر

fotoartbook

elitephotoart

اترك تعليقاً