المصدر ضوء العراق الفنان انور الدرويش
في شوارع مدينة الموصل . حيث تتداخل أصوات الحياة المختلفة .
عاش سيد عمر .
لم يكن اسمه مجرد للنداء . بل كان عنوانا لمعاناة عميقة ، ورمزا لصراع يومي خاضه ضد قسوة الحياة وظلم الأيام وقهرها . كان سيد عمر مصورا متجولا . لكن عدسته لم تكن تلتقط الصور فقط . بل كانت شاهدا صامتا على حياته البائسة . وقصته المؤلمة مع الفقر والعوز .
لم يعرف السيد عمر ترف العيش . نشأ في كنف الفقر الذي طبع روحه بجراحات لا تندمل . وزرع في قلبه غصة لم تفارقه قط . لم تكن حياته سوى مجموعة من اللحظات الشحيحة التي يطاردها الجوع والفقر . استنزف سنين عمره في مطاردة لقمة العيش . لم يملك رفاهية التعليم . أو فرصة الانطلاق في دروب الحياة كما يفعل الأخرون . بدلا من ذلك . تعلم دروس الحياة القاسية في مدرسة الشارع . حيث المعلم هو الحاجة . والمنهج هو البقاء .
وكلما تقدم في العمر . ازدادت وطأة الفقر عليه . لم يكن وحيدا في هذا الكفاح . بل كان يحمل على عاتقه مسؤولية عائلة قد تكون ضاقت بها سبل العيش أيضا . ومع الشيخوخة . زحفت الأمراض إلى جسده النحيل . وأصبح السير صعبا، والألم رفيقًا دائما . اضطر إلى الاستعانة بعكازين . لم يكونا مجرد وسيلة للمشي . بل أصبحا جزءا من مظهره الذي يصرخ بحجم معاناته . ومع ذلك . لم يعرف الاستسلام طريقًا إلى قلبه . كان الشغف بالتصوير . والضرورة الملحة لكسب قوت يومه . هي الوقود الذي يحركه كل صباح .
كاميرته العتيقة . التي ربما عاصرت أجيالا من المصورين . كانت هي سلاحه الوحيد في معركته ضد الفقر . كانت عدستها صدئة . لكنها حادة النظر . تلتقط صورا للناس والوجوه والأماكن . على أمل أن يترزق منها ليسد رمق جوعه وجوع عائلته . كل ضغطة زر لم تكن مجرد التقاط لصورة . بل كانت دعاء صامتا، ورجاء خفيا بأن يمن الله عليه بزبون يلتقط من خلال كامرته صوره . كان يقف لساعات طوال . تحت أشعة الشمس الحارقة صيفا . وفي برد الشتاء القارس . لا يبرح مكانه إلا حين يشتد عليه الألم . أو حين ييأس من الحصول على أي مبلغ .
كانت نظرات الناس تمر عليه أحيانا بلا مبالاة . وأحيانا أخرى بشفقة لم يكن يتقبلها فقد كانت كرامته أثمن عنده من أي شيء آخر . كان يريد أن يكسب قوته بعرق جبينه . بمهنته التي أحبها . كانت تجاعيد وجهه تحكي ألف حكاية من الفقر والحرمان . وعيناه الغائرتان كما لو انها كانتا تخفيان بحرا من الدموع
لم يكن سيد عمر يحلم بالثراء . أو بالرفاهية التي لم يعرفها قط . كل ما كان يتمناه هو أن يتمكن من توفير لقمة العيش لأسرته . وأن يجد مأوى يحميهم من قسوة الزمان، وأن ينام في نهاية اليوم دون أن يقض مضجعه التفكير في الغد المجهول . كانت حياته سلسلة لا تنتهي من المقاومة . من محاولة البقاء في عالم قاس لا يرحم الضعفاء .
لقد رحل سيد عمر بصمت . تاركا خلفه عكازيه وكاميرته . يبقى أثره أعمق من مجرد صور . تبقى قصته شهادة على كفاح لا يصدق . وعلى إنسانية صمدت في وجه أعتى الظروف . إنه يذكرنا بأن الفقر ليس اختيارا . وأن العوز يدفع بالبعض إلى أقصى حدود الصبر والمثابرة . سلاما على روح المرحوم سيد عمر وامثاله ممن يصارعون الفقر في كل زاوية من زوايا هذا العالم .
خاتمة إيليت فوتو آرت:
هكذا صوّر الفنان أنور الدرويش حكاية من حكايات الحزن العراقية ولكن هذه المرة بقلمه الذي استشعر قصة سيد عمر وكاميرته ليبرز ثلاثية الحزن سيد عمر وكاميرا رفيقة الأحزان وبلد المقامات الحزينة عسى ذلك أن يكون اظهارا لهوية الحزن ليرحل بماضيه ويحل مكانه فرح يليق بالصابرين أمثال سيد عمر وببلدنا الحبيب العراق🇮🇶
أستاذ أنور شكرا من القلب ❤️
رحمة الله عليك سيد عمر مثال الصبر وعزة النفس


