ملاني كلاين: رائدة نظرية العلاقات الشيئية وفهم الطفولة المبكرة
تتناول هذه المقالة حياة ملاني كلاين وإنجازاتها في تطوير نظرية العلاقات الشيئية، موضحة كيف أسهمت في نقل التحليل النفسي إلى عالم الطفولة. تشرح المقالة مفاهيم المواقف الانشطارية والاكتئابية وتبرز أهمية العلاقات المبكرة في بناء الشخصية والعلاقات. كما تستعرض أثر إرثها العلمي على فهمنا للصحة النفسية حتى اليوم.
عمر الهديان

ملاني كلاين رائدة نظرية العلاقات الشيئية وتأثيرها على فهم الطفولة والعلاقات والعلاجات النفسية

في مطلع القرن العشرين، كانت فيينا تعج بالأفكار الثورية في علم النفس، وكان التحليل النفسي يفتح أفقاً جديداً لفهم الطبيعة البشرية. وسط هذه الموجة ظهر صوت غير تقليدي، امرأة هادئة الملامح لكنها ذات رؤية جريئة، عاشت طفولة صعبة وجدت فيها ملاذاً في الكتب، ثم تحولت إلى إحدى أكثر الشخصيات تأثيراً في تاريخ التحليل النفسي. إنها ملاني كلاين، المرأة التي نقلت التركيز من عالم الرشد إلى عوالم الطفولة المبكرة. لم تكن كلاين مجرد طبيبة نفسية، بل كانت رائدة أعادت صياغة فهمنا للعلاقات البشرية من خلال مفهوم العلاقات الشيئية. تقول إننا منذ ولادتنا لا نتعامل مع الآخرين كأشخاص كاملين، بل كأجزاء ومشاعر وصور داخلية، وإن هذه الصور تشكل حجر الأساس لشخصياتنا وعلاقاتنا المستقبلية.
انبثقت نظرية العلاقات الشيئية من تحدي كلاين لفكرة أن الدوافع الجنسية العدوانية هي القوة الدافعة الوحيدة في الحياة النفسية. وجدت أن الأطفال يشكلون داخل عقولهم صوراً لأمهاتهم ولمقدمي الرعاية، تسمى “الأشياء الداخلية”. هذه الأشياء ليست مجرد صور، بل مخازن للأمل والخوف، للحب والعداء. عندما يشعر الرضيع بالأمان، تصبح “الأشياء” إيجابية وتعزز الثقة، وحين يعاني من الإحباط أو الألم، تتخذ هذه الأشياء لوناً مظلماً. هنا يأتي دور ما وصفته كلاين بالمواقف: الوضع البارانويدي-الانشطاري والوضع الاكتئابي. في المرحلة الأولى ينقسم العالم في ذهن الطفل إلى جيد وسيئ؛ الأم هي “صدر جيد” يعطي الحليب و”صدر سيئ” يحجب الرعاية. أما في المرحلة الثانية، فيبدأ الطفل بإدراك أن الشخص نفسه يمكن أن يجمع بين الخير والشر، فيتخطى الانقسام ويتعلم التعاطف.
حياة ملاني كلاين
ولدت كلاين في عام 1882 في فيينا. انتقلت إلى بودابست ثم برلين ولندن مع تطورات حياتها المهنية. تأثرت بشكل كبير بأعمال فرويد لكنها سرعان ما أصبحت مستقلة في أفكارها. عملت مع الأطفال بطريقة مباشرة عبر اللعب، معتبرة أن اللعب هو لغة الطفل التي تكشف عن صراعاته ورغباته. كانت تعتقد أن الطفل ليس مجرد كائن بسيط ينتظر النمو، بل عالم معقد يحمل بداخله بذور كل التفاعلات المستقبلية. رغم تعرضها للانتقادات والصراعات داخل الجمعية التحليلية، استمرت في نشر أفكارها ووجدت مؤيدين عديدين منهم دونالد وينيكوت وبيون.
نظرية العلاقات الشيئية
تركز هذه النظرية على العلاقة بين الرضيع وأول أشخاص يهتمون به. يرى الإنسان الآخر ليس فقط كموضوع خارجي، بل ك\”شيء داخلي\” يسكن العقل. وفقاً لكلاين، هذه العلاقات المبكرة تؤثر في كيفية إدراكنا للذات والآخرين. إذا كانت العلاقات الأولى مليئة بالدفء، فإن النفس تتطور مع شعور بالثقة. وإذا تخللتها أجواء من القلق أو الانفصال، فقد تنقسم النفس بين أجزاء مثالية وعدائية. أشارت كلاين إلى أن هذا الانقسام الطبيعي يمكن تجاوزه إذا وفرت البيئة للطفل رعاية متسقة تسمح له بدمج التجارب المتعارضة في صورة متكاملة.
إرث ملاني كلاين
لم تنحصر إسهاماتها في عالم الطفل فقط؛ فقد غيرت فهمنا للبالغين أيضاً. بفضل أفكارها، أصبح التركيز في العلاج النفسي على العلاقات والمشاعر، لا على الغرائز فحسب. لقد ألهمت الباحثين لاستكشاف عالم اللاوعي العاطفي والروابط بين الماضي والحاضر. إن سردية حياة كلاين ونظريتها تعلمنا أن الصراعات الظاهرية في علاقاتنا اليومية لها جذور عميقة في تجاربنا الأولى. تعطي رسالتها قوة لمن يسعى لفهم ذاته، إذ تذكرنا بأننا نحمل في داخلنا مجموعة من الأشياء الداخلية التي تلون نظرتنا للعالم. بتبني هذا الفهم، يمكننا أن نطهر علاقاتنا من إسقاطات الماضي وننمي قدرة أكبر على التعاطف والثقة.
أهمية ملاني كلاين لا تكمن فقط في كونها رائدة امرأة في مجال يسيطر عليه الرجال، بل في جرأتها على النظر إلى الطفل ككائن يملك حياة نفسية غنية منذ الولادة. لقد فتحت أبواباً لفهم كيف تتشكل مخاوفنا ورغباتنا وكيف يمكن لحب لا مشروط في بدايات الحياة أن يكون المصل الذي يشفي جراحاً نفسية لاحقة. في نهاية المطاف، تعلمنا كلاين أن نظرية العلاقات الشيئية ليست مجرد إطار نظري، بل دعوة لمراجعة الطرق التي نحب بها ونكره ونعيش بها معاً.

******************
المصادر :
– موقع عقول
الجزيرة.نت
https://www.mojeh.com
– موقع (CNN)– العربية
– موقع: الشرق الاوسط
– موقع: الاهرام
– موقع: صحيفة – الرياض
-صحيفة الثورة السورية
– موقع المصرى اليوم
– مواقع تواصل إجتماعي – فيس بوك – ويكبيديا
– مجلة فن التصوير
– إيليت فوتو آرت: https://elitephotoart.net
***********