البارافانات تتحدث مسرحية “البارافانات” لجينيه عن حرب الجزائر. لكن البعد السياسي فيها لا يتوضع على مستوى الخطاب والكلام المباشر، وإنما في البنية المسـرحـيـة التي تطرح الواقع التـاريخي في جـدلـيـتـه وتحولاته وتنقله على الخشبة بشكل ممسرح ولعـبي عـبـر لغـة مـتلونة تتأرجح بين الشعرية القصوى والهذيان اللغوي الذي يقارب العبثية. أما برنار ماري كولتيس (١٩٤٨-١٩٨٩) فقد أتى إلى المسرح بعد أن عاش صدمة اكتشاف التجارب الحياتية المفاجئة خلال إقامته في نيويورك وغواتيمالا ونيكاراغوا ثم إفريقيا العنف والرعب والجوع التي ستظل الأساس في كل أعماله المسرحية وعلى الأخص “معركة الزنجي والكلاب”. تتحدث مسرحية “في عزلة حقول القطن” عن اليأس المتولد من هشاشة العلاقات الإنسانية وجوع اللقاء مع الآخر ولمسه حتى ولو عن طريق العنف في حوارات طويلة مليئة بالتلوي والقفزات المفاجئة؛ وكأن الشخصيات تحاول أن تخفي بغطاء من الكذب والإنكار الجرح الخفي الذي تحمله في داخلها ويجعلها غريبة عن نفسها. جـيـنـيـه وكـولـتـيس من أهم الكتـاب المسـرحـيـيـن المعـاصـريـن في فرنسا. وجمعهما معاً في كتاب واحد محاولة لتعريف القارئ العربي بكتابة مسرحية أصيلة وإشكالية في طروحاتها وبنيتها ومعالجتها للموضوع، وعلى الرغم من التمايز الواضح بين المؤلفين إلا أنهما يمثلان تياراً يحتفي باللغة ويفجر إمكانياتها الشعرية إلى الحد الأقصى.لم تكن الموضوعات العربية طارئة أو مستجدة في حياة جان جينيه 1910 – 1987، أو في أدبه المسيّس، فهو الذي دخل السجن في الثامنة عشرة من عمره بعد أن هرب من الخدمة حينما كان مجنداً في الفرقة الأجنبية في جيش الجنرال غورو في العشرينات في دمشق.وهو الذي انتقل من حياة التشرد الى حياة التمرد التي وضعته في حالة مواجهة عنيفة من خلال انحيازه الى جانب الثورة الجزائرية وكتب مسرحية “البارافانات” – أو الستائر – عام 1961 حينما كانت فرنسا تعيش مرحلة غليان وانشقاق في الساحتين السياسية والعسكرية حول استقلال الجزائر، وبعد ذلك كان جان جينيه حاضراً، متضامناً مع قادة الفهود السود الأميركيين المكافحين ضد التفرقة العنصرية، ومنذ أوائل السبعينات كان جينيه حاضراً على الساحة الفلسطينية في المخيمات المحاصرة، حيث كتب “الأسير العاشق”، واقتحم في عام 1982 مخيم شاتيلا في بيروت، قبل أن تجف دماء ضحايا المجزرة، فكان شاهداً غير عادي، حوّل شهادته في نص درامي انتقل الى المسرح والسينما، تحت عنوان “أربع ساعات في شاتيلا”، ويبدو ان حركة الثقافة العربية ليست مؤهلة لرد الجميل والاهتمام بأعمال جينيه ومواقفه، وكان من الممكن ان تبادر أية مؤسسة الى ترجمة أعماله الكاملة، أو نصب تمثال له في موقع بارز من مخيم شاتيلا، ويمكن ان تكون هذه مهمة فردية لأي نحات عربي.
المصدر: المسرح العالمي


