(الفن التجريدي والفن التشخيصي) أيهما يجعل مرضى المستشفيات يشعرون بحالة صحية أفضل؟
يتوقع المرضى عموما أن الدواء الذي يصفه لهم الأطباء سيعالج مرضهم ويحسّن صحتهم، لكن ترى الباحثة دكتورة نيلسين ومشرفها البروفيسور مولينز من جامعة البورق في كوبنهاقن الدنمارك أنه من المحتمل أن تكون اللوحات التشكيلية التشخيصية لمناظر طبيعية ريفية مثلا جزءً من الوصفة الطبية.
يعتقد علماء النفس أن اللوحات الفنية التشخيصية الواقعية للإنسان والطبيعة أكثر فائدة للمرضى من اللوحات التجريدية، لكن مؤخرا هذا التفضيل الجمالي للفن التشخيصي في المستشفيات خلق تحديا للباحثين؛ حيث استنتج بحثهم أن الاعتقاد السابق في تفضيل الفن التشخيصي في المسشتفيات كان معتمدا على النظريات النفسية التي تشير إلى أن المرضى يجب أن يفكروا في شيء آخر غير الذي يحصل في المستشفى ( نظرية الإلهاء) التي يُعتقد أنها تحد من التجربة السلبية في الشعور بالألم أثناء زيارة المستشفى، فهناك شعور فطري معروف عند البشر لحب الطبيعة والتي تكاد أن تكون منعدمة داخل المستشفيات ومكوناتها، بالإضافة إلى وجود نظرية تعرف باسم (التطابق العاطفي) التي تشير إلى أن الأفراد في المستشفيات سوف يفسرون ويتفاعلون مع الأعمال الفنية وهم في حالة إحساس بالتوتر أو القلق. لذلك، فإنه من المنطقي أن تقوم إدارة المستشفيات بنشر الأعمال الفنية بعناية وانتقائية داخل أرجاء المستشفى لمواضيع مختارة تشمل صورا من الطبيعة أو مناظرا من الريف لإشغال المريض بصريا وإلهائه نفسيا عن كل الحالات السلبية وتوتره النفسي الذي يشعر به ويراه في المرضى، وتذكرهم الأعمال الفنية بأنهم متصلون بعالمهم الخارجي وذلك لخفض حالة الكآبة عند المريض أو الزائر أو المصاب.
لقد أثبتت الدراسات السابقة أن الفن التجريدي هو أكثر انفتاحا بكثير من بقية أنواع الفن التشكيلي؛ حيث يضع الشخص ضمن سياق وسيناريو غامض نوعا ما، وتشير نتائج نيلسن إلى أن واقع بحثها أكثر تعقيدا مما ظنت، وأن العملية الانثروبولوجية تجعل الإنسان يحاول اكتشاف ما يحدث فعلا داخل المستشفى، وحتى تتأكد من وجود المشكلة، أجرت بحثها داخل المستشفيات بدلا من المعامل وتحدثت وأجرت مقابلات شخصية، فيها حديث مطوّل ومناقشة هادفة مع المرضى والزوار لمعرفة حقيقة مواقفهم النفسية، وكيف ينظرون إلى الفن التشكيلي عموما؟
من ضمن الاختبارات التي استعملتها الباحثة وضعت 20 لوحة من أنماط فنية مختلفة وطلبت من المرضى ترتيبها حسب إعجابهم بها وهي في الغالب لوحات تشخيصية، ثم استعارت أربعة أعمال من المتحف وعلّقتها على جدران غرف منفصلة وفي ساحات وفي أجنحة المستشفى، ثم أجرت مقابلات مع المرضى تدرس فيها مشاعرهم ورأيهم حول الغرف في فترتين الأولى عندما لم يكن فيها لوحات على الجدران ثم مرة أخرى عندما علّقت اللوحات، وسألت المرضى عن شعورهم حول الغرف وعن حالتهم الصحية وسبب قدومهم إلى المستشفى.
واستنتجت الدراسة أن العمل الفني أثّر فعليا على تجربة الناس وأن وجود الأعمال الفنية بالفعل كان يعطي حالة الإشراق والبهجة ويثير المتعة وينمي التذوق الفني والحس الجمالي وتدعو للأمل والتأمل وتثير التفكير وتخفّز الخيال؛ حيث كان جميع المبحوثين لديهم مشاعر إيجابية حول الغرف والمساحات المفتوحة، ثم بدأو في بحث ماذا لو كانت اللوحات المعلقة لوحات تجريدية وليست تشخيصية كحالة بحثية في مرحلة تالية.
أخذت بعدها نيلسن لوحات مستنسخة من عشرة أعمال تجريدية لكبار الفنانين التجريديين مثل مارك روثكو، جوزيف البرس، ماليفيتش وغيرهم مع تغطية اسم الفنان وعلقتها في غرف المرضى.
لمدة شهر كامل تحدثت نيلسن مع عشرات المرضى وطرحت عليهم أسئلة حول المكان وإذا كانوا حبوه أو لا؟ مع التوضيح لكل الحالتين، وكشفت الدراسة النتائج التالية:
أن اللوحات التجريدية أثارت عمليات التفكير الايجابي عند المرضى والزوار حول الأعمال الفنية، وأثارت إحساسهم الجمالي نحو المستشفى كساحات عامة وغرف وأثارت فيهم عملية التأمل العاطفي على المستوى الشخصي بطرق مختلفة.
عن تأثير الأعمال التشخيصية عموما كان لدى المرضى ردور فعل إيجابية نحو الاعمال الفنية بصرف النظر عن نوعية الفن سواء تجريدي أو تشخيصي، فلم تجد فروقا ذات دلالة في الشعور والاستمتاع بالفن والترفيه في العمل الفني التجريدي أو التشخيصي، لكن فكرة الغموض في الفن التجريدي أثارت جهد المشاهد في التفكير لمعرفة مغزى العمل وكشف أسراره.
كان المرضى يستمتعوا بالفن في غرفهم لكنهم كانو مجبرين على المناقشة مع نيلسين.
أتاحت الأعمال التجريدية للمرضى التركيز وخلقت عندهم عمليات الإيحاء والتفكير الذاتي بشكل أعمق وأنهم شعروا بالاسترخاء والهدوء على المستوى الوجودي، كما أنها أتاحت موضوعا للمحادثة والحوار مع الآخرين بعيدا عن حالتهم المرضية ومعاناتهم الشخصية مع المرض وتاريخه وأوجاعه.
هذا ما أتاح تحييد الشؤون الشخصية في المستشفى حيث أن الجميع هناك يلبسوا نفس الملابس ويتحدثوا عادة عن الأعراض والأمراض والآلام ومرارة العلاج والانتكاسات المرضية. لذا، يبدو أن الفن التجريدي والتشخيصي تصدى لذلك من خلال دفع التفكير إلى ما وراء حالة المرضى المباشرة –استمرارا لنظرية الإلهاء-.
وفقا لنيلسن تؤكد المرضى أن وجود الأعمال الفنية داخل أرجاء المستشفى رفع لديهم الثقة بالعلاج، وأضافت لديهم شعور بأن المستشفى تعتني بهم جيدا، وهذا ما رفع لديهم مستويات التوقع إلى أن هناك رعاية عالية أثناء إقامتهم في المستشفى للعلاج والنقاهة.
من بين الأعمال العشرة كان هناك لوحة واحدة تشخيصية فقط (حقل القمح لكلود مونيه) كشفت الدراسة أن هذه اللوحة جلبت الفوائد التي توقعها علماء النفس من قبل وأن المرضى أبدوا جميعا مشاعر إيجابية نحوها، لكن تؤكد نيلسن أن الفن التجريدي فتح عدة مستويات أخرى في مجال التذوق الفني والإحساس والتفضيل الجمالي وأنها أثارت التأمل والاسترخاء عند المرضى وأثارت التفكير.
كما قدم البحث جزءً نفسفسيولوجي في إجراءاته وهو فصل كمي منح نتائج نوعية، فيه تتبعت نيلسن حركات العين عند المرضى ومعدل ضربات القلب لمّا شاهدوا العشر لوحات المستنسخة داخل المستشفى، بالإضافة لأربعين لوحة عرضت على الشاشة، حيث أشارت النتائج إلى أن النظرة نحو الفن التجريدي كانت نظرة تتسم بالهدوء عموما، وأنهم لم يبحثوا عن العلاقة السببية. لذا، أوصت بضرورة إجراء المزيد من الأبحاث التي تدرس العلاقة بين العمل الفني والتعافي من المرض في المستشفيات، كما أوصت بضرورة نشر الأعمال الفنية بكافة الأساليب التشكيلية في مداخل المستشفيات وبهوها وممراتها وصالات الانتظار ومحطات التمريض والعيادات وغرف التنويم والنقاهة.
وشخصيا أوصي السادة الزملاء أساتذة كليات الفنون والتصميم وطلبة الدراسات العليا بعمل دراسات سيميائية بصرية ودراسات جمالية لمستشفياتنا الكبرى في الوطن العربي؛ توضح مدى جاذبية المكان وعلاقته بالنواحي النفسية والصحية لدى المرضى.
د. عصام عسيري
رأيكم يهمني🌹
****
المصادر:
– موقع سبق- اليوم السابع
– الإمارات اليوم –
– العربية .نت
-صحيفة الثورة السورية
– موقع المصرى اليوم – موقع عكاظ
– مواقع تواصل إجتماعي – فيس بوك – ويكبيديا
– مجلة فن التصوير
– إيليت فوتو آرت: https://elitephotoart.net
********


