الفنان البلجيكي الهاديء: رينيه ماجريت. إرهابي في عالم الفكر والتصورات.
رينيه ماجريت فنان بلجيكي
فنان مخرب للأساليب السائدة.. وفيلسوف في مجال الرسم.
كان دائم الاحتقار للمقاربات الفرويدية لفنه.
غطى على الدوام حياته الشخصية.. وهذا نادر في حياة الفنانين.
حياته الغرائبية:
مهما كانت الصورة الذهنية التي تمتلكها عن الفنان المثالي فإن صورة رينيه ماجريت لا تتطابق مع هذه الصورة،
إنه يشبه الرسام إلا قليلاً، وهو أكثر شبهاً بمدير جمعية عقارات في مدينة صغيرة منتظم في عاداته وملبسه.
عاش هذا الفنان في بروكسل معظم حياته الخالية من الأحداث
وفيها مات على فراشه عام ١٩٦٧ عن عمر يناهز الثامنة والستين
وبيته في بروكسل تقليدي بأثاثه القديم وسجاده الشرقي بانماطه الشائعة ولكن في هذا البيت نفسه عاش أحد رسامي القرن العشرين الملهمين.
معرض فني له:
وقد ضم المعرض الذي أقيم في السنة الماضية في لندن معظم لوحاته المهمة،
وكان المعرض الأول الذي يقام له منذ عام ١٩٦٩.
رسام بلا مرسم:
*لم يمتلك «ماجريت» مرسماً خاصا به بل كان يرسم في بيته ويباشر حياة عادية تبدأ بالتسوق صباحاً ثم ينتهي يومه بلعب . الشطرنج في المقهى.
(إلا أن هذه الحياة . العادية كانت تخفي تحتها فردا استثنائياً .
شأنه في ذلك شأن الجاسوس الذي يعتقد أن من الحكمة أن يلبس ويتصرف مثلما يلبس ويتصرف الأعداء الذين يعيش بينهم.
ولكن «ماجريت» لم يكن جاسوساً ولا مجرماً، بل كان مخرباً ليس لطرق السكك الحديدية،
بل لطرق الفن التجريدي إن أهدافه كانت أعظم أهمية من أهداف أي مؤسسة..
لقد كان إرهابيا في عالم الفكر والتصورات طبيعة لوحاته مضللة وغير مؤذية ظاهرياً،
ولكنها في الحقيقية مصممة لتدمير ثقتنا بما نعتقد أنه واقعي وتقويض علاقتنا غير المشكوك فيها بما يبدو لنا مألوفاً.
المفاجأة والتوقعات:
في كل لوحة من لوحاته يفاجئ «ماجريت» توقعاتنا فنشاهد رجلاً في البوية
ينظر إلى صورته في المرأة التي ترينا أيضاً مشهده من الخلف
وفي لوحة أخرى نشاهد زوجين من الأحذية يتحولان إلى قدمين عاريتين.
وفي لوحة بارزة نشاهد نافذة مزدوجة تطل على مشهد غيوم فوق بحر هادئ
كل شيء يبدو طبيعاً فيما عدا أن واحدة من النافذتين مفتوحة قليلاً
وتكشف لنا عن أن مشهد البحر مرسوم على الزجاج وما يمتد وراءها فراغ أسود.
الفراغ والغموض المرعب:
كل هذا حاضر في معظم لوحاته الشهيرة، ففي لوحة بعنوان «جواب غير متوقع
لا تستطيع تبين شكل غامض يظهر خلال شق في باب.
وفي لوحة «الشرط الإنساني نحس بالغموض الذي يجسده مشهد خلوي يقف وراءه شكل انساني.
كل هذا لا يبدو واقعياً.. ولكن ماهو الواقع؟
كل شكل في هذه اللوحات مجرد وهم وما الفراغ اللامحدود إلا أصباغ على قطعة قماش
ففوق ذراع غليون مرسوم بعناية يكتب الرسام بخط أنيق هذا ليس غليونا»
ويطلق على لوحته اسم «خيانة التصورات الصورة ليست غليوناً بالطبع أكثر مما هي صور الغيوم والنوافذ .
والتفاح والقبعات التي رسمها «ماجريت» فهي لا تتجاوز كونها صورا وإيهامات بصرية.
إنه فيلسوف وفنان مخرب:
إن هذا الفنان ليس مخرباً فقط بل هو فيلسوف في مجاله يقف في مستوى الفيلسوف فيتجتشتاين على صعيد الأفكار،
إلا أن من الواجب القول إنه رسام جميل أيضاً رغم اتهامه بأنه يرسم لوحات
لا تختلف إلا قليلاً عن لوحات «الملصقات» الكولاج – ولكن باستخدام الألوان .
صحيح أن رسومه المبكرة كانت تفتقر إلى المهارة الطبيعية بدون شك، إلا أنه عوض هذا النقص بسرعة
وأصبح استاذاً في السيطرة على موضوعاته شأن كبار الرسامين من أسلافه الفلمنكيين القدماء.
ورغم أن ملمس لوحاته لا يوحي بصفات خاصة إلا أنه يقصد هذا بالضبط
كما قال ذات يوم أحاول دائماً التأكيد على أن الرسم الحقيقي غير ملحوظ أي أن فعل الرسم يظل خفيا.
ولا تمتلك لوحات «ماجريت» خصائص واضحة ومباشرة إلا أنها مؤثرة لهذا السبب، فألوانه هادئة وغير ذاتية.
ولكن انسجامها وتوافقها مع بعضها البعض يبدو نادراً وغريباً وكذلك الأمر بالنسبة لتكويناته فهي تبدو غير فنية ورتيبة
إبداع صامت:
إلا أن معالجتها للحجوم وفضاء اللوحة تؤدي إلى إبداع صمت مجسد وغير مثير للأعصاب في داخل ما يبدو أن اللوحة مكرسة له.
ويصر «ماجريت على أن أي تصور من تصوراته لا يستهدف الإشارة إلى مغزى
وكان دائم الاحتقار للمقاربات الفرويدية لفنه فقد أحب أن يبدع أسراراً بطريقة بسيطة ..
أن يقرن بين تصورات متباينة وأن يتقاطع مع العلاقة المنطقية والمتوقعة بين السبب والنتيجة
بين هوية الشيء ووظيفته ليحدث عدم ارتياح ونفور.
لكنه سريالي مختلف :
ما يجعل مارجريت سرياليا مختلف بين المتنافرات. رغم أنه لم يتبع تقاليد السريالية
وشق طريقاً منفرداً. ولم يعرف اندريه بريتون عراب هذه المدرسة أين يضعه بالضبط.
فلم تكن له علاقة بالأسلوب الآلي في الرسم كما هو لدى ماسون» و «ميرو،
ولم يعرف الرمزية التي اشتهر بها «دالي» ولكنه أبدع
وكان فريداً في هذا نوعاً من التصور رغم سرياليته الواضحة،
لا يضم أجزاء غير ذات علاقة ببعضها البعض، بل أجزاء ذات عناصر مترابطة في قفص.
وفي لوحة تحمل عنوان «رؤيا» نشاهد «ماجريت» جالساً أمام حامل اللوحة
وإلى جانبه البيضة كموديل إلا أن ما يرسمه طائر في *00】حالة طيران.
الشيء الذي لم يقدمه «ماجريت» لأحد هو العلاقات بين فنه وحياته
فقد غطى بدأب على كل ما يدل على حياته الشخصية.
ولا تخبرنا الأشياء والمشاهد في لوحاته إلا بالقليل عن سيرته الذاتية، وهذا أمر نادر في الفن المعاصر.
ليس لدينا سوى اللوحات:
إن مالدينا هو اللوحات فقط. وهذا يمكن متابعة تطور أسلوبه فبعد تجارب في «التكعيبية» و«المستقبلية»
ظهرت سمات فنه الخاص حوالي عام ١٩٢٦ ومن ثم بدأ تقدمه طوال ٢٥ سنة حيث رسم أشهر لوحاته.
لحظتان محيرتان:
*وكانت هناك لحظتان محيرتان في حياته الأولى في عام ١٩٤٦م
عندما بدأ يعبث بالألوان الحارة وجبال اللحم البشري مقلداً رسوم رينال» المتأخرة
والثانية في عام ١٩٤٧م عندما بدأ يرسم ولمدة أسبوعين كما يرسم «الوحشيون» من مدرسة باريس،
واعتبر أحد أصدقائه ما يفعله كارثة على فنه. إلا أن هذه اللوحات لم تكن كما تبدو عليه،
فقد بدأ يرسمها بعد مجيئه إلى باريس حيث بدأ يعمل بسرعة
لإقامة معرض وقد أغاظت لوحاته هذه الكثيرين وأبدوا استخفافهم به.
رحلة النهاية:
إلا أن هذا البلجيكي بارد المزاج سرعان ما عاد إلى لعبته القديمة وإلى أسلوبه المألوف
فبدأ يرسم ما لا يتوقعه المشاهد بثقة أعلى بالنفس هذه المرة
وبدأ يعرض في اللوحة بعد اللوحة ما استطاع القليلون إدراكه أنذاك،
وهو أن «ماجريت بسبب قوة مخيلته التي تحفر طريقها إلى الذهن
وتغير الطريقة التي نفكر بها وتجعلنا نفهم الواقع بشكل جديد كان أحد أكبر ممثلي العصر بين الفنانين.
معرض الصور:
الفنان البلجيكي الهاديء: رينيه ماجريت. إرهابي في عالم الفكر والتصورات.
*********
المصدر