الفنان عبد الجليل مطشر
الضوء والجوهر وجدلهما في تجربة الرسام اللونيه
أميرة ناجي/ فنانة تشكيلية
قال (بول كلي) اللون هو المكان الذي يلتقي فيه العقل والروح يرى كلي أن اللون ليس مجرد عنصر بصري بل طاقة فكرية وروحية تتجسد في الفضاء لتكشف عن ما لا يُقال وما لا يمكن التعبير عنه بالكلمات في هذا الفهم العميق يصبح اللون وسيلة للفكر مثلما هو أداة للإحساس وهو ما نلمسه بوضوح في تجربة الفنان عبد الجليل مطشر الذي جعل من اللون فعلاً فكريًا وروحيًا في آن واحد
في اللحظة التي يتقاطع فيها الفكر مع الإحساس يولد الفن ككائن حي يتنفس من عمق الرؤية لا من سطحها وهكذا تتبدى تجربة الفنان عبد الجليل مطشر كرحلة متواصلة بين الصمت والنبض بين ما يقال وما يخفى حيث يتحول اللون إلى كائن متغير يسعى إلى توازن خفي بين المعرفة والحلم فالعمل لديه ليس مساحة لونية بل بنية فكرية تتفاعل فيها الخطوط والدرجات كما تتفاعل الفكرة مع نقيضها في حوار مستمر بين النفي والتجاوز
حين يقف المتلقي أمام أعماله لا يواجه لوحة جامدة بل يدخل فضاء نابضا بالحركة تتقاطع فيه الطبقات كما تتقاطع الأزمنة وتذوب الحدود بين الضوء والظل لتتشكل منطقة وسطى هي جوهر التجربة حيث لا انتصار للون على آخر بل انسجام بين الأضداد واندماج بين المرئي والمستتر فالأثر البصري عند الفنان عبد الجليل ليس غاية بل وسيلة للوصول إلى العمق إلى ذلك الهمس الداخلي الذي يتشكل في كل ضربة فرشاة وفي كل تقاطع شكلي يعيد تعريف العلاقة بين السطح والجوهر بين الحضور والغياب
في لوحاته تتكون ذاكرة بصرية أشبه بأثر للزمن إذ تتراكب الخطوط الشفافة مثل خطوات فكرية تعاد لتؤكد أن كل شكل هو بقايا شكل سابق وأن كل لون يولد من نفي آخر دون أن يلغيه بل ليستدعي معناه الأعمق هنا تصبح المادة اللونية فكرة ملموسة والفكرة مادة متجسدة في حوار جدلي لا يعرف الثبات بل ينضج عبر صراعه الداخلي اللون عنده ليس صفة بل كائن واع ينتقل من العتمة إلى الضوء كما ينتقل الوعي من التساؤل إلى الكشف
هذه التجربة في جوهرها بحث فلسفي عن التحول عن كيفية أن يتحول الملموس إلى معنى وأن يصبح الفراغ ناطقا كالامتلاء فالجمال عند الفنان عبد الجليل مطشر لا يكمن في اكتمال الصورة بل في توترها في تلك اللحظة التي تتردد فيها بين الاكتمال والانهيار اللون لديه ذاكرة بحث تسكنها الحيرة أكثر مما يسكنها الجواب وكأن كل لوحة محاولة لإعادة ترتيب العالم بإيقاع بصري يوازن بين الحرية والنظام
يتعامل الفنان الدكتور عبد الجليل مع الشكل كما يتعامل الفيلسوف مع الفكرة لا يسعى إلى تثبيتها بل إلى خلخلتها ليكشف خلفها إمكانا جديدا للتأمل التكوين عنده نص مفتوح على احتمالات القراءة يشارك المتلقي في إكماله فيصبح المشاهد جزءا من اللوحة لا متفرجا عليها ومن هنا يتجاوز الفن عنده الحواس إلى الوعي حيث تتحول الصورة إلى سؤال واللون إلى تفكير بصري يحرّض على التأمل
يتبدل اللون في أعماله بين الدفء والبرودة بين الأحمر الذي يوقد الفكرة والرمادي الذي يمنحها حيادا وبين الأخضر الذي يعلن ميلاد توازن جديد هذا التبدل يأتي ليعبر عن انتقال الوعي من حال إلى حال فكل لون يحمل أثر ما سبقه ويمهد لما بعده حتى يصبح التدرج اللوني سردا صامتا لحكاية الإنسان في بحثه عن المعنى وسط تشابك الحياة وضجيجها
يقترب الدكتور عبد الجليل من الشكل دون أن يلغيه ويعيد صياغة الموروث التشكيلي بوعي معاصر ينتمي إلى زمنه ويتخطاه في آن لوحته مرآة للسؤال الأبدي حول ماهية الجمال وحقيقته الجمال الذي لا يعرف بل يعاش ويدرك بالحدس كما تدرك الفكرة حين تتحول إلى إحساس مادي نابض بالضوء هنا يصبح اللون ذاكرة روحية والزمن امتدادا للحظة الإبداع التي تقاس بالنبض لا بالساعة
تكمن فرادة التجربة في قدرة الفنان على خلق انسجام بصري من قلب الفوضى فكل تقاطع وكل تدرج لوني ينهض من العشوائية ليكشف عن نظام خفي يسكنه التكوين عنده مشهد للوجود ذاته حيث يتجلى النظام في الفوضى كما تتجلى الفكرة في نقيضها العمل الفني يتحول إلى تأمل في الحياة وهي تعيد تشكيل ذاتها بلا توقف كما لو أن اللون يمارس فعل الوجود نفسه
إن التجريد في أعمال دكتور عبد الجليل ليس انقطاعا عن الواقع بل تعميقا له إذ يستنطق جوهر الأشياء لا سطحها ويحّول الملموس إلى فكرة والفكرة إلى ملموس في دورة تحوّل لا تهدأ تشبه حركة الحياة ذاتها فهو لا يرسم ما يُرى بل ما يُحسّ به ولا يبحث عن الجمال بوصفه حقيقة داخلية تتكشف عبر التفاعل بين العقل والعاطفة بين العين والذاكرة بين الفنان والعالم
من هنا يمكن القول إن تجربة الدكتور عبد الجليل هي بحث جمالي في معنى الوجود الإنساني ذاته كما تتكثف الخطوط في فضائه البصري تتكثف الأسئلة في فضائه الفكري وكأن كل لوحة محاولة لإعادة صياغة العلاقة بين الإنسان والكون بين المعرفة والحدس بين الثبات والتحول إنها تجربة تجعل من الفن مرآة للحياة ومن الحياة مختبرا للجمال في أصفى تجلياته
فعندما يلامس اللون تخوم الفكرة وتغدو المساحة صدى لزمن داخلي يدور في مداراته الخاصة ندرك أن الفن هنا لم يعد محاكاة للواقع بل ارتقاء به نحو صفاء أعلى حيث يتحرر الإحساس من مادّيته ليغدو فكرا بصريا ناطقا بالصمت وفي ذلك الصمت يولد الجمال الذي يتجاوز العين إلى الوعي
هكذا تبدو لوحات دكتور عبد الجليل ككائنات من ضوء ومعرفة لا تستقر على حال ولا تتعب من السؤال لأنها تدرك أن الفن الحقيقي لا يكتمل إلا في بحثه الدائم عن نفسه وأن الجمال في جوهره ليس غاية بل طريق
***********
المصادر:
– الجريدة
– دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)
– جريدة الدستور
– موقع (اليوم السابع)
– موقع العربي الجديد
– موقع : – الجزيرة .نت
– سكاي نيوز عربية – أبوظبي
– موقع سبق- اليوم السابع
– الإمارات اليوم
– العربية .نت – الرياض
-صحيفة الثورة السورية
– موقع المصرى اليوم – موقع عكاظ
– مواقع تواصل إجتماعي – فيس بوك – ويكبيديا
– مجلة فن التصوير
– إيليت فوتو آرت: https://elitephotoart.net
****


