الإنسان الأفريقي الكيني :باتريك كيلونزو مواليا.”رجل الماء في تسافو”.الإنسان الذي سقى الحيوانات.ثم تابعت عائلته.

الرجل الذي سقى الحيوانات
في قلب السهول القاحلة في كينيا، وفي زمنٍ كانت فيه الأرض تتشقّق من شدّة الجفاف، برز رجل بسيط في مهنته… عظيم في إنسانيته. إنّه باتريك كيلونزو مواليا، مزارع البازلاء الذي تحوّل اسمه إلى أسطورة تُعرَف عالميًا بلقب “رجل الماء في تسافو”.

بدأت قصّته عام 2016، عندما شاهد بأمّ عينيه كيف كانت الحيوانات البرّية—الأفيال، الحُمر الوحشية، الجواميس، الظباء—تسقط موتى أو تتجوّل هائمةً تبحث عن جرعة ماء لا تجدها. تغيّر المناخ دمّر البرك الطبيعية، وحرارة الشمس كانت تمتصّ آخر قطرات الحياة من الأرض ومن عيون الحيوانات.

لم يستطع باتريك أن يقف مكتوف اليدين. فبدلًا من الشكوى أو الاكتفاء بالحزن، تحرّك. استأجر شاحنة من ماله الخاص، ثم بدأ رحلة أسبوعية لا يتخيلها إلا أصحاب القلوب المتمسّكة بفعل الخير. كان يقود عشرات الكيلومترات—أحيانًا 50 إلى 70 كيلومترًا في اتجاه واحد—على طرق وعرة تمزّق الإطارات وتنـهك الجسد، فقط ليصل إلى برك المياه الجافة داخل حديقة تسافو الغربية ويملأها بآلاف اللترات من الماء.

كان يضخّ في كل رحلة ما يتجاوز 11 ألف لتر (3000 جالون) من الماء، وهو يدرك أنّ ما يحمله ليس مجرد ماء… بل حياة كاملة تنتظره.

ومع مرور الوقت، حدثت المعجزة المؤثرة: الحيوانات تعلّمت صوت شاحنته.
ما إن تسمع هدير المحرك من بعيد حتى تتجمّع في صفوف متلهّفة، كأنها تستقبل منقذًا تعرفه وتشعر بامتنانه. كانت تقترب دون خوف، تشرب وتتنفّس وتعود لها الحياة، بينما يقف باتريك مبتسمًا، متعبًا، لكنه راضٍ، كأنه يطفئ عطش العالم كله.

ومع أنّ جسده كان يخونه—فقد أصيب بفشـل كلوي وظلّ يُعاني منه سنوات طويلة—إلّا أنّ عزيمته لم تنكـسر. كان يقود رغم الألم، ويعمل رغم التـعب، ويتمسّك برسالته رغم حاجته هو ذاته للعلاج.

انتشرت قصته عالميًا، وتدفّق الدعم من كل بقاع العالم. حملة تبرعات ضخمة مكّنته من شراء شاحنة خاصة، وبناء برك دائمة، وتركيب مضخّات تعمل بالطاقة الشمسية، وتأسيس مبادرته لتعليم المجتمعات المحلية أهمية الحفاظ على الحياة البرية. وهكذا، تحوّل من رجل يحمل ماء في شاحنة… إلى رمز إنساني يفيض بالأمل.

لكن عام 2024 حمل الخبر الأصعب…

رحل باتريك كيلونزو مواليا عن عمر 51 عامًا بعد صراع طويل مع المرض. رحل الجسد، وبقيت الرسالة. وفي مشهد يليق بعظمته، تعهّدت أسرته وفريقه بمواصلة الطريق الذي بدأه، ليظلّ الماء يصل إلى الحيوانات، وتظل روحه حاضرة في كل قطرة تنقذ حياة.

قصة باتريك ليست مجرد سيرة رجل…
إنها برهان على أنّ الرحمة قد تغيّر قدر مكان كامل، وأن قلبًا واحدًا قادر على أن يصنع معجزة حين يقرّر أن لا يترك أحدًا—حتى لو كان حيوانًا عطشانًا—يمو*ت دون أن يحاول إنقاذه.

أخر المقالات

منكم وإليكم