أحبك حتى ترتفع السماء قليلاً
نزار قباني
شعر : نزار قباني
يوم صدرت مؤخراً للشاعر العربي الكبير نزار قباني
ثلاثة دواوين عن «منشورات نزار قباني بيروت»،
*الاول: بعنوان «الاوراق السرية لعاشق قرمطي» (أيلول ـــ سبتمبر 1989م)*
والثاني: بعنوان «الكبريت في يدي ودويلاتكم من ورق» (أيلول ـــ سبتمبر 1989م)
والـث.ـالـث :بـعـنـوان «لا غالب إلا الحب» (كانون الثاني – يناير (۱۹۹۰م).
وقد إخترنا لكم قصيدة
من قصائد الديوان الثالث نقتطف هذه القصيدة :
*أحبك حتى ترتفع السماء قليلاً
للشاعر السوري: نزار قباني
أريد أن أحبك ، يا سيدتي
كي أستعيد عافيتي
وعافية كلماتي
وأخرج من حزام التلوث
الذي يلف قلبي
فالأرض بدونك
كذبة كبيرة …
وتُفَّاحة فاسدة …
***
أريد أن أحبك
حتى أدخل في دين الياسمين
وأمارس طُقُوسَ البَنَفْسَج
وأدافع عن حضارة الشعر …
وزرقة البحر …
واخضرار الغابات..
***
أريد أن أحبك
حتَّى أطمئن…
أن غابات النخيل في عينيكِ
لا تزال بخير ..
وأعشاش العصافير بين نهديكِ
لا تزال بخير …
وأسماك الشعر التي تسبح في دمي
لا تزال بخير…
***
أريد أن أحبك
حتى أتخلص من يباسي
وملوحتي …
وتكلس أصابعي…
وأستعيد جداولي ،
وسنابلي .
وفراشاتي الملونة
وأتأكد من قدرتي على الغناء
وقدرتي على البكاء ..
***
أريد أن أحبك
حتى اسْتَرْجِعَ تفاصيل بيتنا الدمشقي
غرفة … غرفة …
بلاطة …. بلاطة …
حمامة .. حمامة …
وأتكلم مع خمسينَ صَفِيحَةِ قُلْ
كانت أمي تستعرضها كُلَّ صباح
كما يستعرض الصائغ
ليراته الذهبية…
***
أريد أن أحبكِ ، يا سيدتي
فِي زَمَنٍ…
أصبح فيه الحب معاقاً ..
واللغة معاقة …
وكُتُبُ الشِّعْرِ مُعَاقَة قادرة
فلا الأشجار قادرة على الوقوف على قدميها .
ولا العصافير قادرة على استعمال أجنِحَتِهَا .
ولا النجوم قادرة على التنقل
بدون تأشيرات دخول …
***
أريد أن أحبك…
قبلَ أَن يَنْقَرِضَ آخِرُ غَزَالٍ
من غزلان الحرية …
وآخر رسالة
من رسائل المحبين
وتُشْنَقَ آخر قصيدة
مكتوبة باللغة العربية …
***
أريد أن أحبكِ …
قبل أن يصدر مرسوم فاشستي
بإقفال حدائق الحب …
وأريد أن أتناول فنجاناً من القهوة معك..
قبل أن يصادروا البن .. والفناجين
وأريد أن أجلس معك .. لدقيقتين
قبل أن تسحب الشرطة السرية من تحتنا الكراسي…
وأريد أن أعانقك..
قبل أن يلقوا القبض على فمي .. وذراعي
وأريد أن أبكي بين يديك
قبل أن يفرضوا ضريبة جمركية
على دموعي…
***
أريد أن أحبك ، يا سيدتي
حتى أمتطي عربة الوقت
وأغير التقاويم
وأعيد تسمية الشهور والأيام
&&&
وأضبط سَاعَاتِ العالم …
على إيقاع خطواتك
ورائحة عطرك …
التي تدخل إلى المقهى…
قبل دخولك ….
***
إني أحبك ، يا سيدتي
دفاعاً عن حق الفرس..
في أن تصهل كما تشاء ..
وحق المرأة .. في أن تختار فارسها
كما تشاء..
وحق السمكة .. في أن تسبح كما تشاء
وحق الشَّجَرَةِ في أن تغير أوراقها
كما تشاء ….
وحق الشعوب في أن تغير حُكامها
متى تشاء ….
***
أريد أن أحبك …
حتى أعيد إلى بيروت ، رأسها المقطوع
وإلى بحرها ، معطفه الأزرق
وإلى شعرائها .. دَفَاتِرَهُمُ المُحْتَرَقَة
أريد أن أعيد
لتشايكوفسكي .. بَجَعتَهُ البيضاء
ولبول إيلوار .. مفاتيح باريس
ولفان كوخ .. زهرة دوار الشمس)
ولأراغون .. (عيون إلزا)
ولقيس بن الملوح …
أمشاط ليلى العامرية …
***
أريدك ، أن تكوني حبيبتي
حتى تنتصر القصيدة …
على المسدس الكاتم للصوت…
وينتصر التلاميذ
على الغازات المسيلة للدموع
وتنتصر الوردة ..
على هَرَاوَةِ رَجُل البوليس
وتنتصر المكتبات .. على مصانع الأسلحة …
***
أريد أن أحبك…
حتى أستعيد الأشياء التي تُشْبِهُنِي
&&&&
والأشجار التي كانت تتبعني…
والقطط الشامية التي كانت تُخَرِّمِشُني
والكتابات . التي كانت تكتبني
أريد .. أن أفتح كُلَّ الجوارير
التي كانت أمي تُخبى فيها
خاتم زواجها …
وأساورها الذهبية المبرومة ..
ومسبحتها الحجازية ..
وخُصْلَة مِن شَعْرِي الذهبي..
بقيت تحتفظ بها ..
منذ يوم ولادتي..
***
كل شيء يا سيدتي
دَخَلَ فِي (الكُومَا)
فالأقمار الصناعية
إنتصرت على قَمَرَ الشُّعَرَاء
والحاسبات الالكترونية
تفوقت على نشيد الإنشاد …
وقصائد لوركا .. وما يكوفسكي …
وبابلو نيرودا…
***
أريد أن أحبكِ ، يا سيدتي …
قبل أن يُصبح قلبي…
قطعة غيار تُباع في الصيدليات
فأطباء القلوب في (كليفلاند)
يصنعون القلوب بالجملة
كما تُصْنَعُ الأحذية …
***
السماء يا سيّدتي ، أصبحتْ واطِئة . ..
والغيوم العالية..
أصبحَتْ تَتَسَكَّعُ على الأَسْفَلَتْ..
وجمهورية أفلاطون ..
وشريعة حمورابي..
ووصايا الأنبياء .
وكلام الشعراء .
صارت دون مستوى سطح البحر
لذلك نصحني السَّحَرَةُ ، والمُنجِّمُونَ ،
ومشايخ الطرق الصوفية..
أن أحبك ..
حتى ترتفع السماء قليلاً …
***&&&***
المصادر:
الموقف العربي
الاثنين ١٩ – ٢٥ شباط (فبراير) ۱۹۹۰م.
– العدد ٤١٠ – السنة العاشرة


