بابلو بيكاسو..السريالي الإسباني
الشاعر : بابلو بيكاسو..السريالي الإسباني الذي سرقه الفن من الأدب.- إعداد: فريد ظفور.
الفن والأدب وجهان لعملة واحدة اسمها الثقافة..وقلة من الناس ممن يعرفون الوجه الآخر للفنان الكبير بابلو بيكاسو بأنه كان كاتباً.نظرا لكونه رساما عالميا.
فالواقع أن بيكاسو كان مهتماً بالكتابة،رغم انه الفنان الأشهر خلال القرن العشرين، بابلو بيكاسو الذي ما تزال تحفه الفنية تتصدر قائمة المبيعات العالمية، والذي في مقام ثان، يتميز فنّه بالإبداع والالتزام بقضايا الإنسان .
*ولعل مخالطته للشعراء الكبار منذ سنوات شبابه. قادماً من برشلونة إلى مدينة النور باريس.
حيث تعرف على: ماكس جاكوب وبول إيلوار، وجان كوكتو، وجرترود ستاین والمبدع كيوم أبولينير، الذي عرّف الناس به، وكتب عنه ودافع عن ثورته في مجال الفن التشكيلي.
الأمر الثاني هو ببساطة كتابته للشعر منذ البداية، تحت تأثير هذه الرفقة الشعرية المؤسسة لإبداع القرن العشرين،
إلا أن قصائد شعره الأولى عام 1935م يوم ابتعد عن محترفه الفني لاسباب شخصية.
حيث عاش حياة بوهيمية..بين زوجته الغيورة التي فرضت عليه الطلاق، وأبعدته عن مسكنه، وبين صديقته الموديل الفني.حيث ارتبط بها.و انجبت له مولود.
ولكن علاقة بيكاسو بالأدب مدهشة ومعقدة.حيث أنتج بالفرنسية والأسبانية أدباً وفيراً..خاصة في سنواته الفنية الأولى.
حيث كان يفضل صحبة الشعراء و الأدباء على الفنانين.فيرسم كل ماله علاقة بالأدب.
وحري بنا ان نلقي الضوء على إبداع ريشته من رسوم توضيحية.وشروح للكثير من المؤلفات التي تجاوزت المئة. فقد كتب 340 قصيدة.ومسرحيتين هما:”رغبة مقبوض عليها من الذيل“ عام 1941م.و”أربعُ فتيات صغيرات“عام 1947م.
لكن الشاعر أندري بروتون مؤسس السريالية .كتب عن شعر بيكاسو: في ثناياه..
يتردّد صدى نغمة صوته الداخلي، وينكشف عمق كيانه” ليظهر في شكل إبداعي غير الرسم، يندمج فيها الهم الشخصي اليومي مع قضايا الإنسانية الكبرى
.فتعالوا معنا نقدم ** نماذج من قصائد بيكاسو المختارة:
*قصيدته إلى الشاعر أراغون:
إلى الشاعر أراغون
في المِحرقة المُشتعلة حيث
تُشْوى الساحرة عارية
بأظافري
وبلطفٍ
استمتعتُ على مضَضٍ
في ظهيرة ذلك اليوم
بِسَلخِ جِلدِ الشعلات المُلتهبة
على الساعة الواحدة وخمس دقائق
صباحاً وحتى بعد ذلك
الآن حلّت الساعة الثالثة
إلا عشر دقائق
إلا عشر دقائق
وأصابعي لا تزال تفوحُ منها رائحةُ الخبز الساخن
والعسل والياسمين
مرآة في إطارك الفِلِّيني
مرآة في إطارك الفِلِّيني
مُلقاةٌ في خضم الأمواج وسط البحر
لا تَرى سوى البرق السماء والسحب
فَمُك مستعد لابتلاع الشمس
إلا أن طائراً يمرّ
فيعيش لِلَحظة واحدة في نَظْرتك
ها هو يفقد عينيه اللتين سقطتا في الماء
يصير أعمى
فيا لها من ضحكات ستَنطلِق في هذه اللحظة بالذات
تَصنَعُها الأمواج..
**قصيدة بتاريخ 14 ديسمبر 1935م:
على الظهر الضخم لشريحة
من فاكهةِ البطيخ الملتهب شجرة
قِطَعُ وردة
طاولة للضحك
تحت تهديد الجَناح الذي يٌضَيِّقُ المسافة من أجل
لذّة رؤية الخلاص بين هذه
الأسنان غيرَ مبالٍ بضجره لجُزءِ
عُشبٍ
بُرعُمَا الكرَز الصغيرين
اللذان سقطا أسفل سافلين
بقيا يُقبِّلان بعضهما البعض لمدة يومين أو ثلاثة أيام
وقد أغضبتهما
دموع الفتاة الصغيرة.
*حلم وكذب فرانكو (1937م)
صرخاتُ الأطفالِ صرخاتُ النساءِ
صرخاتُ الطيورِ صرخاتُ الزهورِ
صرخات الأَعمِدةِ والحجارةِ
صرخات الستائر والمَقَالي والقِططِ والأوراقِ
صرخاتُ الروائحِ التي تخْدِشُ بَعْضَها البَعْضَ
صرخاتُ الدخانِ اللاّذعِ حَولَ الرقبة
وصرخاتُ مطَرِ الطيورِ الذي يَغْمُرُ البَحرَ
وينخُرُ العَظْم
فتُكسر أسنانه وهو يقضم القطن
تسْحَبه الشمسُ من الطبقِ الذي تُخفيه الصرّة والجيب
في الأثرِ الذي تتركه القَدَمُ على الصخر.
*قصيدة بتاريخ 2 أبريل 1942 م
تنتشر الرائحة العنيفة للون الأرجواني الداكن، فوق الأخضر التفاحي كما الندَى الذي يُبلِّل الحَامِض باللون الوردي، إلى درجة الاختناق التام.
الموسيقى البرتقالية اللاذعة التي تُصدر تنهيداتها الدافئة إلى الأذن المتَسَاهِلة المفتوحةِ للون المُصْفَرّ، الذي أيقظته فجأة الكلمات القاسية واللطيفة، للعطر الأبيض الذهبي المُفرط، للأرضية فتعْكِسُها عاريةً تماماً.
بما تحظى به أشعار شكسبير في بريطانيا من شهرة وتقدير.
وقد يكون ذلك هو السبب الأهم لاهتمام بيكاسو بهذا الشاعر وأدبه، إن لم نقل إنه من أهم الشخصيات التي عرفت العالم بغونغورا..
وقدمته في زمن ليس زمنه ومن بين الكتب القليلة التي كانت تغفو على رفوف مكتبة بيكاسو، مؤلفات كلاسيكية بالفرنسية والأسبانية، وروايات .
كان هناك مؤلف بعنوان «أوبراس» طبع عام ١٦٦٧ في لشبونة.
وهو كتاب شعري للشاعر الأسباني لويس غونغورا وفي ذلك دلالة ظاهرية على
أن بيكاسو كان قليل الإهتمام بالقراءة،
وبرغم ذلك، فقد كانت له ثقافة واسعة في أمور الأدب قديمه وحديثه، وكانت عبقريته تطل من عينيه المشابهتين لأشعة إكس، تخترق صفحات الكتاب وتقرأه دون قراءة.
وقد يرجع علمه الواسع إلى ذاكرته وحافظته وحسن استماعه إلى الآخرين.
وهو يربط حديثه عن أعماله بالإشارة إلى موليير وشكسبير وكير كيغارد وهير قليطس وفاليري ويناقشها من خلال آخر التطورات في فكر ليفي شتراوس وبارث.
ومنذ طفولته كانت صورة الشاعر الأسباني غونغورا بقيت تسيطر على خياله وقد ظهرت بمعرض باريس عام ۱۹۰۱م.
وقد علق الناقد فيليسيان فاغوس بقوله إن الفنان يمكن أن يتمثل ويهضم كل شيء حتى التصوير الشعبي.
ومادعاه فاغوس «الغونغورية» أي الشكل الآخر للغة الدارجة.
يتمثل ويهضم كل شيء حتى التصوير الشعبي. ومادعاه فاغوس «الغونغورية» أي الشكل الآخر للغة الدارجة.
وكان بيكاسو يعرف اسم غونغورا منذ نعومة أظفاره ويرتبط عنده بكل ماهو مظلم وعويص وعميق، ومن هنا ندرك لماذا شاع بين فلاحي أسبانيا حبهم وصف أيام الشؤم بأنها أيام غونغورية.
في تلك الأثناء كان السرياليون يرون أن حبة الطاطم لا تشبه فقط بالون الأطفال بل هي ذلك البالون عينه.
اما عالم السريالية فقد دخله غونغورا من خلال الشاعر السريالي ديزنوس الذي كتب كثيراً عن بيكاسو منذ عام ۱۹۲٥م.
ومع ذلك بقي بيكاسو بعيداً عن التزمت السريالي لرفضه التخلي عن عبارة «تشبه» بالرغم من تجاوز الحدود الشكلية السريالية.
فمثلا جذع تمثال ماغريت الأنثوي المجلل برأس من الشعر هو وجه وجسد، كما أن الفاكهة لدى ميرو هي صدر امرأة،
أما الرؤوس العظيمة لدى بيكاسو التي نحتها لماري-تيريز والتر فيه «تشبه»القضبان، والنهدان في منحوته «فتاة أمام مرآة يشبهان تفاحتين.
بيكاسو شدته السريالية الكلمة أكثر من السريالية المرئية التي نظر إليها بشيء من عدم الثقة.
كان مشدودا لكتاب الأدب السريالي، لكن كتاباته أقرب إلى السريالية الحقيقية لأنه يستخدم الاستعارة قليلاً .
كمن يكتب ملحمة على رأس دبوس.وكأنها ضرب مكثف ومرمز من أنظمة الإيحاء والترميز اللغوي الذي يذكرنا بإستخدام غونغورا لها.
لهذا فإن الرموز في نصوص بيكاسو..أحصنة يستحيل في أحيان كثيرة ترويضها، كما يستحيل أحياناً سبر أغوار معاني غونغورا الحقيقية فيها.
فعندما تكون الأجراس والأشجار والألواح الخشبية في قصيدة بيكاسو تدمى، والأزهار تئن والأواني والقدور في حركة كالأحياء فإننا نشعر أنها تمثل أشياء أخرى.
إن رؤية بيكاسو تنبؤية مليئة بالعنف والألم والوحشية والسوداوية ونسيج الكتابة عنده مظلم و قاتم وكثيف وفيزيائي ومطنب، لكنه مضاء ونابض بالحياة بشدة وهذا ينم عن تأثر عميق بغونغورا وتراثه الأدبي.
فقد كان عالم غونغورا كئيباً أصلاً، ولكن الطبيعة عنده مترفة ومفعمة بالظلال الجوهرية.
وفي نموذج من عمل بيكاسو بعنوان :شجرة صنوبر (سوليداديس) تدوس بصورة خرقاء على جدول تحتها جدول كأفعى داستها قدم،
ينفث اللؤلؤ السائل بدلاً من السم ويحمل في إلتواءاته التي ليست دائرية تماماً، أزهارا أهدتها النسمات الخصبة بوفرة إلى حضن الحديقة المزينة بالشجيرات التي خلفت النسمات تدريجات فضية حول سوقها .
وعندما اقترح الناشر كولونا التعاون مع بيكاسو لإصدار سلسة عن الرسامين والكتاب العظام. فإختار بيكاسو عشرين مقطوعة من شعر غونغورا تظهر موقفه من التقاليد وشرحها.
لقد عكس اختياره لهذه القصائد الرائعة ذات الشكل الكلاسيكي موقفاً من قسوة الحياة في باريس أيام الحرب.
وانهمك لسنتين كاملتين. بمطلع ١٩٤٧م .حيث شرح وعلق على مؤلفات نسخها بخط يده. وانجز زخارفه على خزفيات «مادورا» في فالوريس. ومنها صورة للشاعر غونغورا بأسلوب الغريكو.
بعنوان الشاعر : إلى رسام بارع أجنبي يرسم صورته. مؤكدا العلاقة بين الرسم والشعر .وتصدرت مقطوعاته التسع عشرة صفحات مليئة برسوم رؤوس فتيات تعبر ملامح كل منها عن روح القصيدة التي تتصدرها.
متبعا بعمله طريقة الحفر المائي باستخدام الأحماض التي كان قد تعلمها من لاكورييه.
وخصوصا للطبع علي الأزياء.
واما أسلوب بيكاسو فتميز بالسرعة والارتجال في أعماله التزيينية وكتابة النصوص بخط اليد،وتجلى في عمله على مؤلف ريفيردي «أغنية الموت» .
لكن كتابه «غونغورا» كان تحفة رائعة، بالأسبانية.لمشاركة أعظم شعراء أسبانيا الغنائيين،الذين سلطوا الضوء على شروح بيكاسو.
التي فيها النبالة الممزوجة بالحزن والفروسية المشربة بالغطرسة مما يميز طابع الشعب والفن الأسباني.
وندلف اخيرا للقول بأن بيكاسو الشاعر.
قد سلط الضوء وعرفنا على الكثير من الأدباء والشعراء.ولعل الأهم الشاعر: لويس غونغورا التي تعتبره أسبانيا بمثابة شكسبير بإنكلترا.
** -بابلو رويز بيكاسو
Pablo Ruiz Picasso
مواليد مالقة بإسبانيا عام1881م، توفي في موجان بفرنسا هام 1973م.
هو رسام ونحات وفنان تشكيلي واديب إسباني من أشهر فناني القرن العشرين ويعود له فضل تأسيس الحركة التكعبية الفنية.
*الشاعر : بابلو بيكاسو..السريالي الإسباني الذي سرقه الفن من الأدب.- إعداد: فريد ظفور.
بابلو بيكاسو..السريالي الإسباني
المراجع:
مجلة الكويت- عامش١٩٩٤م- ويكبيديا- مواقع تواصل
المعرض:
المصدر