“بلودان الكبير”… قصة فندق سوري شهد أولى القمم العربية
——————————————————
يقودك ما تغنى به الشاعر السوري نزار قباني :
“أنا الدمشقي لو شرحتم جسدي لسال منه عناقيد وتفاح”
إلى أماكن ساحرة بما تخفيه مدينة ظلت تكنى بياسمينها، بينما بيوتها العتيقة أشبه بـ”قارورة عطر”، ومنها إلى الغوطة والسهول والجبال المكتنزة بطعم آخر للجمال وريفها الأخاذ، وصولاً إلى مكان يعد ثاني أعلى قمة من قمم الجبال في سوريا، إنها (بلودان).
ولا يمكن الحديث عن مصيف بلودان دون ذكر فندقها الكبير الذي بُني في أجمل منطقة في بلودان على رابية ترتفع عن سطح البحر بحوالي 1500 متر تطل على سهل الزبداني بمناظر خلابة وطبيعة ساحرة،
وتدين بلودان للوزير توفيق جبران شامية (وهو ابن عائلة دمشقية شهيرة وكانت تتخذ من بلودان مصيفا كبقية العائلات المسيحية الوجيهة) بالفضل لبناء الفندق فهو صاحب فكرة بنائه، وشامية هو شخصية سياسية وإدارية ممتازة، وهو صاحب الفكرة الأولى في إنشاء فندق بلودان وصاحب اليد الطولى في وضع هذا الفكرة في حيز العمل والتنفيذ وذلك عام 1930. وقد أنفقت الدولة على بناء الفندق حينها (50) ألفاً من الليرات الذهبية، وتبلغ مساحته 70 ألف متر، ويشتهر الفندق بصالة المؤتمرات، التي عقدت فيها عدة مؤتمرات عربية هامة، ويضم الفندق 71 غرفة وجناحاً و4 أجنحة رئاسية، كما يضم الفندق عدداً من الصالات والقاعات للمؤتمرات والمناسبات الاجتماعية والمعارض
والغريب في الأمر أن الوزير شامية تعرض لانتقادات لاذعة بسبب هذا الفندق وعدم الجدوى منه.؟ فتقول جريدة (الأسبوع المصور) في أحد أعدادها الصادرة عام 1931 : (وماذا تجني الأمة من هذا الأوتيل الذي سيصبح يوماً ما ثكنة أو مستودعاً للدوائر الرسمية)،
وقد بقي الفندق فترة من الزمن دون استثمار (وهو خاو فارغ من الرياش والمصطافين.. وكل شيء. وقائم تحت رحمة الزوابع والعواصف في أيام الشتاء ولياليه وتحت أشعة الشمس اللاذعة المحرقة في فصل الصيف.)
وتعزي جريدة الأسبوع المصور ذلك أن الحكومة لم تستطع القيام بتأمين الفرش اللازم له بسبب التكلفة الكبيرة في ذلك (وأين المتعهد الجريء الذي يريدون منه أن يفرش هذا الأوتيل بأثاث ورياش تكلفه مبلغ عشرين ألفاً من الليرات)،
ولكن تعود نفس الصحيفة في عددها الصادر في كانون الثاني من عام 1932م للقول: (فندق الحكومة في بلودان، أفخم الفنادق في سورية ولبنان وأعظمها وأجملها موقعاً ومنظراً وقد طرحته وزارة الزراعة للإيجار بشروط سهلة جداً).
حين تم إشادة هذا الفندق كان من أفخم الفنادق في سورية والدول المجاورة له فكان يؤمه كبار رجال السلك الدبلوماسي العربي والأجنبي، ورجال الأعمال، وكبار الساسة في العالم العربي وأشهر المثقفين والمطربين العرب..
ويقع فندق بلودان الكبير بين سهل الزبداني وجبال بلودان ويعتبر واحة طبيعية ذات جمال ساحر.
تأسس الفندق عام 1930 وشهد أول قمة عربية في عام 1943.
وهو يضم 71 غرفة وجناحا وتم تحديثه في عام 2004 مع المحافظة على تصميمه التاريخي.
وهناك جناح رئاسي واحد في الفندق بينما تسمى بعض الأجنحة بأسماء كبار الزوار مثل جناح عبد الوهاب، الموسيقار الذي كان يفضل الفندق لعطلاته الدورية.
ويبعد موقع الفندق نحو 55 كيلومترا عن العاصمة دمشق و77 كيلومترا عن بيروت. وهو يقع على ارتفاع 1550 مترا فوق سطح البحر. وعلى رغم الظروف الصعبة التي مرت على الفندق منذ 2011 فإنه لا يزال مقصداً للسياح في تلك المدينة الريفية الهادئة، والشهيرة بطبيعة ساحرة وخلابة تشتهر بزراعة اللوز، واحتوائها على مغارة موسى، التي حيكت حولها كثير من الأساطير، وتقول إحداها إن المغارة مدخل إلى العالم المسحور.
وحيث مناخ المنطقة الصيفي يميل إلى البرودة. وهو من الفنادق القليلة في سوريا التي يمكنها استيعاب مؤتمرات لعدد يزيد عن 300 شخص. وملحق به أيضا استاد النجوم الذي يستوعب نحو أربعة آلاف شخص.
تحيط به أشجار الكرز والتفاح كسوار حول معصم، بينما يبعد عن العاصمة دمشق نحو 50 كيلومتراً، وقد اشتق اسم بلودان من “بيل – دان” ويعني مكان “الإله بعل” وظل مقصداً للسياح الأجانب والعرب، ومتنزهاً شعبياً للدمشقيين.
فندق “بلودان الكبير” شاهد على حقبة سياسية مفصلية بتاريخ العرب فترة الثلاثينيات من القرن العشرين الماضي، تروي جدرانه وقاعاته قصة التئام البلدان العربية في أكثر الأوقات صعوبة من تاريخ أمة غارقة بفوضى عارمة من الاحتلال والجهل والنزاعات في فترة ما بين الحربين العالميتين.
ضم الفندق على مدى يومين في الثامن من سبتمبر (أيلول) 1937 نخبة من القادة والزعماء، في مؤتمر سمي “بلودان الأول” وشهدت أروقته أبرز المؤتمرات العربية قبل ولادة الجامعة العربية في 22 مارس (آذار) عام 1945، وجاء انعقاده بسبب غضب شعبي عارم لتقسيم فلسطين والأردن إلى دولة يهودية، ومنطقة انتداب بريطانية، ومنطقة عربية إمارة شرق الأردن.
يبدو من الغريب اختيار العرب في ذلك الحين عقد مؤتمرهم المصيري بهذا المكان البعيد من العاصمة دمشق، لكن في المقابل لم تكن بلودان بعيدة كثيراً إذ تتموضع في نهاية سلسلة جبال لبنان الشرقية، حيث تتوسط بلدان الإقليم القريبة منها.
ومع كل قمة تعقدها الجامعة العربية يتذكر السوريون فندق بلودان الكبير بعد أن ارتبط اسمه بهذا المؤتمر العربي الأول من نوعه،
حضر المؤتمر 450 شخصية عربية منها 124 من فلسطين وقد انتخب المؤتمرون مفتي القدس الحاج أمين الحسيني رئيساً فخرياً لمؤتمر بلودان، بعد أن منعت السلطات البريطانية حضوره وضربت طوقاً أمنياً حول داره في فلسطين
لم يستضف الفندق مؤتمراً واحداً للعرب بل حفل بعقد مؤتمر ثان في رحابه، بعد عقد من الزمن، وكان وقتها برعاية من الجامعة العربية، وذلك في يونيو (حزيران) 1946
جدد الفندق قبل الحرب الأخيرة في سوريا محافظاً على مقتنيات تراثية وتحف شعبية كآلات الموسيقى المحفوظة بردهته، وصور لشخصيات وشخوص عربية متنوعة الثقافات.
يشرح الكاتب السوري ومؤرخ مدينة دمشق، سامي مروان مبيض” عن أهمية الفندق التاريخية، وارتباطه العاطفي بذاكرة السوريين عامة وأهالي دمشق بخاصة “كان الأمير والأول في المصايف السورية، وقد ارتاده السوريون ابتداءً من عام ١٩٣٠ بعد سنوات من قضاء إجازاتهم في بلدات الاصطياف اللبنانية مثل صوفر وعاليه وبحمدون”.
ويرى أن الفندق لم يكن كبيراً مقارنة مع فندق فكتوريا في دمشق، وفيه 71 غرفة فقط، ولكنه اكتسب أهمية إضافية نظراً إلى الشخصيات التاريخية التي حلت به، وفي مقدمتها الموسيقار محمد عبدالوهاب الذي اشتهر بحبه لبلودان، وقضاء فترات طويلة في ربوعه.
مكان الفندق المنعزل عن ضوضاء المدينة في ذلك الوقت وطبيعته الهادئة استقطبا كثيراً من اللقاءات إما العلنية أو السرية،
—————————
منقول من عدة مصادر منها شمس الدين عجلاني
– ومصطفى رستم صحافي – اندبندت عربية
وغيرها
– إيليت فوتو آرت: https://elitephotoart.net


