د.خليل طيار
التدليل في النص البَصًري

التدليل في النص البَصًري

كتب الناقد العراقي: د.خليل طيار..الإيجاز لبلوغ التدليل في النص البَصًري.. قراءة في خصائص أعمال المشهد “العاشورائي” للعام 2004م.

بصورة شاملة

قراءة في خصائص أعمال المشهد “العاشورائي” للعام 2004م.

*الإيجاز لبلوغ التدليل في النص البَصًري قراءة في خصائص أعمال المشهد “العاشورائي” لعام 2004

الجزء الأول

التشبه والتقمص

السؤال الأول

هل يمكن للنصوص البَصًرية، أي كانت أجناسها، أن تستًعير لغة الإيجّاز بدافع تحقيق الإطناب لتأكيد رسائل خطاباتها حد المبالغة، بحيث يصبح الإيجاز إسهابا مفرطا؟

في سياق هذا السؤال نحاول الإجابة على بيان مفهوم الإيجاز في لغة التعّبير البَصًري، من خلال تحليل نتاج عدد من المصورين الذين يوجدون في مراسم أحياء واقعة “الطف” سنويا،

وينشطون فيها للقّبض على ألواح بَصًرية تترصّد تفاصيل الحدث “العشورائي” ويحاول بعضهم أن يتجاوز الآثار المألوفة،

ويغادر طريقة المسّحات البَصًرية السابقة، ويبحث عن لغّة تعبير موجزة، لتكون مفعمة بإحساس فني. خارج حدود أطار التسجيل العاطفي.

الأثر النقدي

لا شك أن الانتفاع من الفعل النقدي، المعزز لثقافة المصور، قد أسهم إلى حد كبير في تحقيق هذه الانتقالة الجمالية في مشّهد “الفوتوغراف” العراقي،

وساعد على تحسين مخرجات نتاجاته. وبدأ بسببها الكثير من المصورين يغادرون طريقة اللقَطْ التقليدي لمفردات الواقعة الحسينية،

ويستبدلونها بصناعة لوحات “مرئية” تتجاوز الغرض التوثيقي للواقعة، لتحقق أفعالاً بَصًرية ساردة.

الأبعاد القيمية والمكانية

بعيدا عن ثراء قيم الخطاب المعرفي، اللامتّناهي لقضية نهضة الإمام الحسين (ع) وأهدافها التغييّرية وبعدها الإصلاحي، ألا إن حدود “المخّيال” الفني للتعامل مع الواقعة لا تسمح، بالتفريط والإفراط لمضمونها العقائدي،

ولا تقبل التضعيف، أو التهّويل لدلالة عناصرها الفردية والمادية المقتصرة في بيئتها الواقعية على (الفرسان – الخيول – السيوف – الخيام – الرايات – النار- الماء -الدخان- الغبار)،

التي توزعت على سماطين متضادين لمعايّير قّيم النبل، ويمثل عناوينها الجوهرية (الإمام الحسين، وأخيه ابي الفضل العباس، وأخته الحوراء زينب، وولده علي الأكبر، وأهل بيته، وأصحابه عليهم السلام)،

مقابل شخوص تمثل عناوين رئيسة للوضاعة والخسّة، وهم: (عبيد لله بن زياد، وعمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وشبث بن ربعي، وحجار بن ابجر، وحرملة، وغيرهم في رهط جيش المارقين)،

مع اختلاف جوهري لموازين القوة والمقدرة، والعدة والعدد عند الطرفين. إذ تمثلت في خطاب المعسكر الأول، مبادئ رسالية عناوينها (العدل-الحق-الأيمان-الشجاعة-الإيثار-التضحية-الجود-الصبر).

قبال سلوكيات مظاهرها (الهمجية-الكفر-التسلط-الطغيان-الجبًروت-الغرور-الباطل-الطمع- النفاق) في خطاب المعسكر الثاني.

وما دون هذه الموسومات القّيمية والمكانية والشخصية، فهي مسهبات للغلو في التعبير وإضفاء تمثّلات تصورية من خارج حدود واقعية الواقعة،

وتُرك “للمخيال” الفني والسردي التمّاهي معها بشيء من الجموح، أسقطها أحيانا في دائرة الأسطورة والخرافة، خارج حدود بعدها التاريخي الواقعي والموهن لقيمها العظيمة.

لكن تبقى واقعة “الطًف” تحتفظ بثوابت مكانية، وصًيرورة عقدية، لا يمكن تقليل قِيمها عند التفاعل الفني مع قضيتها بمختلف الأجناس البَصًرية،

ومن أبرزها حضوراً وانتشاراً هو “الفاعل الصْوري” الأكثر انغماسا مع أحداثها سنويا، وتشكل مخرجاته “انسكلوبيديا بَصًرية” تهيمن على كل مساحة الهويات البَصًرية للمشهد “العاشورائي”،

تنقل للمتلقي القريب والبعيد تفاصيل سرديتها المأساوية. وتعكس حجم مبثوثتها الحسية والشعورية.

وللوقوف عند محصلة الناتج الجمالي للمجس “الفوتوغرافي” في موسم عاشوراء العام 2024، اخترنا مجموعة من أعمال عدد من المصورين،

تميزت خصائصها بعلامات تجاوزت تقليديتها المتكررة، وعملت على استخدام لغة الإيجاز والاختزال في أدواتها التعبيرية، للتدليل عن مضامينها وإيصال رسائلها.

التجلي “العاشورائي” بَصًريا

يتفاعل “المصورون” سنويا مع التجّليات الضوئية التي تشكلها مشاهد مسرودات الواقعة، سواء الحكائية منها، المنقولة بلسان الخطباء أو التي ينشدها “الرواديد” على لسان الشعراء، أو تلك المرتبطة بردة تفاعل الجمهور المعزي.

تلاحق عدسات المصورين انطباعات ما ينعكس على وجوه المشاركين من آثار الحزن والتأسي. أو من خلال رصدهم للولادات الضّوئية النازلة من فتحات السقوف،

وَالْمُشْكِلَة مع حركة وألوان الرايات المرفوعة، مناخات ضّوئية يرصدون تكويناتها بمهارة فنية.

ويسعى قسم آخر منهم بملاحقة الأفعال الدرامية، المعاد مسرحتها داخل مسرودات الواقعة، لزيادة حجم التأثير العاطفي في النفوس.

كما في مشاهد انفعالات المعزين، وهم يتعاطفون مع الممارسات الطقسية لأيام عاشوراء، ومن أبرز أحداثها، إضرام النار في الخيام، أو ملاحقة “التشابيه”، التي تتقّمص شخصيات وأحداث مهمة في سردية واقعة الطف،

حرص؟المصورون على توظيفها في مسوحاتهم البَصًرية. وهي في غالبيتها هذا العام أعمال متميزة، على مستوى الكم والنوع. نتوقف في أجزاء دراستنا عند بعض تجّليات خصائصها الجمالية.

أيقونة رحيم السيلاوي “العباسية”

لطالما جذبت أعمال المصور “رحيم السيلاوي” الباعث النقدي لمساحاتها، وهو الأوفر حضاً من بين زملائه في الملاحقات النقدية، لتميز أعماله بخصائص جمالية متفردة.

وفي موسم هذا العام ترك لنا جّملة أعمال مهمة قدمها بلغة تعبيرية مختلفة، اخترنا منها عملاً مهما لاحق فيه التجسيد الدرامي “لمُشبه” امتطى صهوة جواده ليتقمص شخصية أحد أبرز رموز الواقعة، هو البطل عبْاس (ع).

من التشبيه للتقمص

“السيلاوي”، وهو ينشغل في ملاحقة أداء هذه الشخصية العظيمة، لم يكْ يشغله التوثيق “البورتريهاتي” كما فعل بعض المصورين،

بل سعى ليقتنص في هيئته الجسدية فعلاً درامياً، تمكنه أن يخّتزل فيه كل مآثر المسرودات، والصور الذهنية المتخيلة عن شخصيته المثيرة للاهتمام.

فعمل بخبرته وثقافته التشكيلية على إنتاج تكوين بَصًري حقق فيه التقمص الكامل للتعبير عن الدلالة المعنوية والجسدية للشخصية التي تشكل المحور الأكثر حضورا في المشهد “العاشورائي”.

المعالجة البصرية

أنشأ “السيلاوي” معادلة بَصًرية بثلاثة مستويات، وظف في مساحتها العلوية الشعار العقائدي (يا ثارالله). ولأن هذا النداء يعتبر هدفٌ محوري لنصرة الإمام الحسين (ع) جّعل مساحته تهيمن على الجزء الأكبر لمعادلته.

وفي النقطة الذهبية ترك في الوسط “بورتريه” لرمزية الفارس الشجاع، وقد أظهرت تعابير نظراته إرادة العّزم والقوة، باعتباره المتّبني الأقوى والأقرب لعقائدية الشعار،

وحامل لوائها. وترك المستوى الأسفل تنعكس فيه دلالات مستقبل مرئيته المتمثل بوجود طفلين،انعكست على قسًمات وجهيهما تعابير الترقّب والغّضب،

وهما يراقبان جموح الفارس وانفعال فرسه ليساعد حضورهما المضمر على تنمية التأثير الدرامي للمشهد.

بلوغ هدف التدليل

“السيلاوي” بمرئيته “العباسية” اثبت قّدرته على تحقيق مهارة بَصًرية، وهو يتعامل مع فعل درامي ممسّرح، بدتْ مشهديته، أقرب لفعل الواقع منها إلى التَّشْبِيه.

ولم يكتفْ بهذا الرصد الموجز لبلوغ التدليل المتكامل للمشهد “العاشورائي”،

بل ذهب بإحساسه التشكيلي يستكمل رصّد فصوله المتعددة، وينتج منها مرئيات مؤثرة، ومن أبرزها أعماله المتميزة في مشهد حرق الخيام،

قدم فيها لوحات مرسومة بلغة الضوء، استطاع ضبط توازن مناخاتها اللونية لزيادة تأثيرها الدرامي.

وبمجموع ما قدمه هذا العام، نجح “رحيم السيلاوي” أن يكون القّانص البَصًري الأكثر قدرة على استثمار لغة الإيجاز، وأتقان توظيفه بجماليات بَصًرية متقنة.

*الإيجاز لبلوغ التدليل في النص البَصًري قراءة في خصائص أعمال المشهد “العاشورائي” لعام 2004

– الجزء الثاني.

**الإيجاز في لغة التعبير..

*الإيجاز في الصورة:

ستكون دلالة اقترانهما كافيا لتحقيق فكرة الخوف.

-بالطبع لعل الإجابة المبكرة لاستيعاب مفهوم الإيجاز، قد وضع أسسها الرائد والأب الروحي للفلم السينمائي “ديفيد غريفث”،

عندما أطلق مقولته المشهورة “بدأت السينما عندما بدأ المقص” ليختزل لنا المعنى،

بينما كان واضعا بذلك قواعد لما يعرف “بالمونتاج المتوازي” الذي يعتمد وسيلة تشابك مجموعة أفكار، أو علامات منفصلة، يقود اقترانها، المتلقي إلى نتيجة دلالية واحدة.

وهي أبرز ما يميز خصائص جماليات الفنون البَصًرية المعاصرة بشكل عام،

حيثما وظهر منها مفهوم “الكولاج” باعتماد استخدام مواد مادية، أو بَصًرية، في سطوحها لاختصار مسافة توصيل رسائلها بلا إسهاب،

بينما وبدون هدر لوقت المتلقي، عند سعيه لاحتواء المضمون وصناعة أثره. وحسب مفهوم “غريفث” فإن جمع لقطة لوجه كلب، مع لقطة لوجه صبي باك،

حيثما ستكون دلالة اقترانهما كافيا لتحقيق فكرة الخوف. *التصوير “الفوتوغرافي” لم يتجاوز هذه الخاصية الجمالية،

التي عمل على استثمارها الكثير من المصورين العالمين،

بينما وأصبحت من الألوان المفاهيمية في عالم التصوير المعاصر، وصار العديد منهم يوجز سردياته البصرية بقاعدة “الكولاج” عندما يذهب لدمج علامتين أو أكثر،

بالتالي يستخلص منها المتلقي نتيجة لفهم مقاصد النص البَصًري، والإسهام في صناعة رسائله، دون إسهاب في تأويلاته. وهو ما وجدناه في أغلب خصائص نتاج مصورنا في موسم عاشوراء هذا العام.

لكن سنختار بهذا الجزء عدداً من أعمال المصورين الذين استثمروا هذا الخاصية الجمالية في أعمالهم.

* الإيجاز بالعلامات البَصًرية :

*المصور “حكمت العياشي” قدم في إحدى مرئياته المؤثرة هذا العام .

رؤية ثلاثية الأبعاد ليوجز بها كل عناوين متطلبات المشهد “العاشورائي”.

لذلك فعمل على إنشاء تكوين بَصًري من مستوى زاوية منخفضة Low shot ضمت ثلاث علامات اختزل فيها مضمون “مرئيته”

هكذا ثبت في جزئها العلوي طائرة عسكرية، محلقة وسط زرقة سماء صافية، وحتى يبدد حيرة المتلقي عن أسباب القيام بهذا الجهد العسكري،

وبيان بيئته المكانية، سكن “العياشي” في وسط القاعدة الذهبية لمرئيته راية حملت عبارة (يا حسين الشهيد) لتؤشر بجلاء عن رسالة هذا الواجب ومكانها. ثم ختم نهاية “مرئيته” بالتركيز على ثالث علاماته،

والمتمثلة ببقعة ضوئية ظهر فيها أحد المعزين،

لذلك وهو يرفع كفيه مبتهلا بالدعاء، ليوجز “العياشي” فيه نوع الجمهور الذي سعى هذا الجهد لحمايته.

وحتى يشعرنا بالهوية الحسية لمرئيته عمد على استثمار حدوث “السلويت” عند مواجهة عدسته للسماء،

تاركا بيئته المكانية يجتاحها سواد الحزن “العاشورائي”.

*الإيجاز بالمعادل اللوني:

عموما *”العياشي” لم يكتف بتقديم مرئيته الثلاثية ليختزل فيها تفاصيل رسالة عاشوراء، بل ذهب يعززها بتقديم مرئيتين،

عندما أستثمر فيهما طريقة الإيجاز بالمعادل اللوني، لتعميق دلالة نصوصه البَصًرية.

أيضا أنشأ في إحداها فضاء اجتاحته حلكة سوداء، إشارة إلى ألم فاجعة الواقعة المفتوح الأفق، ومرر في أحد أركانه رجلاً مسناً، اتسمت تعابير وجهه بالأسى،

وهو يرفع راية تحمل عبارة تقطعت كلماتها، وأصبحت عصية على الفهم، وحتى يكمل ترتيب كلماتها، ويستوضح مغزاها،

انتظر مروره وسط خلفية إيوان أحيط بسلسلة مصابيح حمراء، ظهرت كقطرات دم، تلتف كالشريان حول الرجل،

تدليلا لهوية مْن قٌصد المسير إليه، وبذلك مكن هذا الاقتران فك شفرة العبارة التي يحمل راياتها المعزون، وهي تقول “كل دم بشرياني يهتف باسمك يا حسين”.

*وحتى يكمل هذا الإيجاز بنتيجة حتمية، نجح في مرئية ثانية لإعطاء قرار لمعادلته اللونية،

عندما أنهى حلكة السواد المتوشح بقوس شريان الدم، وجعل قرينته مع إيوان آخر انفتح على سماء بيضاء،

وهي تستقبل رايات المعزين بلهفة.

وفي “مرئية” أخرى استثمر “العياشي” فيها طريقة الإيجاز في الدلالات اللونية عندما،

وظف فيها ظهور ممر ضوئي اجتاح بقعة سوداء كاشفا فيها عن وجوه مذهولة، وأيادي ضاربة على الرؤوس،

وأجساد مهرولة ترفرف فوقها راية صفراء حملت عبارة “أحب الله من أحب حسينا” كنتيجة حتمية لهذا العشق الحسيني.

*وفي إيجاز لوني أخر عمد “حكمت العياشي” في أحد أعماله على صناعة هالة ضوئية حمراء مزجها بطريقة إقلاب طرفيها،

ليحصل على مؤشر مضخم لحجم الدماء النازفة في واقعة الطف،

وترك في وسطها أجساد هائمة عمد على تشتيت معالمها، ليعبر عن معاني الذهول لهول المصيبة،

وهي محاصرة بمشاعل النيران، شكلها “العياشي” من مصابيح أحد أركان البوابات ليصنع إطارا نافعا “لمرئيته” الدموية.

“العياشي”، ومن خلال مرئيات متفردة في منجزه البَصًري “العاشورائي”،

استطاع هذا العام أن يقدم لغة فنية اعتمد فيها خاصية الإيجاز في المفردات البَصًرية، ليدلل عن مضامين حملت سردا معمقا استحقت التقدير.

*إيجاز الكولاج البَصًري؛

*للخروج من دائرة المسح التقليدي، شُغل بعض المصورين في هذا العام على استثمار وجود الهويات البَصًرية المنشرة في مساحة المشهد “العاشورائي” سواء اللوحات المرسومة أو الرايات المرفوعة على الجدران”

ونجح قسم منهم باستثمار مضامينها، بطريقة “الكولاج” البَصًري، ودمجها مع أفعال بَصًرية حية، لتصبح قرينة لدلالة مضمون “مرئيته”،

كما شاهدناه في أحد أبرز أعمال المصور الشاب “سجاد البيضاني” الذي ركن بعدسته أمام لوحة مرفوعة على جدار،

كشف مناخها الملحمي هول المعركة الحاصلة في واقعة الطف، وظهر فيها فارس اجتاحت النبال جسده النازف،

وراح يجاهد بنفسه للوقوف على سيفه. *تعامل “سجاد” مع هذا الأثر البَصًري في اللوحة بأكثر من زاوية،

عندما وجد مؤشراتها تفيده لصناعة مرئية فاعلة. وأراد أن يستثمر فعلها الدرامي بطريقة “الكولاج”،

فأختار زاوية ذكية انتظر فيها مرور امرأة مثكولة من هول مصيبة استشهاد “إمامها”،

وجاءت مهرولة تحمل “زنبيلا” على كتفها للمشاركة في مشهد دفنه، كما تنقله المرويات المسرودة

إيجاز الكولاج البَصًري: *للخروج من دائرة المسح التقليدي،

شُغل بعض المصورين في هذا العام على استثمار وجود الهويات البَصًرية المنشرة في مساحة المشهد “العاشورائي”

سواء اللوحات المرسومة أو الرايات المرفوعة على الجدران” ونجح قسم منهم باستثمار مضامينها،

بطريقة “الكولاج” البَصًري، ودمجها مع أفعال بَصًرية حية،

لتصبح قرينة لدلالة مضمون “مرئيته”،

كما شاهدناه في أحد أبرز أعمال المصور الشاب “سجاد البيضاني” الذي ركن بعدسته أمام لوحة مرفوعة على جدار،

كشف مناخها الملحمي هول المعركة الحاصلة في واقعة الطف، وظهر فيها فارس اجتاحت النبال جسده النازف،

وراح يجاهد بنفسه للوقوف على سيفه. *تعامل “سجاد” مع هذا الأثر البَصًري في اللوحة بأكثر من زاوية،

عندما وجد مؤشراتها تفيده لصناعة مرئية فاعلة.

وأراد أن يستثمر فعلها الدرامي بطريقة “الكولاج”، فأختار زاوية ذكية انتظر فيها مرور امرأة مثكولة من هول مصيبة استشهاد “إمامها”،

وجاءت مهرولة تحمل “زنبيلا” على كتفها للمشاركة في مشهد دفنه، كما تنقله المرويات المسرودة للواقعة،

وحتى يعضد هذا الفعل الدرامي لقيمة ما ضاع من العبارة التي حملتها اللوحة،

فعمل على ترجمها لنا بتوظف تعابير الإغاثة واللهفة في ملامحها،

ويثبت جزعها بزاوية ذكية أظهرت يدها وهي تكاد تمسك فارسها المعزى! صارخة بعبارة اللوحة “حي على العزاء…حي على البكاء”.

*إيجاز بدلالة العبارة:

التدليل في النص البَصًري

بالسياق نفسه ظهرت مرئيات للمصور “حيدر المسلماوي” وهي تستند إلى لغة الإيجاز بالعبارة لتدليل عن المضمون “العاشورائي”،

وحاول أن يبتعد فيها عن المسوحات التقًليدية لتفاصيل الواقعة، فذهب لصنع قصة بَصًرية لاحق فيها نسوة معزيات،

رصدهًن وهٌنً يُسرعنً الخطى،

من هنا وتقصد أن يظهر في خلفية سيرهنً عبارات توجز دلالة مساعيهِنً. وعالج مناخات صًوره بالأسود والأبيض لزيادة شحنة الأسى. لكنه في مرئية أخرى له، ترك للمعادلة اللونية أن تكمل صيغة إيجاز دلالة العبارة،

عندما توقف أمام خلفية سوداء خُط عليها بلون دامي (السلام على القتيل المظلوم)،

وانتظر مرور امرأة ترفع راية خضراء حملت عبارة (وا حسين…) وهي تحث خطاها راكضة، لتدلل على سيرها على نفس نهج العبارة!

*الإيجاز بلغة الزوايا:

لطالما أكدنا في دراسة سابقة،

على أن أحجام اللقطات والزوايا ليست مجرد مقايس يستخدمها المصور لضبط كوادره فحسب،

بل هي عناصر جمالية تؤثر تأثيرا كبيرا على رسم خطاب مضمون الصورة،

بصفة عامة وتعبر عن الحالة نفسية للأشخاص، وهو ما وظف معادلته بنجاح المصور “وضاح العمري” .

عندما أوجز دلالة مرئيته بزاوية فوقية Top shot حققها لنا بزاوية عين الطائر Bird ayes،

ليختزل فيها خلاصة نتيجة المشهد “العاشورائي” أخبرتنا عن رجل طلب الإصلاح في أمة جده،

من هنا وتٌرك وحيدا مشحطا بدمه على رمضاء كربلاء، وقدمها بلغة موجزة سكن في نقطتها الذهبية،

مشهد الإمام وهو مسجى شهيدا في الصحراء، ويظهر بقربه جواده.

بصفة عامة وبهذه الزاوية التي تعكس القهرية والانكسار أراد” العمري” أن يذكرنا بأحد أهم مسرودات الواقعة، وهي تعبر عن لسان صهًيل الفرس قائلة “الظليمة،

الظليمة عن أمةٍ قتلت ابن بنت نبيها” ليبقى ملقى على الرمال بلا تغسل ولا تكفين،

وينهب رحله، وتسبى نساؤه، ويقتل أهل بيته وأصحابه. لنحصل على مرئية قرأنا فيا سردا مطولا عن مآثر الواقعة،

وتحققت بلقطة موجزة استحقت التقدير.

*خلاصة موجزة:

على أي حال تؤشر لنا خلاصة قراءتنا لخصائص نتاج المشهد البصري “العاشورائي” لهذا العام،

بعد ذلك وجود تنامي في مستوى الثقافة البصرية لدى المصورين، سواء الشباب منهم،

والمحترفون على حد سواء، وبات الكثير منهم يستشعر مسؤولياته، ويحقق رسالته المهنية،

إلا أن كسارد بَصًري مؤثر في المشهد الثقافي، ويهتم بتحقيق ناتج نوعي على حساب الإفراط الكمي. وبدأت مخرجات أعمال الكثير منهم،

فيما بعد إلى أن تجاوز حدود التوثيقات التقًليدية لتقترب من حدود التوظيفات الجمالية للغة التصوير “المرئي” .

أخيرا وسيكون للجزء الأخير من دراستنا فصل مهم لملاحقة العديد من أعمال مصورينا الذين قدموا مرئيات استثنائية في تشكلاتها، تسحق الرصد…

أخيرا *كتب الناقد العراقي: د.خليل طيار..الإيجاز لبلوغ التدليل في النص البَصًري.. قراءة في خصائص أعمال المشهد “العاشورائي” للعام 2004م.

في النهاية

المعرض :

د.خليل طيار
التدليل في النص البَصًري
التدليل في النص البَصًري
التدليل في النص البَصًري
التدليل في النص البَصًري
التدليل في النص البَصًري
التدليل في النص البَصًري
التدليل في النص البَصًري
التدليل في النص البَصًري

المصدر

fotoartbook

elitephotoart

اترك تعليقاً