إن أعمال حسين بيكار فى التصوير قليلة نسبياً إذا ما وضعنا فى الاعتبار انشغاله بكتابة النقد الفنى والرسم الصحفى، على مدى أكثر من خمسين عاماً، قدم خلالها بيكار إسهامات كثيرة متنوعة فى مجالات الرسوم التوضيحية بالصحف والمجلات وكتب الأطفال فضلاً عن فن البورتريه، أى الصورة الشخصية الذى تأثر به من أستاذه ومعلمه أحمد صبرى، المتوفى عام 1955 والذى لم ينازعه فيه الكثير من معاصريه ماعدا `كامل مصطفى` و `عز الدين حمودة` و`صبرى راغب` وآخرون قله ممن تخصصوا فى هذا المجال. إن ولع بيكار بهذه المجالات الفنية وقناعته الشديدة بها لما تمثله من إغراء جماهيرى واسع الانتشار، ودورها المؤثر فيه وضعته فى موقف المفاضلة بين التدريس بالكلية او التفرغ للعمل الصحفى، فاختار الأخيرة (الصحافة) وقدم فيها بريشته مئات الرسوم التوضيحية التى تشهد له بالكفاءة وسعة الخيال ودرايته بخصائص فن الرسم الصحفى.. وتلك الصفات اكتسبها بيكار منذ كان طالباً بالفنون الجميلة فى الثلاثينات، وتمرس عليها طويلاً بعد تخرجه واشتغاله بالتدريس، ثم اشتغاله بالعمل الصحفى فى `دار اخبار اليوم` ولقد اتاح له هذا العمل فرصاً عديدة للسفر استفاد منها جميعاً فى تسجيل العديد من الرسوم، التى تتناول مظاهر الحياة اليومية والمناظر الطبيعية، وأبرزها تلك التى سجلها فى الأقصر والمغرب وأثيوبيا. هذه الرسوم غاية فى الأهمية لا لأنها مرجعية فحسب – إذ يرجع إليها الفنان عند اللزوم فى موضوعات سوف يتطرق إليها فى المستقبل – وإنما لأنها مازالت تحمل الكثير من القيم الفنية، والسمات الجوهرية لفن بيكار ويمكن اعتبار الكثير منها أعمالاً فنية منتهية.
لكن إلى جانب تلك الرسوم المسجلة من الطبيعة. هناك رسوم أخرى فانتازيات خيالية وهى نوع من الإفراز الوجدانى للفنان لم يستعن فيها الفنان بنموذج او أى شكل مرئى، حيث يعتمد على مختزناته البصرية وخبراته الادائية ومهارته فى الرسم من الطبيعة، وهو الأمر الذى أفسح له المجال لممارسة الرسوم التوضيحية وايضاً فى عمل تكوينات لوحاته التصويرية ذات الطابع الإنسانى، ولعل اهمها هى تلك التى أبدعها فى الخمسينات عن `الحصاد` و`جنى المحاصيل`، تلك المناظر الريفية التى توصل فيها – كما يقول د./ نعيم عطيه – إلى قالب خاص به تماماً جمع بين التبسيط والزخرفة، بين الغنائية والرصانة مع أجواء أثيرة حالمة من عالم الشعر والباليه مع أن شخوصه هم الفلاحون والفلاحات.
لم يقف بيكار عند حدود الرسم الصحفى او اللوحات الخيالية ، إنما تطرق الى ممارسة نوع آخر من الفن وهو فن (البورتريه) او الصورة الشخصية التى يبين فيها تأثره بأستاذه احمد صبرى – كما أشرنا – وفى هذه البورتريهات التى تطالعنا فيها حسان من زهرات المجتمع الارستقراطى بواقعيه مسحات الوجه الناعم وتكعيبية ثنيات الثوب والوشاح الذى تتحلى به الفتاه نتوقف لحظة عند عمل الاسكيزات أو الدراسات التحضرية التى تسبق الصورة لنتعرف على المحاولات الأولية التى تتجلى فيها براعة الأداء فى احتواء ملامح الشخصية فور لمسات سريعة حيوية وحاسمة.
وهذا فى حد ذاته ليس هدفاً نهائياً ولكنه أحد متطلبات العقل فى الحصول على أنسب وضع، وأحسن حركة، وأحسن لحظة وأنسب لون، وأنسب ثوب ترتديه الفتاه والمرأة الموديل، كل هذه محاولات أولية قد يصل الفنان فى أول محاولة إلى نتيجة مرضية وقد يكرر المحاولة مرتين او ثلاثاً حسب ما تقتضيه الحالة المزاجية والظروف المحيطة بالفنان..ففى واحدة من اللوحات نجد أن الفنان قد اكتفى بعمل `اسكيز` للفتاة حدد فيه الوضع والثوب والاتجاه والإضاءة وحركة اليدين بلمسات فورية وسريعة دون عناية بتفاصيل، فى الصورة المنتهية يبدو التمام والاكتمال، كل خط كل لمسة، كل تفصيلة وضعت فى موضعها بعناية وإتقان، وفى مثال آخر.. للبورتريه نجد أن الفنان يتبع الطريقة نفسها فى عمل دراسة تحضيرية `اسكيز` قبل الشروع فى تنفيذ الصورة الشخصية كإجراء مبدئى للتأكد من سلامة التكوين من حيث الوضع المناسب والإضاءة والثوب والفراغ… إلخ باستخدام خامة الزيت المخفف على مساحة صغيرة نسبياً، فى الاسكيز تستشعر حساً شاعرياً رقيقاً تظهره لمسات الفرشاة الأثيرية وتعبيراً حياً نابضاً يؤكده هذا التناغم اللونى الشفيف والمعتم – بين الشكل والخلفية – كما نستشعر إيحاءً بملامح الشخصية من خلال سلامة النسب الجمالية واللمسات المتقنة من الفواتح والغوامق على الوجه، أما فى العمل المنفذ أو الصورة المنتهية فيظهر الفارق بوضوح وهو فارق يؤكده حرص الفنان وأمانته فى محاكاة النموذج محاكاة واقعية. وهنا يتجلى حذق الفنان ودرايته فى صناعة رسم الصورة الشخصية، فكل لمسه لون وكل خط وكل تفصيلة فى الشكل تعالج طبقاً لقواعد أكاديمية مدروسة سلفاً، فاللمسات التأثيرية السريعة فى ` الإسكيز ` والتى يؤسس بها التكوين والملامح الشخصية يختفى أثرها تماماً.. وإيقاع الاضاءات الناعمة فى مناطق الشكل المختلفة كالوجه و الوشاح واليدين بل وكل ما هو مؤسس على أساس اللحظة الانطباعية فى الإسكيز يتغير ويحل محله مسعى الفنان الواقعى فى ترجمة الأشياء وإبراز ماهيتها وصفاتها المادية من خلال حيل المنظور والأضواء والظلال والملامس والاستغراق فى التفاصيل الدقيقة للأشكال.
من الملاحظ أن الإسكيز لم يكن يحتوى على أية أشكال فى فراغ اللوحة خلف الموديل وهو على عكس ما نجده فى اللوحة المنتهية، إذ يحيط بخلفية الشكل من أعلى اليمين واليسار بروازان سرعان ما تم الاستغناء عنهما وحذفهما لأنهما لم يؤديا الغرض المطلوب فى حل الفراغ وعمل التوازن المناسب للوجه . يقودنا هذا الإجراء الى أنه ليس بالضرورة أن يضم الإسكيز أو أى عمل تحضيرى كل الأفكار والحلول التشكيلية، وعادة ما يلجأ الفنان إلى تغيير خطته أو ما يراه مناسباً فى أثناء قيامه بالعمل.
صحيح ان الحس النابض الذى يسقطه بيكار فى اسكيزاته، والذى يجعل منها بشكل خاص وثيقة مهمة وقيمة فنية.. لايجوز بحال من الاحوال فصلها عن العمل الفنى المنتهى فهى جزء مهم من الكل فى مراحل نسيج العملية الابداعية، ولذا لا غرابة فى ان نرى بيكار يضع فى عين الاعتبار التجويد والاتقان لإخراج العمل فى صورة مثالية..
د. رضا عبد السلام
من كتاب الرسم المصرى المعاصر
******
نبذه عنه:
فنان تشكيلي متميز ينتمي إلى الجيل الثاني من الفنانين المصريين. وهو صاحب بصيرة نافذة، وذوق رفيع، أحب الموسيقي منذ نعومة أظافره، كما كتب رباعيات وخماسيات زجلية تمتلئ حكمة وبلاغة، ظل معطاء طوال حياته، ومعلما للكثير من الأجيال. وهو صاحب مدرسة للفن الصحفي وصحافة الأطفال بصفة خاصة، بل هو رائدها الأول في مصر. له أسلوب بسيط واضح ارتفع بمستوى الرسم الصحفي ليقترب من العمل الفني، أما لوحاته الزيتية فتتميز بمستواها الرفيع في التكوين والتلوين وقوة التعبير، فهو فنان مرهف حساس، وناقد فني شاعري الأسلوب.
حياته المبكره:
ولد حسين أمين بيكار في 2 يناير عام 1913 بحي الأنفوشي بالإسكندرية، التحق بكلية الفنون الجميلة عام 1928، وكانت وقتها تسمى مدرسة الفنون العليا وكان عمره آنذاك 15 عامًا، ليكون من أوائل الطلبة المصريين الذين التحقوا بها. درس في البدايات على أيدي الأساتذة الأجانب حتى عام 1930، ثم على يد يوسف كامل وأحمد صبري. عقب التخرج عمل في تأسيس متحف الشمع، وانجاز بعض الأعمال في ديكور المعرض الزراعي.
انتقل بيكار بعد ذلك إلى المغرب حيث قضى ثلاث سنوات مدرسا للرسم وهي مرحلة هامة في تكوين، حيث رسم بيكار أول رسومه التوضيحية هناك عندما وضع مدرس اللغة الإسبانية كتابا لتعليم اللغة للتلاميذ، طلب من بيكار مدرس الرسم آنذاك أن يترجم الكلمات إلى صور. عاد بيكار إلى القاهرة عام 1942، وعمل معاونا لأستاذه وصديقه الفنان أحمد صبري، وتولى رئاسة القسم الحر خلفا لصبري الذي انتقل لرئاسة قسم التصوير، وسرعان ما تولى بيكار رئاسة هذا القسم بعد إحالة صبري للتقاعد.
* الجوائز والأوسمة:
• وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى من الحكومة المصرية، عام1972.
• جائزة الدولة التقديرية في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة، عام 1980.
• وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى، عام 1980.
• جائزة مبارك في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة، عام 2000
******
المصادر:
– مواقع تواصل إجتماعي – فيس بوك – ويكبيديا
– مواقع إلكترونية+ الجزيرة+ العربية نيوز – فرانس24/ أ ف ب
– اخبار فن التصوير – جائزة هيبا – الإمارات اليوم – القدس العربي
– موقع المستقبل – موقع سينماتوغراف
– كتاب الرسم المصرى المعاصر – د. رضا عبد السلام
– إيليت فوتو آرت


