معرض ذاكرة في جدة للفنان التشكيلي السعودي :عبدالرحمن المغربي.- تقديم: د. عصام عسيري.

ذاكرة الحياة: إبحار في الهوية البصرية

د. عصام عسيري

يشهد المشهد التشكيلي السعودي حراكًا فنيًا متجددًا، تتألق فيه التجارب الأصيلة التي تستمد جذورها من التراث والبيئة المحلية. وفي هذا السياق، افتتح مؤخرًا المعرض الشخصي التاسع للفنان التشكيلي السعودي عبدالرحمن المغربي، تحت عنوان “ذاكرة”، في أتيليه جدة للفنون الجميلة. ويُعد هذا المعرض محطة مهمة في مسيرة فنان كرس فنه لاختزال مفردات المكان وتكثيف دلالاته.

نبذة عن سيرة الفنان:
عبدالرحمن المغربي هو فنان تشكيلي سعودي من مواليد جدة ١٩٧٠م، ويُعد من الفنانين الذين أثروا الحركة التشكيلية في المملكة من خلال عشرات المشاركات الجماعية المحلية والعربية وتنظيم المعارض التعليمية والثقافية.

المسيرة الأكاديمية والفنية: بدأ شغفه بالفن مبكرًا وانخرط فيه منذ منتصف التسعينات، حيث التحق بمرسم الأستاذ عبدالله نووي في النادي الأهلي بجدة ثم في مراسم الرضوي والصبان وتأثر بتجارب كبار الفنانين، وكانت تلك بمثابة انطلاقته الحقيقية في الفن التشكيلي، حيث تعرف على التيارات الفنية المختلفة.
تابع دراسته العليا وحصل على درجة الماجستير، وتخصص في موضوع النقد والتذوق الفني مع بداية الألفينات.

الأسلوب والمنهج: تُعرف تجربته بالارتكاز على المخزون الذاتي والإنساني والتراث الفني الأصيل لجيل الرواد والمؤثرين، حيث يعبر عن أحداث وذكريات مختزنة، ويُطلق على أعماله في هذا الإطار مسمى “ذاكرة الجدار”.

الجوائز والتكريمات: حصد المغربي العديد من الجوائز المحلية والدولية، منها:
الجائزة الأولى في سوق عكاظ (2013).
جائزة المركز الثاني في مسابقة القصبي الدولية (2015).
وغيرها من الجوائز في ملتقيات فنية كـ “جسفت” وجهات ثقافية مرموقة.

الإسهامات: شارك في العديد من المعارض المحلية والدولية في جدة، الرياض، والشرقية، والقاهرة (دار الأوبرا المصرية)، وتونس، وغيرها.
يصف الناقد الفني د. مصطفى يحيى، عميد أكاديمية الفنون بالقاهرة، أسلوب المغربي بأنه “يستدعي الأسطورة المؤطرة للحضارات بالمملكة العربية السعودية.. ولكن بلغة تشكيلية راقية، فنراه ينجح في استكشاف شفرة ذاتية توصل لأسلوبه التشكيلي مستخدماً مفردات أسطورية كأبجدية للغته الفنية”.

تحليل الأعمال المعروضة ومفهوم اختزال البيئة والتراث البصري
يقدم المعرض تجارب جديدة، تمثل امتدادًا وتطويرًا لأسلوب المغربي المتميز الذي يعتمد على التبسيط والاختزال في تناول مفردات البيئة والتراث البصري الجمعي. وتتميز الأعمال في معرض “ذاكرة” بعدة سمات:

اختزال البيئة والتراث البصري: يُجيد الفنان المغربي عملية تكثيف الدلالات البصرية للعناصر المحلية. فنرى في لوحاته (كما في الصور المرفقة) اختزالاً للمباني الطينية أو الحجرية القديمة في أشكال هندسية بسيطة ومربعات ومستطيلات، أو اختزالاً للنباتات وأشجار النخيل في تجمعات خطية وكتل لونية ذات تداخلات ملمسية. هذه الأشكال المُختزلة تتجاوز التجسيد المباشر لتصبح رموزًا بصرية تحمل ذاكرة المكان وتبرز أسلوب الفنان.

القيم التشكيلية للخامة والملمس: يشغل المغربي نفسه كثيرًا بـ الخامة كـ “وسيط مادي” له دلالاته. تتراوح القيمة الملمسية في أعماله بين الخشونة والنعومة، ويستخدم تقنية النتوءات والتركيبات المختلفة التي تثري السطح التصويري وتمنحه طاقة تعبيرية وحسية عالية، تذكرنا بـ جدار الكهوف أو الجداريات القديمة التي تحمل بصمات الزمن والإنسان.

التركيز على العناصر الرمزية: تتكرر في لوحاته عناصر رمزية مثل:
الكائنات المُختزلة: تظهر في بعض الأعمال أشكال لكائنات أقرب إلى الطيور أو الحيوانات ذات الطابع الأسطوري أو البدائي، مُعاد صياغتها بأسلوب يمزج بين التجريد والرمزية.
الكتل النخيلية: يتم التعامل مع سعف النخيل أو تجمعات النباتات كرمز للحياة والعطاء، وتُشكل تجمعات ذات إيقاع بصري لافت.

التراث العمراني القديم: تظهر على شكل كتل لونية وهندسية، تختزل البيوت الطينية والعمارة العربية أو الحجازية القديمة، ناقلةً روح البناء التقليدي.

اللوحة كمخزون للذاكرة: المعرض هو محاولة لترجمة “ذاكرة الحياة”، حيث يرى الفنان الإنسان والبيئة كمدخل مكاني يحمل دلالات فلسفية عميقة، فهو يسجل بصمات الإنسان والزمن، ويصبح سطح اللوحة هو هذا الجدار الذي تختزن فيه التفاصيل والذكريات الجميلة، محققًا بذلك رابطًا قويًا بين الماضي والحاضر.

ختامًا: يُعد معرض “ذاكرة” للفنان عبدالرحمن المغربي احتفاءً بـ هوية بصرية وطنية مُتأصلة، وبراعة في تطويع الخامة للوصول إلى لغة فنية معاصرة ذات عمق ثقافي، تدعو المتلقي إلى التفاعل مع الاستبصار الجمالي لخصائص الزمان والمكان.

يستمر المعرض لمدة أسبوعين
🌹💐🌹💐

أخر المقالات

منكم وإليكم