المعرض الرابع”زهرة الأنقاض”بباريس، للفنان الأوكراني :نيكيتا كادان .جزءاً من برنامجٍ خريفيّ مخصّص للمشهد الفني الأوكراني المعاصر.

نيكيتا كادان، يعرض “زهرة الأنقاض” بباريس مفتوحة إلى غاية السبت 20 ديسمبر 2025
د. حسن لغدش

يشكّل هذا المعرض الرابع للفنان الأوكراني نيكيتا كادان جزءاً من برنامجٍ خريفيّ مخصّص للمشهد الفني الأوكراني المعاصر، ويأتي تحت إشراف القيّم الفني بيورين غيلدهوف، في إطار حوار بصريّ وتاريخي مع إرث الفنان الطليعي كازيمير ماليفيتش. يظلّ المعرض مفتوحاً إلى غاية السبت 20 ديسمبر 2025.
يحمل عنوان زهرة الأنقاض كثافة دلالية تختزل المشروع الجمالي لكادان: تحويل مادّة الدمار إلى فضاءٍ للتأمل في قدرة الحياة على الدوام، وفي كرامة الإنسان، وفي السياسات التي تحكم الذاكرة الجماعية. فالأنقاض هنا ليست علامة موت، بل بادرة تكوّن جديد، ومساحةً لظهور صامتٍ ينبت وسط العدم.
يحرص القيّم على وضع أعمال كادان في حوار مع الإرث السوبرماتي لماليفيتش. ويكتسي هذا التوازي راهنية خاصة من جهتين:
من الناحية الشكلية: يستعير كادان صفاءً بصرياً قريباً من الاقتصاد الهندسي للسوبرماتية، لكنه يحمّله مضموناً سياسياً حاداً.
من الناحية المفهومية: فإذا كان ماليفيتش يبحث عن مطلق الشكل، فإن كادان يعيد الشكل إلى صخب الواقع الأوكراني الراهن، حيث تلتقي التجريدات بأعباء التاريخ.
تعتمد المنظومة التركيبية للعمل – كما توحي الصورة – على:
بياضٍ مختبريّ يحيل إلى فضاء أرشيف أو مختبر للتحقق،
صورة مكبّرة لجسد مجهول يحمل آثار الانكسار أو الجرح،
واجهات عرض زجاجية تحوّل الشظايا والوثائق إلى آثارٍ متحفية من حاضرٍ متصدّع.
تخلق هذه العناصر توتراً بين مرئيّ يفرض حضوره عبر الجسد، ولا مرئيّ يتمثل في العنف السياسي ومحو الهوية والصدمة الجمعية.
يحافظ كادان على جمالية تستبطن الهشاشة، حيث لا يُعرض الجسد لإحداث الصدمة بل لإصدار شهادة.
ينسج كادان أعماله في المسافة الفاصلة بين الفن والوثيقة، بين التاريخ ومحوه. وهو يرفض تمثيل الحرب بشكل مباشر، ويفضّل بدلاً من ذلك:
الاستعارة (زهرة تنبت من الأنقاض)،
الأثر (أرشيفات، شظايا، صور محكومة بالاختفاء)،
الفعل النقدي (جعل الذاكرة ساحة مساءلة وليست مجرد خزان).
وهذه المسافة تزيد من قوة العمل السياسية، إذ تمنحه عمقاً تأملياً وإنسانياً بعيداً عن الخطابية.
يندرج كادان ضمن شبكة فنية متداخلة تشمل:
الفن المفاهيمي السياسي (هانس هاكه، فورنسِك آركتكتشر)،
ذاكرة الصدمة الجماعية (أنسلم كيفر، كريستيان بولتانسكي)،
الطليعة الأوكرانية (ماليفيتش والفنانون المستقبليون الأوكرانيون)،
المشهد ما بعد السوفييتي الذي يعيد التفكير في العلاقة بين الفن والتاريخ والسياسة.
تعرض زهرة الأنقاض رؤيةً تضع أعمال نيكيتا كادان عند تقاطع الفن المفاهيمي، والذاكرة السياسية، والإرث الطليعي. فمن خلال تحويل الأنقاض إلى لغة، والصدمة إلى أرشيف، والحاضر إلى مسافة نقدية، يقدّم الفنان تأملاً في معنى أن يبقى الإنسان شاهداً داخل تاريخٍ يتشكل بالخراب كما يتشكل بالأمل.

أخر المقالات

منكم وإليكم