شيخ المؤرخين العرب ( ابن زائدة ) الدكتور: نقولا زيادة.الفلسطيني السوري الراحل.

Fareed Zaffour
ابن زائدة شيخ المؤرخين
نقولا زيادة

الفلسطيني السوري الراحل
الدكتور نقولا زيادة
شيخ المؤرخين العرب
مواليد عام:1907م-2006م

في السابع والعشرين من تموز (يوليو) عام 2006م
عندما كانت المدفعية الصهيونية تحرق الحجر والشجر والبشر في قرى وبلدات الجنوب اللبناني، والطائرات (الإسرائيلية) تغتال العمارات الآهلة بالسكان في الضاحية الجنوبية من بيروت .. غيب الموت المؤرخ الفلسطيني اللبناني السوري (الدكتور نقولا عبدو عبد الله زيادة)، الذي كان الأديب الراحل (ظافر القاسمي) يطلق عليه تحبباً لقب (ابن زائدة)- نسبة إلى (معن بن زائدة)- لعلمه وتواضعه ورجاحة صدره- مات شيخ المؤرخين العرب في منزله في بيروت عن عمر 99عاماً- فهو من مواليد كانون الأول (ديسمبر) عام 1907، ووري الراحل الكبير الثرى بصمت لا يليق بقامته الشامخه.

والدكتور نقولا زيادة ولد في حي باب مصلى بدمشق لأبوين فلسطينيين جاءا من مدينة الناصرة بفلسطين، واستقر بهما النوى في دمشق الشام.
وقضى نقولا زيادة طفولته في دمشق، وهي طفولة معذبة، فعندما كان في الثامنة من عمره تم تجنيد والده في (حرب السفر برلك)- الحرب العالمية الأولى- وتقرر نقل المجندين إلى السويس حتى قبل أن يتلقوا التدريبات الضرورية، وتم تجميع العسكر في التكايا والأديرة والجوامع وأطلقوا عليهم اسم (السوقيات)، أي أولئك الذين سيتم سوقهم إلى الموت بنيران المدفعية البريطانية على ضفة السويس.
ويروي الدكتور نقولا زيادة نتفاً من الذكريات المحفوظة عن تلك المرحلة:
“في يوم من الأيام أخبروا أمي بمرض والدي ونقله إلى المستشفى، لم يقولوا لها أي مستشفى ولا وضعه الصحي، وبات علينا أن نفتش عليه، وكنا أنا وأمي نتناوب عملية التفتيش، تذهب أمي وأبقى أنا مع أخي الصغير، وفي اليوم التالي أقوم أنا بالتفتيش. وكنت أنا في سن الثامنة ومع ذلك فقد زرت كل المستشفيات التي كانت تحت الإدارة العسكرية العثمانية.
وفي يوم من الأيام كان دور أمي بالتفتيش، ولما رجعت إلى البيت كانت تحمل كيساً لم أعرف محتوياته، وقالت لي ثلاث كلمات فقط: نقولا، أبوك مات!! وعرفت أن ثيابه ومقتنياته البسيطة كانت في الكيس الذي جلبته معها.
-مات (عبدو عبدالله زيادة) قبل أن يصل إلى جهة السويس، أصيب بمرض من الأمراض التي تفشت بين (السويقات)، وأدخل المستشفى، وتم التثبت من موته في المستشفى-.
المهم أن أمي نادتني وفتقت الفرشة وأخرجت منها شقفة قماش ملفوف فيها ليرة عصملية ذهب وقالت لي: نقولا، هذا كل ما معنا …
وأدركت يومها معنى كلمة (هذا كل ما معنا)، أدركت أهميتها وصعوبتها أكثر من إدراكي لموت والدي!!
وإذا كنت قد خفت من الموت، فإنني خفت أكثر من الفقر، الموت موت، لكن الفقر أنت لا تعرف حالك وكيف بدك تعيش.
كنت أرى أمي تشتغل وتتعب حتى تعيّْشنا، وكان علي أن أجتهد في مدرستي لكي أنجح واشتغل وأعيل أمي وأخويّ الاثنين ..”
قضى نقولا زيادة طفولته في دمشق الشام، وصباه وشبابه في فلسطين، وبسبب الظروف المادية القاسية اختار أن يكمل دراسته في دار المعلمين الابتدائية في مدينة القدس بدلاً من الالتحاق بالجامعة الأميركية أو غيرها، فالدراسة في دار المعلمين تنتهي في 3 سنوات، يتم تعيينه بعدها في سلك التعليم ويقبض الراتب في آخر الشهر، وبالتالي يستطيع إعالة أمه وأخويه.
ويروي الدكتور نقولا زيادة ذكرياته عن موقف جمعه مع أمه قبل التحاقه بدار المعلمين:”قبل ما أدخل دار المعلمين بعدما نجحت بالامتحان، كنا بزيارة عند جيران إلنا، ونحن راجعين وقبل ما ندخل البيت، وقفت أمي وقالت لي: نقولا، أنا بشتغل حتى أعيشك أنت وأخوتك، رح ابعتلك كل شهر مائة قرش (جنيه واحد) مصروف إلك، ما إلك حق تدخن من اللي أنا بتعب فيه، لما تحصّل مصرياتك دخّن”، وما دخنت حتى صار عمري 32 سنة …
وتخرج نقولا زيادة من دار المعلمين في مدينة القدس عام 1924 انخرط بعدها في سلك التعليم، وتنقل بين مدارس: ترشيحا وعكا الثانوية والكلية العربية في القدس، كما علم في بعض مدارس دمشق، لكن حلم الالتحاق بالجامعة ظل يلح عليه.
يقول عن ذلك:”بعد إحدى عشرة سنة من تخرجي من دار المعلمين في القدس صحلي الالتحاق بالجامعة، كان إخوتي الاثنين صاروا يشتغلوا، دبروا حالهم، فذهبت إلى بريطانيا للالتحاق بجامعة لندن”.
ومن جامعة لندن حصل على بكالوريس في التاريخ، وأيضاً على دكتوراه في التاريخ الإسلامي، وتخرج عام 1950 ليعمل بعدها أستاذاً للتاريخ العربي في الجامعة الأمريكية في بيروت، والجامعة الأردنية وجامعة القديس يوسف في بيروت، كما اشتغل مشرفاً على رسائل الدكتوراه في التاريخ العربي بين عامي 1973 و 1987.
ولم تشر الدراسات التي تناولت نشأة الدكتور زيادة إلى وجود قرابة عائلية بينه وبين الأديبة المعروفة (ماري زيادة) التي اشتهرت باسم (مي زيادة)، والتي ولدت في مدينة الناصرة بفلسطين عام 1886 لأب لبناني اسمه (الياس زخور زيادة) وأم سورية الأصل فلسطينية المولد.
والمعروف أن (مي زيادة) تلقت دراستها الابتدائية في الناصرة- مسقط رأس والدي نقولا زيادة- والثانوية في عينطورة بلبنان، وانتقلت عام 1907- وهي السنة التي ولد فيها نقولا زيادة- للإقامة في القاهرة مع أسرتها.
ومن عجيب المصادفات التي استوقفتني في سيرة الأديبة والمؤرخ، أن (مي زيادة) كانت تتقن العربية والفرنسية والإنكليزية والألمانية والإسبانية والإيطالية، ومثلها كان الدكتور نقولا زيادة يتقن العربية والإنكليزية واليونانية واللاتينية والألمانية.
في مطلع شبابه كتب نقولا زيادة العديد من المقالات، ونشر أعماله الأولى في الصحف والمجلات السورية آنذاك، وصدر له عام 1943 أول كتاب بعنوان (رواد الشرق العربي في العصور الوسطى)، وتتابعت بعدها دراساته الموسوعية التاريخية حتى وصلت إلى نحو أربعين كتاباً بالعربية وستة كتب بالإنكليزية.
ومن أبرز كتبه: وثبة العرب- العالم القديم في جزئين- صور من التاريخ العربي- شخصيات عربية تاريخية- صور أوروبية- عالم العصور الوسطى في أوروبا- قمم من الفكر العربي الإسلامي- أيامي- المسيحية والعرب- مشرقيات.
لم ينخرط الدكتور نقولا زيادة في أحزاب أو تنظيمات سياسية كما فعل العديد من الفلسطينيين ولم يسمح للسياسة أن تشغله عن حياته الفكرية والثقافية والتربوية، وإن كان لم يغفل عن تدوين أخبار رجال السياسة والفكر والأدب والتربية …
في مذكراته التي صدرت تحت عنوان (أيامي .. سيرة ذاتية) التي صدرت عام 1992- حين كان عمره 85 سنة- أخذ عليه بعض الدارسين أنه لم يؤرخ للقضية الفلسطينية وهو الفلسطيني الناصري –نسبة إلى الناصرة- وهو قال عن هذه المذكرات في مقابلة صحافية في نيسان عام 2003:” لم أجرب أن أكتب مأساتي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية بالذات، الذي ذكرته في كتابي وتحدثت عنه وكتبته في سوى ذلك، كان محاولة لتوضيح المأساة العامة .. مأساة الشعب الفلسطيني وفلسطين بالكامل، لكن أنا لم أكتب تاريخاً لهذه الفترة، ولا أدري لماذا تجنبت ذلك؟ إن كان عمداً أو مجرد اشتغالي بشيء آخر، يعني أنا لم أؤرخ للقضية الفلسطينية، مثلاً لمحات منها أن الزعماء الفلسطينيين وجميع الزعماء العرب لم يفهموا تماماً معنى (وعد بلفور) بوطن قومي لليهود في فلسطين على أن لا يؤذي هذا الطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين .. لما أُعطي هذا (الوعد) كان عدد اليهود في فلسطين لا يتجاوز خمسة أو ستة بالمائة .. يقول الوعد عن الـ 95 بالمائة (أن لا تتأذى من هذا الأمر)، يعني الفكرة من الأول فيها شيء، هذه واحدة، الشيء الثاني حاييم وايزمن أول رئيس لـ (دولة إسرائيل) كان أستاذاً في جامعات لندن، كان كيماوياً، وهو أعلن في سنة 1921 في إنكلترا أن فلسطين ستصبح يهودية كما هي بريطانيا بريطانية، يعني الغاية من الأصل كانت ليست مجرد (زاوية) أو (قرنة). الغاية كانت (فلسطين لليهود)، هذه لم يفهمها الزعماء الفلسطينيون والعرب، لذلك الوفد العربي الفلسطيني الأول الذي ذهب إلى إنكلترا سنة 1921، جرّب أن يطلب من الحكومة أن تلغي (وعد بلفور)، ما أدركوا أهمية وعد بلفور!!
الشيء الثاني فيما تقدم من الزمن، كان هم الزعماء أن يكونوا زعماء، وبعدين بيهتموا بالقضية .. فيه فرق بين أن تكون القضية هي الأساس عندك والزعامة تأتي على طريق القضية، لكن كانت القضية تأتي عن طريق الزعامة … يمكن يكون هذا السبب ما خلاني أكتب تاريخ القضية الفلسطينية)).
رحل الدكتور نقولا زيادة من دون أن يؤرخ للقضية الفلسطينية، وليته فعل
المصدر: مؤسسة فلسطين للثقافة.

أخر المقالات

منكم وإليكم