بلغراد صربيا, أدب الرحلات 2025
(مقالي عن مشاركتي في المهرجان العالمي للشعر في مدينة بلغراد عاصمة صربيا ) وفي اطار أدب الرحلات )
المقال نشر في جريدة المسار العربي الورقية بالجزائر
يسرني أن أنشر معه الترجمة إلى اللغة الصربية )
” بلغراد: حين يتنفّس التّاريخ حبًّا”
بلغراد… حيث يلتقي التاريخ بجمال الحاضر!؟
وتربع الشعر على مملكة البلقان !؟
من أدب الرحالات ؟
سليمة مليزي
في قلب البلقان، تقف بلغراد شامخةً على ضفاف نهري السافا والدانوب، مدينة تعانقت فيها الحضارات، وارتوت أرضها من عبق التاريخ، فشهدت على مرّ العصور إمبراطوريات قامت وسقطت، لكنّها بقيت نابضةً بالحياة كأنّها تولد من جديد مع كلّ شروق شمسها الذهبية .
وعن زيارتي لها من بداية صيف شهر جوان 2025م ، بدت لي بلغراد أجمل من أيّ وقت مضى، شوارعها القديمة المرصوفة بالحجر تحمل سحر الأزمنة الغابرة، ولكنّها تنبض بروحٍ جديدة، حيث تختلط الأناقة العصرية بصدى الماضي، والأشجار الباسقة الّتي تصطف على حافة الشّوارع تنعش حرّ الصّيف ، النّساء في بلغراد فاتنات بجمالهنّ الطبيعي، أنيقات كأنهنّ أزهار ربيعيّة تمشي على الرصيف، والنّاس يفيضون بهجة ودفئًا، يبتسمون كأنّ الحياة هنا أكثر لطفًا وبهاءً.
في المقاهي المفتوحة، يعزف الهواء ألحانًا ناعمة، تمتزج برائحة القهوة الصربية، وصوت السائحين من كلّ حدب وصوب، وكأنّ المدينة صارت مهرجانًا دائمًا للحياة.
بلغراد اليوم مدينة نابضة بالحيويّة، تشهد نهضةً عمرانيّةً وثقافيّة مبهرة، مبانيها الحديثة تعانق السّماء إلى جانب حصونها القديمة، وساحاتها تنبض بالموسيقى، بالفن، وبالحريّة، إنّها مدينة لا تموت، بل تتجدّد كأنّها تكتب قصيدتها كلّ صباح.
ورغم أنّ هذه المدينة عرفت في تاريخها جراحًا غائرة، خاصةً في زمن الحرب الأهليّة الدامية التي مزقت يوغوسلافيا السابقة، إلا أن شعب بلغراد لم يستسلم للألم. نهض من تحت الركام كزهرة تنبت في شقوق الجدار، آمن بأن الحياة أقوى من الحرب، وأن الحب أقوى من الكراهية.
بإرادةٍ لا تُقهر، أعادوا بناء مدينتهم وجراحهم معًا، حجراً حجراً، وذكرى ذكرى، واليوم، حين تسير في شوارع بلغراد، تشعر أن كل حجر فيها يشهد على قوة الإنسان حين يختار النور بدل الظلام.
لقد انتصروا على الدمار بالصبر، وبالحب، وبالشغف بالحياة، لهذا ترى في عيون أهلها تلك اللمعة الخاصة، لمعة من عرف الموت، لكنه اختار أن يبتسم، أن يرقص، أن يغني… وأن يعيش.
بلغراد اليوم ليست فقط مدينة، بل رسالة… أن الجمال يمكن أن يولد من الحطام، وأن الشعوب التي تتشبث بالأمل لا يمكن أن تُهزم.
بإرادةٍ لا تُقهر، أعادوا بناء وطنهم ، وضمدوا جراحهم معاً،رغم تقسيمهم إلى دويلات. إلا أنّ صلة الرّحم والقرابة لا تزال تجمعهم مع الذّكريات الحميمة الّتي لن تنسى،
على الرغم بلغراد مدينة غالبًا ما يتم التقليل من شأنها ، إلا أن العاصمة الصربية هي موطن لما يقرب من خُمس سكان البلاد وتحظى باهتمام معين لدورها التاريخي والثقافي والمعماري ، مع بعض مناطق الجذب السياحي ذات الجمال الملحوظ ، مثل قلعة كاليمجدان أو سانت سافا .
ولكن هناك خصوصية أخرى تفتخر بها بلغراد: الحياة الليلية الصاخبة . تقدم العاصمة الصربية ، في الواقع ، مجموعة متنوعة رائعة من الخيارات للترفيه الليلي ، مع أجواء دافئة ، والمطاعم مفتوحة طوال الليل وتقدم جميع أنواع الموسيقى والصنادل النموذجية على نهر الدانوب حيث يمكنك الرقص حتى الفجر .
مع ثقافة تولي أهمية كبيرة للمظهر والعناية الشخصية. نساء بلغراد بشكل كبير بمظهرهن خاصة عندما يخرجن في المساء. النتيجة: من المستحيل ألا تندهش من جمال الفتيات الصربيات.
مشاركتي في مهرجان الشّعر الدولي في مدينة بلغراد عاصمة صربيا ،
الّذي انعقد يوم 20 جوان 2025 م .
كان الجو يوحي بقدوم الصيف ، لطيفٌ منعشٌ سماء بلغراد زرقاء تعانق الأفق ،
زارتني صديقتي الشاعرة قردانة ساريتش Gordana Saric بكل دفئها المعهود، تحمل في محياها ابتسامة تشبه شمس بلغراد عندما تتسلل بخجل بين أغصان الغابة، عانقتني كأننا لم نفترق منذ زمن،
بثوبها الأبيض الجميل ، تعانقنا بحرارة الشوق والإبداع سيدة تنبض بالحياة ، تحدثنا عن الشعر والكتب وتبادلانا الهدايا ، حيث أهديها ثوب تقليدي جزائري القفطان مع خاتم من الفضة من تقاليد منطقة القبائل ، فرحت كثيراً بهديتي وبدورها أهدتني هدايا جميلة عطور واكسسورات جميلة أبهجتني،
ثم رافقتني بخطى شاعرية إلى بيت الشاعر الصربي العريق Đura Jakšić، حيث يقام المهرجان الأدبيالعالمي للشعر،
مررنا في الشارع العتيق SKADARLIJA الذي تقع بين جنابته مطاعم مزينة بالورود ،التقطنا بعض الصور للتذكارية ، عندما وصلنا استقبلتنا الأستاذة كاتاريناKatarina منظمة المهرجان رفقة صديقتها ماريا ،وكاجمع غفيرٌ من العراء والصحفيين ، وجدنا مجموعة من الأطفال يرتدين لباس تقليدي جميل ، وكأنهم أتوا من القرون الوسطى ، يستعدون لعرض وصلات غنائية ، معالرقصة التقليدية المشهورة في بلغراد (عاصمة صربيا) وعموم شعوب البلقان وشمال أوروبا الشرقية تُعرف باسم:كولو (Kolo)
وهي رقصة فلكلورية جماعية شهيرة جدًا، يرقصها الناس في صربيا، البوسنة، كرواتيا، والجبل الأسود، وغالبًا ما تُؤدى في المناسبات الشعبية والأعراس.
يرتبط الراقصون ببعضهم البعض من الأيدي أو الأكتاف، ويشكلون دائرة أو نصف دائرة، ويتحركون بخطوات متناسقة على إيقاع موسيقى تقليدية رائعة تُعزف غالبًا على آلة الأكورديون أو الكمان، التي تشبه الدبكةالفلسطينية ،
هناك، بين جدران تحمل عبق الشعر وأصوات الكلمة الحرة، جلسنا نتحدث عن القصائد، عن الوطن، عن الذاكرة، وعن الشعر الذي يوحد القلوب رغم اختلاف اللغات. تبادلنا الهدايا كأننا نتبادل الضوء، وأهديتها ديواني المترجم إلى الفرنسية، وقصص الأطفال لأن الشاعرة قردانة ساريتش تتقن اللغة الفرنسية ، لأنها كانت أستاذة اللغة الفرنسية في بلدها الجبل الأسود ، فضممته إلى قلبي، وبدوري قدمت لها وشاحًا تقليديًا مطرزًا من الجزائر، كعلامة حب وامتنان.
ضحكنا كأننا طفلتان في ساحة حروف، وامتلأت القلوب بلحظة لا تُنسى، حيث لم يكن الشعر فقط ما جمعنا، بل روح السلام والصداقة التي تتجاوز حدود الجغرافيا
في بلغراد، لا يُكتب الشعر على الورق فقط، بل يُزرع في الأرواح.
في أروقة مهرجان الشعر العالمي رأيت رجالاً ونساءًتجاوزوا الثّمانين يحملون قصائدهم كمن يحمل قلبه بيده, وجوههم محفوفة بتجاعيد الزّمن، لكن عيونهم تبرق كأنّهم لم يتجاوزوا العشرين يومًا.
ما أدهشني أكثر كانت النّساء الشاعرات، بجبينهنّ المضيء، وأناقتهنّ الهادئة الّتي لا تحتاج إلى مبالغة، كنّ يمشين في القاعة كأنهنّ يكتبن بخطواتهنّ سطورًا من نثر خالص، لم تكن القصيدة بالنسبة لهنّ هواية أو استعراضًا، بل كانت هوية، نبضًا داخليًّا، وشهادة على أنّ الأنوثة لا تنفصل عن الفكر.
إحداهنّ قالت لي:
“نحن لا نكتب الشّعر كي نُعجب أحدًا، بل نكتبه كي نعرف أنّنا ما زلنا أحياء”.
فأدركت حينها أنّ بلغراد ليست مدينة فقط، بل هي ” أنثي.. تكتب.. وتحب.. وتُقاتل بالحروف.”
وأنا أتجوّل بين الحضور، شعرتُ بروحٍ لا تُقهر تسكنقلوب النّساء، رغم خطوط الزّمن التي توشم وجوههنّ، كان جمالهنّ ينبع من الداخل؛ من حبّ الحياة الّذي لا ينطفئ .كلّ واحدة منهن تسير بخطى واثقة، أنيقة وكأنّها تروي قصة عمرٍ كامل مع كلّ حركة.
كان حديثهنّ عن الشعر كحديث أمهاتنا عن الحبّ، عن الألم، عن الفرح, عن كلّ ما يجعلهنّ بشرًا. رغم التّجاعيد، كانت عيونهنّ تلمع بحيويّة لا تقل عن أي فتاة شابة، وابتساماتهنّ كانت أشبه بنور دافئ يملأ القاعة.
وجدت فيهنّ مثالاً حيًّا على أنّ العمر ليس سوى رقم، وأنّ الحبّ الحقيقي للحياة هو الّذي يخلّد الإنسان، يجعل منه قصيدة متجدّدة، لا تنتهي ولا تذبل.
في تلك اللّحظات، شعرت أنّني بين أمّهات الشّعر، رفيقات الحروف، اللاتي ينقلن من جيل إلى جيل شعلة الحياة والقصيدة. وهنا، في بلغراد، اكتشفتُ معنى جديدًا للجمال، أعمق من الشّكل، أقوى من الزّمن، وأصدق من أي كلمات يمكن أن تُقال.
�وكان لي الشرف أنّني كنت ضيفة شرف المهرجان وكنت العربيّة الوحيدة الّتي شاركت في هذا المهرجان ، الذي انعقد في بيت الشاعر الصربي الكبير DURA JAKSIC �الّذي يقع في حي عريق جداً اسمه سكادالرياSKADARLIJA وقديم, يحمل عبق ماضي بلغراد والّذي أصبح اليوم حي سياحي بامتياز يقصدونه السيّاح من كلّ العالم ، فيه مطاعم ومحلات لبيع التذاكر ، الخاصة بالتراث الصربي .�افتتح المهرجان بوصلات الغناء الشعبي مع مجموعة من الأطفال ، الّذين قدّموا رقصات على أنغام الموسيقى الشعبيّة الّتي تمثل كلّ دول شرق أوروبا و البلقان ، وخاصة الدول الّتي كانت تابعة ليوغوسلافيا الاشتراكية (Jugoslavija) دولة كانت قائمة في غرب البلقان جنوبَ شرق أوروبا في القرن العشرين.
�يعتبر شعب اليوغسلافي شعبٌ واحد ذو لغة موحدة وعادات وتقاليد مشتركة، ولا تزال بينهم صلة الرحم والألفة والمحبة، لولا تلك الحدود الوهميّة والتقسيمات الّتي حدثّت بعد الحرب الأهليّة بين البوسنة والهرسك وكرواتيا . كان هذا التقسيم عمداً حتّى لا تبقى هذه الدولة كبيرة موحدة وذات قوّة في القارة العجوز، مثلما حدث للمغرب العربي الكبير الّذي كان بلدا واحداوشعبا ذو ثقافة واحدة، ونتيجة الاستعمار الفرنسي الغاشم تمّ تفريقهم لدول منفصلة الحدود. �تخلّل المهرجان أولاً الترحيب بالضيوف بفرقة موسيقيّة أدّت أغانيهم الوطنية المشتركة. الفرقة الكورالية النسائية، كن يرتدين فساتين أنيقة، مع قبعات جميلة وتزامن الحفل عرض لأزياء القبعات المزيّنة ، فالقبعة عندهم تعتبر جزء من ثقافاتهم وهويتهم المتأصلة.�قدّمت الأستاذة الشاعرة، . Katarina BrankovicGajic منظمة المهرجان كلٌّ بسيرته الذاتية المختصرة لكلّ شاعرة وشاعر, ( رغم أنّ حضور النّساء غلب على حضور الرّجال )؛ قلت قدّمت لكلّ واحدة منا سيرتها قبل أن نقدّم بدورنا قرأتنا الشعريّة . على رغم من أنّني لمأفهم اللغة الصربيّة، لكنّني أحسّست كثيراً بتلك الأشعار الّتي تعبر عن الحبّ ,وحب الوطن والجمال، والّذي أبهرني هو أنّهم شعب محبٌّ للثّقافة وخاصة الشعر.
ولما أتى دوري قرأتْ بالنيابة عني الصديقة الشاعرة قوردانة ساريتش قصيدتي التي ترجمها إلى اللغة الصربية ، وبعدها قرأتُ قصيدة باللغة العربية ، هنا أدركت أن الشعر يمكنه أن يفهم وتترجم أحاسيسه بكل لغات العالم ، وقدمت لي السيدات الجميلات شهادة تكرم مشاركة ،
(حين وقفتُ في بلغراد مرتديةً اللباس الجزائري الكاراكو، لم أكن فقط أحتفل بجمالي كامرأة، بل كنت أستحضر تاريخًا طويلًا من العزّ والأنوثة المقاومة.
هذا اللباس الّذي كان أول من لبسته الملكة زُفيرة، زوجة آخر ملوك الجزائر الملك سليم، لم يكن مجرّد حرير مخملي، بل كان راية وطنيّة ترفرف في وجه الزّمن، تهمس بأنّ الجزائر لم تكن يومًا عاديّة، وأنّ نساءها خُلقن من الكبريّاء والذهب.
وفي قلب أوروبا، وسط ملامح مختلفة، أحسسّت أنّني أحمل الجزائر كلّها في هذا اللباس الملكي الّذي يمثّل الجزائر العاصمة “الكاراكو”، في وقفة ملكةٍ عبرت القرون ولم تنحنِ.
كأنّ زُفيرة كانت معي، تربتُ على كتفي، وتهمس:
“ما دمتِ ترتدين هذا، فلن تُنسى الجزائر”.
في أواخر القرن الخامس عشر، كانت الجزائر لا تزال تحت حكم ملوك محليين، ومن بينهم الملك سليم، الّذي يُعدّ من آخر ملوك البلاد قبل دخول العثمانيين. كان ملكًا قويًّا لكنّه محاطٌ بأخطار متزايدة، أبرزها الخطر الإسباني المتوسّع في سواحل شمال إفريقيا، والاضطرابات الداخلية.��لكن ما ميّز الملك سليم أكثر من غيره، كانت زوجته الجميلة زُفَيرة، التي ذاع صيتها في البلاد. كانتامرأة منبتة الأصل، شديدة الذّكاء والجمال، تُقال عنها الأساطير، وتُحاك حولها القصص، حتّى اعتبرها بعض سيّدة فريدة في عصرها.��حين قدم العثمانيون إلى الجزائر بدعوة من بعض السكان للتّصدي على الغزو الإسباني، دخلوا بقوّة وبذكاء سياسي وعسكري. وكان في مقدمتهم القائد البحري الشهير بابا عروج، ثمّ أخوه خير الدين بربروس.��لكن بسط العثمانيين نفوذهم لم يكن سلميًّا دائمًا. تقول الروايات أنّ الملك سليم قُتل غدرًا على يد العثمانيين بعد دخولهم العاصمة، واعتُبرت هذه الحادثة بداية النهاية للحكم المحلي المستقل.�أما زُفَيرة، فهناك حكاية تقول أنّ الداي العثماني الّذي حكم الجزائر، أراد أن يتزوجها لكنّها حاربته ورفضت الزواج به، وقاومته ويقال أنّها انتحرت ، وحكاية أخرى تقول ، أنّ مصيرها ظلّ غامضًا، واختفت من السجلات كأنّها حملت معها أسرار مملكتها إلى القبر أو المنفى، وتركَت خلفها ظلًّا من الحنين والأسى على زمنٍ كان يُحتضر.)
كان الجو شاعري بامتياز بحضور التلفزيون الرسمي لمدينة بلغراد وكان لي الشرف أنّني أجريت معهم حوار قصير، للقناة الرسمية لمدينة بلغراد ، و تقديم بعض الكتب الّتي استطعت أخذها معي نظراً لمشقة السّفر لم أخذ كل أعمالي الإبداعية . وهكذا، اختتمت مشاركتي في هذا المهرجان الشعري المميّز، لا بالكلمات وحدها، بل بمأدبة عشاء أقيمت على شرفي، جمعتني مع المنظمين في أجواء لا تُنسى، كانت النّساء حولي في منتهى الأناقة والرقي، يرفرفن بكلماتهنّ وضحكاتهنّ كأنّهنّ قصائد تمشي على الأرض.
في الحي Skadarlija القديم في قلب بلغراد، حيث تمتزج الحجارة العتيقة بوهج الحياة، امتلأت المطاعم بالسيّاح من كل مكان، وصدحت الموسيقى من كلّ زاوية. في كلّ مطعم، فرقة موسيقيّة تعزف بأنامل عاشقة أجمل الألحان الصربيّة، تلك الألحان التي حملت بين نغماتها شيئًا مألوفًا, نكهة عربيّة دافئة، كأنّها تمتدّ بجذورها إلى ضفة المتوسط، حيث وُلد الحنين.
كان المساء رومانسياً بكلّ تفاصيله: الضوء الخافت، الطاولات المزيّنة بأزهار بسيطة، صوت الكمان يعانق القلب، والنسمات الّتي تمرّ على الوجوه كأنّها تُبارك هذه اللّحظة. لحظة لا تُقاس بالوقت، بل تُقاس بالشعور… بالشكر… و بالفخر.
جلستُ هناك، أستعيد كل ما عشته من حروف، ونساء، وشِعر، وأدركتُ أنّ بلغراد لم تكن مجرّد محطة، بل كانت فصلًا من فصول العمر يُكتب بامتنان، ويُروى بحبّ.
في صباح اليوم التالي، زارتني صديقتي الشاعرة غردانا ساريتش، في الفندق رقم 1 الّذي يطلّ على ساحة الجمهوريّة ، ودعتني للتّنزه في قلب بلغراد، في شارع المشاة الشّهير Prince Mikhaïlova، حيث تمتزج الحياة بالفن، ويغدو المشي ف شارع الخاص بالمشاة ، كأنّك تعبر سطورًا من رواية مفتوحة.
كان الجوّ دافئًا، والشّمس تنثر ذهبها فوق الواجهات القديمة، والهواء نقيًّا يهمس بشيء من البهجة، مشينا جنبًا إلى جنب، شاعرتان، واحدة من الجزائر، والثانية من صربيا، لكنّ الشّعر كان وطننا المشترك، والقصيدة كانت لغتنا الّتي لا تحتاج إلى ترجمة.
تحدّثنا عن المهرجان، عن جمال بلغراد، عن القصائد التي تُولد من لحظة صدق، وتناقلتها الأرواح كأنّها أغانٍ خفيّة، جلسنا في أحد المقاهي الصغيرة، حيث تناولنا الشاي والعصير، وتراقصت حولنا أصوات المارة، وألحان موسيقى الشوارع.
كان كلّ شيء بسيطًا، لكنّه يحمل عُمقًا لا يوصف, ربّما لأنّ اللقاء بين امرأتين تُحبّان الشعر، وتحملان الوطن في الحقيبة، لا يمكن إلا أن يكون لقاءً نابضًا بالضوء.
ثمّ واصلنا المشي حتّى وصلنا إلى الغابة الّتي تطلّعلى نهر سافا، حيث يلتقي هذا النهر الصافي الهادئ بنهر الدانوب العظيم في مشهد مهيب، تتعانق فيه الطبيعة كأنّها بيت شعري منسي. كانت الأشجار تحرسنا بصمت، والنسمات تهمس بأسرار المكان، فوقفنا نلتقط بعض الصور التذكاريّة، محاولتين أن نحبس هذا الجمال بين أطراف الصور, أو على الأقل، نحفظه في الذاكرة كقصيدة لا تُنسى.
غادرت بلغراد، لكن شيئًا مني بقي هناك… بين النغم، والقصيدة، وظلال الملكة زُفيرة.
ملاحظة : (أضفت فقرة عن تاريخ آخر الملوك في الجزائر ، الملك سليم والملكة زفيرة ، ذكرتها لأنها لها علاقة بابتكار الملكة زفيرة ” للكاراكو ” الذي ظهر لأول مرة في تاريخ الجزائر، الكرّاكو هو أحد أروع الأزياء التقليدية الجزائرية، يتميز بفخامته وتطريزه اليدوي الفاخر بخيوط الذهب والفضة (الفتلة)، ويُرتدى عادة في الأعراس والمناسبات الكبرى، خصوصًا في الجزائر العاصمة ومناطق الوسط ، وتلمسان ،
لكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن هذا الزي الجزائري الملكي يعود إلى أكثر من خمسمئة عام، وقد ابتكرته الأميرة زفيرة، إحدى نساء البلاط في الجزائر، المعروفة بذوقها الرفيع وحبها للفنون.
كانت الأميرة زفيرة أول من صمّم هذا اللباس الفاخر في القرن الخامس عشر، في فترة ازدهار العاصمة الجزائرية، حيث كانت مركزًا للحضارة والثقافة والتنوع الفني. أرادت زفيرة أن تخلق زيًا يليق بمكانة المرأة الجزائرية في المجتمع، فجمع الكاراكو بين الهيبة العثمانية، واللمسة الأندلسية، والطابع الجزائريالأصيل.
ويتكون الكاراكو من:
- سترة مخملية مطرزة بخيوط ذهبية.
- سروال “مدوّر” أو “شلّقة” من الحرير أو الساتان.
- يُكمّل بقطع من المجوهرات التقليدية مثل “الخيط” و”المردومة”.
ولا يزال الكاراكو حتى اليوم رمزًا للفخامة والعراقة، تتوارثه الأجيال بفخر، وتلبسه العرائس في ليلة العمر كأنهن أميرات في بلاط زفيرة.)
(النص مأخوذ من كتابي اللباس التقليدي الجزائري )
بلغراد عاصمة صربيا 21 جوان 2025م
الأديبة والصحفية سليمة مليزي.
الترجمة إلى اللغة الصربية
Београд: када историја дише љубав
Београд… где се историја сусреће са лепотом садашњости!?
И кад поезија влада Балканом!?
Из „Књиге путописа“ – Селима Милизи
У срцу Балкана стоји величанствени Београд, на обалама Саве и Дунава. Град у којем су се вековима сусреле цивилизације, земља натопљена мирисом историје – подножје империја које су се уздизале и расипале, али град који стално пулсира, као да се сређује с новим заласком сунца.
Када сам га посетила почетком јuna 2025. године, Београд ми се чинио лепши него икада. Његове камене старе улице носе чар давно прошлих времена, али дише модерно – у савршеном споју прошлости и садашњости. Величанствено дрвеће краси тротоаре и доноси хлад летњих дана. Жене у Београду зраче природном лепотом, грациозне попут пролећног цвета у ходу, а људи их приветљиво осмењују – као да је овде живот нежнији и сјајнији.
На терасама кафића ветар свира нежне мелодије, помешане с мирисом српске кафе и гласовима туриста из свих крајева света. Град делује као стални фестивал живота.
Данас је Београд жив и динамичан град, градимо културну и урбану ренесансу. Модерне зграде грле небо, док старе тврђаве стоје као чувари прошлости; тргови пулсирају музиком, уметношћу, слободом. Град који не умире – већ се препродаје свако јутро.
Истина је да је овај град носио дубоке ране, посебно током разарања југословенских ратова, али његови становници нису посустали. Подигли су се попут цвета из пукотине, уверени да је живот јачи од рата, а љубав од мржње.
Уз непобедиву вољу, обновили су свој град и своје ране, камен по камен, успомену по успомену. Данас, када шеташ Београдом, имаш утисак да сваки камен сведочи о снази човека који бира светлост уместо мрака.
Победили су разарање стрпљењем, љубављу и жељом за животом – зато у очима Београђана видиш тај сјај: сјај људи који су познали смрт, али су се ипак насмејали, заплесали, запевали… и живели.
Београд није само град – он је порука. Порука да лепота може да нарасте из рушевина, и да се народ који гаји наду никада не може поразити.
Уз непобедиву вољу, обновили су своју земљу и залечили ране заједно – иако су данас подељени у мање државе. Културне и породичне везе их и даље чине блиским, негујући интимне успомене које не бледе.
Иако се често потцењује, Београд је престоница Србије где живи око петине становништва земље. Његово историјско, културно и архитектонско значење није занемарљиво, као ни привлачне туристичке знаменитости – Калемегданска тврђава и храм Светог Саве.
Али оно по чему се Београд посебно поноси јесте буран ноћни живот. Главни град Србије нуди разноврсне опције за вечерње уживање: ресторани отворени целе ноћи, музика за све укусе, па чак и летње сандеље уз Дунав, где се плеше до зоре.
Култура која придаје велики значај спољашњем изгледу и бригу о себи – Београђанке су стилске и елегантне, нарочито у вече. Непрестано те одушеве својом лепотом.
⸻
Моје учешће на Међународном фестивалу поезије у Београду
(одржаном 20. juna 2025.)
Осећај како лето полако допире, са свежим плавим небом бисерне боје… Дошла ми је драга пријатељица, песникња Гордана Сарић, са својим топлим осмехом, преко којег се увек провлачи топлина београдског јутра. Загрлиле смо се као да смо се вековима чекале, а њен елегантни бело–плодни муњ је био као путовање емоција – снажно и нежно у исто време.
Причале смо о поезији, књигама, размењивале поклоне: ја сам јој подарила алжирски кафтан од традиционалног сребра Кабиља, а она мени парфеме и накит – мелодија радости у нашим очима.
Затим нас је песничка стаза одвела до куће великог српског песника Ђуре Јакшића, где се фестивал одржава. Прошле смо кроз староградски кварт Скадарлију, окружену ресторанима украшеним цвећем – биле су то тренутци близу правог Београда. Дочекали су нас професори, организатори фестивала (међу њима и Катарина и Мария), као и бројни новинари. Деца обучена у традиционалне народне ношње припремала су се за заједнички улаз, некада плес, некада песма – танци под називом коло, народни балкански плес који спаја људе у кругу, корацима усклађеним уз акордеон или виолину.
Међу зидовима испуњеним мирисом слободне речи, седеле смо разговарајући о песмама, о домовини, о меморији – о поезији која уједињује срца, без обзира на језичке баријере. Размењивале смо стихове као да размењујемо светлост – ја сам јој поклонила превод мог дела на француски (зна она тај језик из својих учитељских дана), а она мени везано предиван шал, поклон срца и захвалности.
Смејале смо се као две девојчице на тргу слова, а у том тренутку поезија била је само видљива преко тих жена – оних сјајних, оних које нису дале да им године поклоне императив младости, већ су и даље живеле као да су у пролећу свог живота.
Сећам се речи једне од њих:
„Не пишемо поезију да бисмо се допали некоме, већ да бисмо знали да смо живе.“
Био је то тренутак када сам схватила: Београд није само град, он је жена која пише, воли и бори се стиховима.
У светлости присуства књижевних мајки, тих жена чија душа носи пламен и преноси га генерацијама – ту сам, у Београду, истражила лепоту дубљу од облика, јачу од времена, истинитију од било које речи.
Имате ми част што сам била гостија овог фестивала, једина арапска песникиња – у кући Ђуре Јакшића, у Скадарлији, том старом београдском кварату који је данас туристичка дестинација препуна ресторана и продавница традиционалних сувенирница.
Отварање је укључивало наступе дечијих музичких група из различитих балканских држава некада Југославије, земље једне културе и језика. И данас, иако су политички границе подељене, душа народа остаје заједничка – нит која их држи близу, попут веза које се не могу лако исцепати.
Фестивал се отворио поздравном песмом, пратећим женским хорским певањем и модном ревијом – представом традиционалних шешира који су, како је организаторка Katarina Branković Gajić нагласила, део идентитета и културне баштине. Свака песникиња је добила своју кратку биографију пре него што је представила свој стих – иако нисмо разумеле језик, осећала сам сваку реч, сваку боју љубави, радости и дубине…
Када је дошао мој ред, Гордана Сарић је превела моју поезију на српски, а ја сам потом прочитала песму на арапском. Осећала сам како поезија превазилази језике – она говори универзалним језиком срца.
Домаћини су ми уручили сертификат захвалности и, док сам носила алжирски карако, нисам славила само сопствену лепоту као жена, већ вековну историју поноса и отпора – историју која се преноси…
Држећи ту премиум традиционалну ношњу – карако коју је прва носила краљица Зфира – осетила сам њену силу и песнички навев. Та вечна порука да Алжир никада неће бити заборављен, и да је његов дух непрекинут у облику и у срцу.
⸻
У наставку фестивала:
Ресторан у Скадарлији, музика уживо из сваког угла, хармонија виолине и медитеранског меланхолије – светлост мекана, мирна… вече романтично.
Сутрадан, шампионке песничких душа – Гордана ме поново позвала у хотел с погледом на Трг републике. Шетале смо пешачком улицом Краља Михајла, где се град и уметност уједињују у причу – као отворена књига.
Са мирисом кафе и звуцима улице, разговарале смо о фестивалу, о лепоти Београда и о стиховима који се рађају из тренутка искрености.
После смо дошле до Саве где се спаја с ДунаВом – предиван мешав вина, зелена оаза у срцу урбаног света.
⸻
Отишла сам, али део мене остао је тамо – у стиховима, у звуцима, у сенци краљице Зфире.
Белешка: Додала сам историјски преглед последњих алжирских краљева – Селима и Зфире – јер њихова прича објашњава порекло каракоа: раскошног традиционалног алжирског орнамента старог преко пет векова, састоји се од везене барштинске јакне с позлаћеним нитима, широко украшених панталона и специјалног накита (жиТ и мердума). Дизајнирала га је принцеза Зфира у 15. веку, који и данас остаје симбол светковине и поноса у Алжиру (посебно у Тлемсену и центру Алжира).
⸻
Београд – престоница Србије, 21. јуна 2025.
Ауторка: Селима Милизи, књижевница и новинарка


