• البرميل الصغير ساندرو بوتيشللي.أعظم  رسام إيطالي في نهاية القرن 15 – إعداد: فريد إبراهيم ظفور

البرميل الصغير ساندرو بوتيشللي

بوتشيللي

من كبار الفنانين الطليان الذين أعطوا اتجاها جديدا للنهضة.

مثل: ميكيل أنجلو وليوناردو دافنشي و أندريا ديل سارتو و رافائيل و هذه لوحات بوتيشيللي

قد غمرها النسيان ثلاثة قرون حتى كان القرن التاسع عشر فأعيد اكتشافه

و أعيدت رسومه على مكانته الجديرة بها من قبل النقاد الفنيين الكبار وعلى رأسهم “راسكين”.

صوره وأشكاله لا تتسلسل تبعا لمتطلبات البعد و قلما يعرضها على صعيد قريب جدا من المشاهد أمام خلفية تجهد لتحديد العمق،

ويأخذ عناصره من فن العمارة و من الستائر و حتي من أي منظر، تتخذ صوره أحيانا أشكالاً دائرية أنيقة “توندو”

كما في مادونة المانيفيكات و أحيانا تحدد تكويناً على شكل أفريز “عصبة مستطيلة”

كما في لوحته الربيع بل و تنتظم أحيانا تبعا لإخراج من نوع العصر الوسيط

و ذي غاية دينية كما في فريسكات “سيكستين” و “ولادة المسيح” و لكن ما يجمع بينهما

هو الإيقاع الرشيق و الشبه الموسيقي الذي يترجم حركة راقصة هوائية تحرر الأشكال من وزنها..

ناديا إبراهيم

“الصور الجدراية ” الكاتدرائية “براتو” و تتلمذ على جدران هذه الكنيسة الكبيرة،

بقي متأثراً طوال حياته بأسلوب أستاذه الذي أحبه و عطف عليه كابن له خلال عشر سنوات ،

ورد له بوتشيللي هذا الجميل إذ بعد وفاته ربى ابنه و صادقه وأخرجه مصورا شهيرا

وعملا معاً في بلاط آل ميديتشي و من معلمه تلقى التأنق و التظارف والاسترخاء في رسوم عذراواته

و الشفافية في مواده و الخط الواضح و الرشيق لرسمه، وإن لوحة  “سالومي” لأستاذه “ليبي” تبشر بالوجوه النسائية المقبلة في رسوم بوتيشلي.

لكن نهمه للمعرفة قاده لمعلم آخر عام 1470 هو “أنطونيو بولا يولو”

الذي كان مثالاً شهيراً في نحته وتعلم منه أصول التشريح التي جعلته يتقن فن العري و أداء الرسوم الأسطورية

ثم تتلمذ لدى أستاذ آخر شهير بأعماله البرونزية و كان أول أستاذ للفتى ليوناردو دافنشي

و هو فيرشيو الذي علمه دقة النموذج المجسم و ميلا معينا لإخراج وجوه لغزية ذات تعبيرية سرية.

كانت أولى لوحاته “القوة” التي شكلت جزءا من سبع فضائل التي أوصى بها معلمه “بولا يولو”

من قبل تجار فلورنسا لتزيين محكمتهم ديوان القضاء، وقد أثبتت هذه اللوحة الرمزية «القوة» قدرة الفنان وأصالته

وذلك بفضل تعبيراته الحالمة والحساسية الواضحة في الوجوه…

منذ عام 1473 دخل بوتشيلي في ” خدمة ال ميديتشي حكام فلورنسا مرحلة نضوجه الأول التي أخذ خلالها ينعتق من بعض التأثيرات المدرسية السابقة،

بدأ يرسم كمعلمه “فيليبوليبي” عذروات كان يضفي عليهن تعبيرات ذاتية ، هذا الحدس المؤلم على وجه العذراء المتباين

مع دعة الطفل يسوع و اطمئنانه نجده إذا تفحصنا لوحته ” العذراء والطفل”

محاطين بالقديسين أو لوحة “تتويج العذراء” المسماة عذراء  المانييفيكات

و التي تصور في تكوين دائري مشهد تتويج العذراء المتسمة بملامح تنم عن الهيبة والوقار.

بينما أضفى عليها جودة التكوين الزخرفي و الشدة الحيوية في التعبير عن روح موضوعها

و عندما بلغ بوتيشيللي عامه السابع والثلاثين كانت شهرته الفنية قد تجاوزت تخوم فلورنسا

فدعاه البابا سيكستوس الرابع إلى روما لتزيين كنيسة الشابيل التي كانت قد شيدت لتوها، اسمها مشتق من اسم مشيدها :

البابا سيكستوس الرابع ، هذه الدعوة المجيدة وضعته على حد المساواة مع أقرانه المصوريين الآخرين

الذين ساهموا في تزيين الشابيل و قد أنجز بوتيشيللي فيها ثلاثة فريكسات تعالج مواضيع دينية

مأخوذة من العهد القديم والجديد التوراة والإنجيل إبراء المجذومين، تجربة يسوع ومشاهد من شباب موسى و عندما عاد بوتيشيلي إلى فلورنسا عام 1482

مع شهرة مكرسة نهائياً عمد إلى معاشرة حميمة لأصحاب المذاهب الفكرية المتقدمة

و أدباء النزعة الإنسانية والفلاسفة والشعراء الذين كانوا يؤمون البلاط الصغير للورانزو أشهر ممثل لآل ميديتشي.

و قد لازم بوتيشيلي المفكرين الكبيرين وتأثر بهما روحيا

وهما مارسيلي فيشين وبيك دي لامير اندوال اللذين حاولا التوفيق بين أفلاطون و المسيح

بين الحكمة القديمة و روحالإنجيل وعندئذ ترعرعت شخصية الرسام بحرية تشهد على ذلك لوحته بل رائعة روائعه المسماة الربيع،

حيث نجد فيها تصويراً لعدة قصائد وثنية للورانزو العظيم و خاصة لصديقه و زميل دراسته

بوليزيانو” الشاعر و الإنساني الكبير 1454-1494 تلميذ مارسيلي فيشين و أول من ترجم الإلياذة إلى اللاتينية،

كذلك نجد أن قصيدة أخرى لبوليزيانو كانت منطلقاً مباشراً لإلهام الرسام في لوحته الرائعة ولادة فينوس التي

وضع فيها الرسام خلاصة تجربته:

وأصبحت فيما بعد إحدى ميزات أسلوبه، فنرى فيها تموج للخطوط يكشف زبدة روحانية تحيط بتلك القامة  الفارعة التي توهم بالحركة.

في عام 1486 عهد إلى بوتيشيللي بتزيين فيلا لورانزو العظيم بمناسبة زفافه وقد وجدت هذه الفريسكات في القرن التاسع عشر

تحت قشرة من الكلس ونقلت إلى متحف اللوفر بباريس، قبيل عام 1490

كلف الفنان بعملين مهمين و هما مذبح هيكل القديس “برنابيه” من أجل الجمعية الأخوية الفلورنسية للأطباء والصيادلة

و مذبح هيكل القديس مرقص من أجل جمعية الصاغة وهاتان اللوحتان متقاربتان بموضوعهما المكرس لتتويج العذراء.

كان بوتيشيلي يخفي خلف تعطشه للمعرفة روحا قلقة جاهزة كلياً للتأثر بأفكار الواعظ الديني الرهيب “سافونارولا”

الذي سيطر ثمانية أعوام على فلورنسا فكريا وسياسيا فقد سحر به بوتيشيلي و تبعه دون تحفظ

و أصبح من أنصاره الذين يلقبون بالباكين وقد جلب الرسام بضعة من اعماله إلى محرقة الأباطيل

التي أقامها الراهب الرهيب عام 1479 و الأزمة الكبيرة التي أصابت فلورانسا،

تشرح جانبا كبيرا من أزمة  بوتيشيللي الذاتية التي بدأت تظهر أعراضها في السنوات الأخيرة من حياته،

وهذا ما تترجمه بعض أعماله في هذه الفترة كلوحة الميلاد المتميزة بهيجان المشاعر الدينية التي لم يكن تأثير سافونارولا غريبا عنها

و قد صور فيها الراهب وصديقيه المعدومين معه و قد أحاطت بهم الملائكة وذعرت الشياطين فولت أدبارها.

خلال هذه الفترة كلف بوتيشيللي بإنجاز رسوم لتزيين الكوميديا الإلهية لدانتي و لوحته الدنيوية الوحيدة في خربة الأمباشي

من قبل البعثة الفرنسية السورية المشتركة بدأ العمل في سنة 1990،

بإدارة (فرانك بر يمر جان و كلود ايشالية)) ومدير الجانب العربي الباحث الأثري أحمد فرزت طرقجي ))

اللذان يمثلان المركز الوطني للبحث العلمي والمديرية العامة للآثار و المتاحف سورية ،

وتبين أن خربة الأمباشي ترقى إلى العصر الحجري الحديث ((النيولستيك 5000/8000ق. (م))

والعصري البرونزي القديم والأوسط  ثم تعاقبت عليه العصور الصفئية والرومانية والغسانية والبيزنطية والعربية الإسلامية،

وفيها من الآثار سد وقناة لجلب الماء، وبقايا لسور، وأطلال هربيت … البركان قد فاجأ  القطعان وحرقها.

مسيرةالفنان الإيطالي ساندرو بوتشيللي:

ولد ساندرو بوتيشللي في فلورنسا 1444 وتوفي فيها عام 1510 و اسمه الحقيقي

اليساندرو دي ماريانو فيلبيبي،

ولقبه لم يكن يلائم شخصيته قطعاً، وأصله لقب لأحد أخويه،

وبوتيشيلو تعني بالإيطالية البرميل الصغير، و كان مألوفا في فلورنسا أن يكنى كل أفراد أسرة بلقب أحد أعضائها،

و كان مزيجا من الوثني و الصوفي معذب المزاج، رومانسي المخيلة و أعظم مصور فلورانسي من نهاية القرن  الخامس عشر.

تتلمذ أولاً عند أحد الصاغة الفلورنسيين، و تسلى فترة في العزف على الكمان

و ما إن بلغ الخامسة عشرة حتى تتلمذ على يد مصور فلورانسي علمه أصول المهنة.

ساندرو بوتشيللي( 1444-1510) فنان إيطالي عاش في بدايات عصر النهضة واسمه الحقيقي أليساندرو دي ماريانو فيليبي.

بوتشيللي رسام غزير الإنتاج تميز بلوحات المذبح -اللوحات التي تُرسَم خلف المذبح في الكنائس- والأعمال ذات الموضوعات الدينية.

تُعّدُّ «ولادة فينوس الأسطورية Birth of Vinus» واحدة من أشهر أعماله في يومنا الحالي و تُعرَض حاليًا في معرض أوفيزي في موطنه فلورنسا.

نُظِر لبوتشيللي على أنه واحد من أعظم رسامي فن الرسم الغربي بمزجه الألوان

والشكل والمشهد مع بعضهم لينتج أعمالًا ذات طابع دنيوي مع مسحة شعرية بصرية مذهلة.

ولأن أعمال بوتشيللي متشابكة مع الصور الذهنية الممتدة من الميثولوجيا الكلاسيكية

وفن الرسم المسيحي فغالبًا ما تترك للمشاهد مجالًا أوسع لفرضيات وتكهنات عدة.

حياته الباكرة:

وُلّد بوتشيللي في مدينة فلورنسا عام 1444. منحه والداه اسمه أليساندرو دي ماريانو دي فيلبيبي

وأصبح معروفًا باسم بوتشيللي لأن اسمه الأول كان لقبًا لأخيه الأكبر جيوفاني.

كان أول عمل اشتغل به بوتشيللي متدربًا لدى صائغ ذهب. ومع دخوله سن المراهقة

تدرب بوصفه رسامًا في ورشة الفنان المنحدر من فلورنسا والكاهن السابق فيليبو ليبي (1406-1469)

الذي اشتهر بلوحاته الجدارية ولوحات المذابح وبهروبه أيضًا مع راهبة وإنجابه طفلين منها.

تأثر بوتشيللي أيضًا برسامين ينحدرون من فلورنسا

أمثال: أندريا ديل فيركشيو (1435-1488) والأخوين أنطونيو (1432- 1498)

وبييرو ديل بوليالو (1441- 1496) الذين امتلكوا ورشات فنية مشهورة

يتدرب فيها الرسامون الشباب الراغبون بتعلم صنعة الفن.

وقد يكون عمل بوتشيللي في ورشة فيركشيو قد تزامن مع وجود ليوناردو دافينشي (1452-1519) هناك أيضًا.

ونتيجة لسنوات الإعداد والتنشئة هذه، تبرز أعمال بوتشيللي المعاصرة واللاحقة اهتمامًا ومراعاة لإخراج لوحات ورسومات جميلة

وتأكيدًا على التفاصيل الزخرفية مثلما نجد في لوحته «Fortitude» التي أنجزها عام 1470 والمعروضة حاليًا في معرض أوفيزي في فلورنسا.

لوحة ولادة فينوس للرسام ساندرو بوتيتشيلي

فنان عريق:

كان بوتشيللي فنانًا ذائع الصيت جمع بين أعمال عامة ومهمات أو أعمال خاصة خصوصًا لصالح أسرة ميديتشي القوية التي حكمت فلورنسا.

في أثناء عمله لصالح أسرة ميديتشي تطرق بوتشيللي للكثير من المواضيع المستمدة من الميثولوجيتين اليونانية والرومانية مثل «بريمافيرا» المعروضة حاليًا في معرض أوفيزي.

وبين عامي 1480 و1484 أبدع بوتشيللي واحدة من أعظم أعماله ألا وهي «ولادة فينوس».

لم ينبذ بوتشيللي الأعمال الدينية التي حازت على إعجاب الحبر الأعظم سيكستوس الخامس (1471-1484) الذي فوَّضه بتزيين جزء من القسم الداخلي لكنيسة السيستين في روما في بداية الثمانينيات من القرن الرابع عشر.

استفادت الكنيسة أيضًا من إبداع العديد من الفنانين وقد مُنَح بوتشيللي مساحة جدارية منخفضة ليعرض مشاهد من العهد القديم تضمنت لوحة لحياة النبي موسى ورسمًا دقيقًا لقوس قسطنطين في روما.

اللوحات:

عاد بوتشيللي إلى فلورنسا في أواسط الثمانينيات من القرن الرابع عشر، وامتلك هناك ورشة فنية كبيرة تنتج جميع أنواع الأعمال.

كانت لوحات الفنان التعبدية الأكثر شهرة ونجد لوحة «Madonna of the Pomegranate» مثالًا عن هذا النوع.

ومثل العديد من فناني النهضة الناجحين، غالبًا ما طلب منه أن يرسم لوحات مثل لوحة لرجل شاب مجهول الاسم يعرض للمشاهِد ميدالية ذهبية كبيرة تظهر ملامح شخصية كوزمو العظيم، أحد أفراد عائلة ميديتشي.

تمثل عروض الدعم هذه بعد نظر ونباهة لسياسات فلورنسا؛ إذ يُعّدُّ طلب المرء لرسم نفسه خطوة مهنية ذكية لإظهار الدعم والتأييد للأسرة الحاكمة.

تُعرض اللوحة الآن –التي يعود تاريخ رسمها إلى عام 1475- في معرض أوفيزي.

نستطيع رؤية مهارة بوتشيللي في عرض السمات الفردية للوجوه في أكبر أعماله التجميعية.

في تلك الأعمال تبرز الشخصيات الخلفية بوصفها لوحات مذهلة كأنها مرسومة لحد ذاتها.

نجد لوحة «Adoration of the Magi» مثالًا ممتازًا لإظهار بوتشيللي اهتمامه ومراعاته للتفاصيل التي تقبع في خلفية اللوحة.

تمثل هذه اللوحة تجمعًا حقيقيًا لأفراد بارزين من عائلة ميديتشي في حين قد تعود الشخصية في أقصى اليمين إلى بوتشيللي ذاته.

حياته المهنية اللاحقة:

في تسعينيات القرن الرابع عشر أصدر بوتشيللي رسومات توضيحية لقسم الجحيم لرائعة دانتي ألغيري (1265-1321) الأدبية الكوميديا الإلهية.

في ذات الحقبة تأثر بوتشيللي بشدة بأفكار عالم اللاهوت والواعظ غيرولاما سافونارولا الذي كان ناقدًا صريحًا لما وجده انحطاطًا للأخلاق وتجاهلًا للدين في فلورنسا ومناطق أخرى،

وكان هذا بمثابة إلهام بلوتشيللي ليركز من آنذاك فصاعدًا على اللوحات الدينية.

تبدو لوحتا «Calumny of Apelles» -المنجزة عام 1940- و«Mystic Nativity» المعبرة والمحيرة

التي أنجزها بوتشيللي عام 1500 اللتان تمثلان النموذج الكلاسيكي أعمالًا مثالية

لتلك الحقبة برسالة مفادها أنه ينبغي للحكام الانتباه لأخطار العالم الدنيوي المتفكك.

صيت بوتشيللي وإرثه:

لم يتوقف الناس عن طلب بوتشيللي لإنجاز المزيد من الأعمال في أثناء حياته المهنية،

وقد تميز بكونه عبقريًا في مجال الرسم ومذهلًا خصوصًا من ناحية التمرس في التشريح والمنظور وبكونه أيضًا حجةً بجميع أنواع التلوين؛

وكان عمله محط إعجاب بسبب أثره المتناغم في كليته.

وكان بارعًا في التعبير عن العواطف مثلما نرى في وجه ماري المجدلية في لوحة «رثاء المسيح الميت»

التي أنجزها بين عامي 1490-1492 المعروضة حاليًا في معرض بيناكوثيك في ميونخ،ألمانيا.

سمة أخرى ميَّزت عمله في أثناء حياته المهنية وهي توقف متوقع للمُشاهِد عن التصديق،

فغالبًا ما منح بوتشيللي في لوحاته التي تلاعب فيها بالمنظور ومستويات الرؤية خاصية مفتعلة تولَّد إحساسًا بأنها لا تنتمي لهذا العالم،

وهذا التأثير مناسب تمامًا نظرًا لأن مواضيع بوتشيللي تندرج في موضوعين رئيسيين هما قصص من الأساطير ذات أهمية رمزية للفن الحالي أو فن ديني ذي غايات تعبدية.

هذا الانفصال عن قيود الفن الكلاسيكي سيتبعه فنانو عصر النهضة اللاحقون.

*********

معرض الصور:

*********************

المراجع والمصادر:

مواقع إجتماعية- فيس بوك

fotoartbook

elitephotoart

اترك تعليقاً