بشهر كانون كِتِر النار بالتنور”.ليس المثل جملةً عابرة بل حكاية شتاءٍ كاملة.- د.غسان القيم.

في شهر كانون حين يشتدّ البرد ويثقل الهواء على الصدور يقول أهل القرى بمحبّةٍ عارفة:
“بشهر كانون كِتِر النار بالتنور”.
ليس المثل جملةً عابرة بل حكاية شتاءٍ كاملة.
فكانون يأتي محمّلًا برياحٍ تقرص الوجوه وسماءٍ رمادية تُنزل الصقيع كما لو أنّها تختبر صبر الأرض عندها يصبح التنور قلب الدار وتتحوّل النار فيه من وسيلةٍ للخبز إلى طقسٍ للحياة.
في كانون تُكدّس الحطب قرب الجدار ويُسمع طقطقة الخشب كأنها حديثٌ قديم يعود إلى الذاكرة. تُزاد النار لأنّ العجين ينتظر خبزه ولأنّ الصغار يمدّون أيديهم نحو الدفء ولأنّ الأم تعرف أنّ كانون لا يُهادن وأنّ النار فيه ليست ترفًا بل ضرورة.
هذا المثل يروي حِكمة الفلاح الذي فهم إيقاع الفصول.. فكما يكثر المطر في أوانه تكثر النار في كانون. هو شهر الاقتصاد بالدفء، والاستعداد لطول الليل والاحتماء بما هو بسيط وأصيل: خبزٌ ساخن ونارٌ مشتعلة وبيتٌ يجتمع فيه الأهل حول وهجٍ واحد.
كانون لا يُطلب منه اللطف بل يُواجَه بالحكمة.
ولهذا قالوا: في كانون كَثِّر النار بالتنور
فالنار فيه حياة والدفء فيه أمان
ومن عرف كانون
عرف كيف يصون البيت
والخبز والقلب معًا..

د.غسان القيم

أخر المقالات

منكم وإليكم