فالنتين ألكسندروفيتش سيروف (1865–1911)
الوعي الحديث بالنظر التشكيلي
بين الصرامة الأخلاقية و حساسية العالم د حسن لغدش
بمناسبة الذكرى الستين بعد المائة لميلاد الفنان الروسي فالنتين ألكسندروفيتش سيروف، ينظم المركز الروسي للعلوم والثقافة بالرباط معرضاً يضم مجموعة من النسخ الفنية لأعمال هذا الرسام الذي يُعدّ أحد أبرز أعمدة الحداثة التشكيلية الروسية.
لا يندرج هذا المعرض في إطار الاحتفاء التذكاري فحسب، بل يشكل مناسبة ثقافية لإعادة قراءة تجربة فنية أسست لوعي جمالي جديد، قائم على التوازن بين الحس الإنساني والصرامة الفكرية، وبين الانفتاح على أوروبا والحفاظ على خصوصية الهوية الروسية.
تُظهر الأعمال المعروضة خصوصية المعالجة التشكيلية لدى سيروف، حيث تتسم ضربات الفرشاة بالتحكم والدقة، دون الوقوع في الجفاف الأكاديمي أو التفكك الانطباعي. فالمادة اللونية عنده ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لبناء الشكل واستنطاق المعنى.
تعتمد لوحاته على منظومة لونية هادئة، يغلب عليها تدرج الأبيض والرمادي والألوان الترابية، ما يمنح العمل بعداً تأملياً، ويجعل الضوء عنصراً بنيوياً يحمل وظيفة جمالية وأخلاقية في آن واحد.
يحتل فن البورتريه مكانة مركزية في تجربة سيروف، غير أن مقاربته تتجاوز البعد التمثيلي أو الاجتماعي. فالوجه الإنساني عنده مجال للكشف عن التوترات النفسية والوجودية، ومسرح صامت تتقاطع فيه الهشاشة مع الكرامة.
لا يسعى الفنان إلى تمجيد الشخصيات التي يرسمها، بل إلى مساءلتها بصرياً، مانحاً لكل نموذج استقلاليته الوجودية، ومؤكداً على البعد الإنساني العميق للفعل التشكيلي.
من خلال مساهمته في تأسيس مجلة وحركة «عالم الفن»، شارك سيروف في مشروع ثقافي طموح هدف إلى تحرير الفن الروسي من القوالب الأكاديمية الصارمة، وربطه بالتيارات الجمالية الأوروبية الحديثة، دون التفريط في جذوره المحلية.
وقد شكّل سيروف داخل هذا المشروع صوتاً متوازناً، يرفض الزخرفة الفارغة كما يرفض التوظيف الإيديولوجي للفن، مؤكداً على استقلالية العمل الفني ومسؤوليته الأخلاقية.
تحتل تجربة فالنتين سيروف موقعاً محورياً في تاريخ الفن العالمي، لما تحمله من عمق نفسي، وصرامة بنيوية، ونزعة إنسانية تتجاوز السياق التاريخي الذي نشأت فيه.
إن هذا المعرض يتيح للجمهور المغربي فرصة نادرة للتفاعل مع تجربة تشكيلية تُعيد الاعتبار لفكرة الفن بوصفه فعلاً معرفياً وأخلاقياً، لا مجرد ممارسة جمالية.


