*منارة الفن جلال المسري. عدسته تروي الحكاية وشغفه يوثيق التراث والإنسان بمصر – إعداد: فريد إبراهيم ظفور

*منارة الفن جلال المسري

*إعداد: فريد إبراهيم ظفور

في البدء كانت الكلمة..

للمصور المصري جلال المسري.. بضع بوابات ومدارس وانماط وشخصيات. وآيات ، بابٌ لِلْقاهرة مُشْرِعٌ مِصْرَاعَيْهِ ،

عُرست الحضارات في السماء المعرفية الثقافية لتصبح نبتة في الأرض ، زغرودة في المساء.. انحناءة ملائكة الرحمة و المحبة بالصباح.

حين تزف إليك بشرى الانتصار والفوز وتكتب عنك الصحف والموقع.. ها نحنُ عُدنا لنبارك لك ، وإنّا لمجدك لمتابعين.

لن ننسى إشراق الشمس الفوتوغرافية في وجهك ، لن ننسى ثغرك باسم القسمات بتلك الشهادات والمراتب التي زينت صدرَ أُمِّ الدنيا مصر وأنت ابنها المقدام..يَجوبُ شراعك الفوتوغرافي يا عاشق الضوء..

مَحَطَّاتِ وَجدك غريبة..هاربة، شاردتاً في زمن لا وقت فيه للتوقف.

الصداقة الفوتوغرافية، رابطة محبة، وتعاون بين المصورين لا يمكن لأحد أن يعيش دونها، أو ينكر حاجتنا إليها في بناء المجتمع الضوئي السعيد الفاضل.

والصداقة الحق… ائتلاف فني بين روحين وانسجام عاطفتين، وتشاكل طبعين، ونقاء ضميرين، التقيا في حب الخير والحق والجمال، وتلاقي وجدين في دروب الألفة، نور يلقيه قلب الصديق المحب المتعاون على صديقه، فيبدّد الظلمة، ويهتك أستار الغباشة و الغباوة ويمزقها، كما يغشى النفوس من حُجب تحول بينها، وبين خير الآخرين بمجتمع التصوير، وتمنحها حسن التصرّف وطيب المعاملة الإنسانية في مختلف الحالات والأحوال.

تولد في قلب الإنسان المبدع الوفي وتترعرع، وتجتمع إليها مواد من الحرص كلما قويت، ازداد صاحبها إخلاصاً ووفاءً، فتضيء سبل الحق، إذا ما زاغـت الأبصار، وتاهت العقول في مفاوز الدسائس والدعاوى الفارغة.

إحباط كل ما يدور في فلكنا. جماد كل ماهو حولنا،  وكُلّ ما بنا من جماد، يَا للْهَوْلْ .. الوجود حولنا بلا قيمة ، الزهور حولنا بلا عبير،

فالزَّيْفُ في كل مكان، يا لهذا الإحباط..الذي داهمنا جيشه ، ونحن نواجه ما فَعَلْه بنا. عبر مواقع التواصل الإجتماعي. والعصر الرقمي.

ورغم كل التحديات  واللايكات والكومينتات المزيفة والتعتيم والمنغصات.يظل المصور الأصيل يثبت تواجده بالمحافل الدولية.وكثيرة هي المشاعر التي تغذي انتصاره ، وَجَمَّةٌ هي الأحاسيس المعرفية التكوينية التي تُثبتُ صُمودَهُ ، وإيمانه …

فلم تستطع الإرهاصات الرقمية السلبية ، مهما طغت وتَوَّحَشت أن تنال من صمود الأم مصر وابنائها الفوتوغرافيين.

فالنصر الفوتوغرافي قادم مع أوَّلِ شمس ،ومعَ آخِرِ شَمْسِ ،

ولو لم تغب شمس في الدُّنْيا ، سيجيءُ نَصْرٌ خَلفَ كُلِّ شَمْسَ..

بفضل سواعد وعيون أبنائها المصورين في مصر.

متى اللقاء ياصديقي…هأنذا…أحمل كأس خمر تفوقك الفوتوغرافي ، كما الصوفي العاشق للضوء ، أرى النرجس والزنبق يتشاجران لأجلك ، يحلمان بلقاءك. كملاك.لتغرز الآهات التكوينية والتشكيلية رحيقاً ،فوق الموجة الضوئية وتطير مناجياً ،

حبيبتك الكاميرا.. التي تشتاق إلى حركة الديافراجم المتآلفة مع

تكتكات فتحات العدسة.لترفع نخب الأقداح الضوئية..

فمتى ايها المتألق .. متى يحين اللقاء..لنرسم ونعزف معا أبجدية الضوء والظل واللون .واجمل المقطوعات الضوئية على سلم التدرجات الرمادية والالوان الطيفية السبعة.

(مقدمة):

في كل لقطة من لقطاته، لا تكتفي العدسة بالتقاط الضوء والألوان، بل تختزل زمنًا ( الزمكان )، وتحكي حكاية، وتخلد ذكرى. هي عدسة انشغلت بجوهر الأشياء، ببساطة الإنسان وعظمة التاريخ المصري، بعراقة الحجر وندوبة الشجر و الخشب، بتفاصيل الحياة التي قد تمر مرور الكرام أمام أعيننا. إنها عدسة المصور والمهندس جلال المسري، الذي لم يكن مجرد شخص يلتقط الصور، بل كان مؤرخًا بصريًا، وشاهدًا على تحولات مصر عبر النصف الثاني من القرن العشرين.

جمع المسري ببراعة نادرة بين دقة عقل المهندس المنظم وروحانية عين الفنان المرهفة. جاء من خلفية هندسية منظمة، لكن شغفه بالتعبير البصري قاده ليجعل من التصوير الفوتوغرافي لغته الأم في الحوار مع العالم. لقد فهم أن الكاميرا أداة للمعرفة قبل أن تكون أداة للتجميل، فانطلق يوثق بلا كلل، محولاً حياته إلى أرشيف ضخم وشامل، أصبح اليوم كنزًا مرئيًا لا يُقدّر بثمن.

نبذة تعريفية:

جلال المسري هو مصور فوتوغرافي محترف ومهندس إنشائي مصري. يجمع في شخصيته بين الدقة الهندسية والعين الفنية، مما جعله أحد أبرز المصورين المتخصصين في التصوير المعماري وتصوير الحياة الصامتة (Still Life) في مصر والوطن العربي. اشتهر بتوثيقه للتراث المعماري المصري، بطريقة فنية تبرز جمال التفاصيل والعمارة الإسلامية والقديمة. وخاصة قاهرة المعز التاريخية.

البدايات.. المهندس الذي سكنه الفن:

وُلد جلال المسري في مصر، وتحديدًا في الإسكندرية (حسب بعض الروايات)، لتنشأ فيه منذ الصغر عينٌ تلتقط الجمال في التفاصيل اليومية. درس الهندسة، وهو المجال الذي منحه منهجية التفكير والدقة، وعمِل مهندسًا ميكانيكيًا. كانت هذه المهنة هي مصدر رزقه وميدانه العملي الأول، حيث ساهم في تصميم والإشراف على العديد من المنشآت الصناعية في مصر والوطن العربي. إلا أن هذه المهنة لم تكن لتروي ظمأ روحه الفنية.

في منتصف حياته، تقريبًا في عقد السبعينيات، تحول شغفه بالتصوير من هواية إلى رسالة. لم يعد يكتفي بالتقاط الصور العائلية أو المناظر الخلابة، بل أدرك أن لديه مسؤولية تجاه تراب بلده وتاريخه. حمل كamerته وانطلق إلى شوارع القاهرة القديمة، وأحياء الإسكندرية، وريف مصر النائي، وواحاتها النائمة، ليواجه زحف العصرنة والنسيان بسلاحه الوحيد: العدسة.

الرؤية الفنية.. توثيق الجوهر قبل المظهر:

اتسم أسلوب  المتألق جلال المسري بالواقعية الصادقة والعميقة. لم يسعَ لتجميل الواقع أو تزويقه، بل سعى لإختراق سطح الأشياء ولتوثيق روحها. اهتم بشكل لافت بـ:

1. العمارة والتراث: وثّق تفاصيل العمارة الإسلامية والقبطية في القاهرة، مسجلاً الزخارف، والقباب، والأبواب المطعمة، والمشربيات، قبل أن تطالها أيدي الإهمال أو الترميم غير المدروس. كل صورة من هذه الصور هي وثيقة معمارية تاريخية.

2. الحرف اليدوية المندثرة: انغمس في عالم الصناعات التقليدية، مصورًا الحرفيين وهم ينفخون الزجاج، وينسجون السجاد، ويطرقون النحاس، محولاً لحظات العمل هذه إلى لوحات فنية تخلد حرفًا على وشك الاختفاء.

3. الإنسان في محيطه: ركّز على التقاط portraits عفوية للناس في بيئتهم الطبيعية: البائع، الفلاح، الصبي، الشيخ. وجوه تحكي قصصًا من الحياة اليومية بنصبها وأفراحها البسيطة.

4. المناظر الطبيعية والواحات: سجل جمال الطبيعة المصرية بتنوعها النادر، من صحراء الواحات الخلابة إلى خضرة الوجة البحري، مظهرًا التفاعل الإنساني الفريد مع هذه البيئات.

* الإرث والأرشيف ..ذاكرة مصر المصورة:

ما يميز مشروع جلال المسري هو ضخامته وتنوعه واستمراريته. لقد كرّس عقودًا من حياته لبناء أرشيف ضخم يضم مئات الآلاف من الصور، تغطي كل زاوية من زوايا مصر. هذا الأرشيف ليس مجرد مجموعة صور، بل هو:

· مرجع بصري للباحثين في مجالات التاريخ الاجتماعي، والعمران، والأنثروبولوجيا.

· مصدر إلهام للفنانين التشكيليين والمصورين المعاصرين.

· ذاكرة جماعية للأجيال الجديدة لترى كيف كانت مصر، وكيف عاش آباؤهم وأجدادهم.

· شهادة على تحولات المجتمع والبيئة المصرية عبر أكثر من أربعين عامًا.

على الرغم من ثراء إنتاجه، كان المسري متواضعًا، ولم يسعَ للشهرة الواسعة، مما جعله “كنزًا مخفيًا” في نظر الكثيرين. ومع ذلك، فقد حظي بتقدير المختصين والمهتمين بالتراث، ونُشرت له مجموعات من الصور، وقُدمت أعماله بمعارض عدة. علاوة على الدروس والورش التي ساهم بها لنشر ثقافة الصورة،ولا يفوتنا دوره ال،ياضي في لجان تحكيم المسابقات المحلية والعربية والعالمية.

خاتمة أدبية وفنية:

لعل تجربة جلال المسري تمثل دليلًا حيًّا على أنّ الفن لا يعرف عمرًا للبدايات، وأن الشغف حين يشتعل قادر على تعويض ما فات. فقد أثبت أنّ الكاميرا لا تقاس بزمن امتلاكها، بل بما تلتقطه من رؤى وما تنبض به من روح. وفي عالمٍ يزدحم بالصور العابرة، يظل المسري نموذجًا للمصور الذي يوازن بين الصنعة والمتعة، بين دقة المهندس وخيال الفنان، ليترك في النهاية بصمة شخصية تليق بذاكرة الفوتوغرافيا العربية المعاصرة.

إنه حارس للحظة، وصانع لمسار مختلف، وأيقونة مصرية تُضيء المشهد الفوتوغرافي بلغة صافية وحسٍ إنساني رفيع.

ترك المبدع جلال المسري ، خلفه إرثًا لا يموت. عدسته، التي كانت شاهدة صامتة، أصبحت الآن ناطقة، تروي للأبد قصة مكان وفنان وإنسان في حقبة من الزمن. لم يختر الشهرة الصاخبة، بل اختار الصمت المُنتج، والوجود العميق في تفاصيل الحياة المصرية.

كان جلال المسري مهندسًا للذكريات، ومصورًا للروح، وحارسًا للجمال الخافت في تفاصبل وطن. لقد نجح،

في كل مرة ننظر فيها إلى واحدة من صوره، لا نرى مجرد لحظة متجمدة، بل نرى حبًا عميقًا استثمر في توثيق الجمال الخفي، والقصص غير المروية، والذاكرة الهاربة.

وبمهارة الفنان وصبر المؤرخ، في تحويل اللحظة العابرة إلى أبدية، مخلّدًا اسمه ليس كمصور فحسب، بل كأحد أبرز حراس الذاكرة البصرية لمصر في القرن العشرين.

*******

معرض الصور:

**********************

المراجع والمصادر:

مواقع إجتماعية- فيس بوك

fotoartbook

elitephotoart

اترك تعليقاً