.
محمد صُبحي الحاصل على لقب فنان الشعب بعد يوسف وهبي
كمال القاضي
اثنان في تاريخ الفن المصري هما اللذان حصُلا على لقب فنان الشعب عن جدارة، الأول هو الشيخ سيد درويش، صاحب الملاحم الموسيقية والغنائية وأشهر من ناهض الاحتلال البريطاني بالموسيقى والغناء، والثاني هو الفنان يوسف وهبي، الحاصل رسمياً على لقب بك، وصاحب المسيرة الطويلة في السينما والمسرح.
لقب فنان الشعب يمنحه الجمهور عادة لمن ينوب عنه في التعبير عن جُل الهموم والمشاكل وطرح ما يعنيه من قضايا إنسانية واجتماعية وربما عاطفية أيضاً.
وقد تؤكد الصحافة على وجهة نظر الجمهور في منح اللقب لمن يُحب، فيصير بفعل التداول وبمرور الوقت لقباً مُستحقاً ومُرتبطاً بالفنان الذي حصل عليه بعد سنوات من الإبداع والجهد والانتقاء والاختيار الدقيق لأدواره والعناية التامة برسالته الفنية التي أهلته لأن يكون في مصاف المرموقين والمحبوبين والمُعتمدين لدى القطاع الأكبر من عموم الجماهير في مصر والعالم العربي.
ولا شك في أنه بمُضي السنوات وتعاقُب الأجيال، تتغير المفاهيم وتتطور الذائقة الفنية، ويظهر في الأفق فنانون ونجوم جُدد يخلقون بفنهم وإبداعهم تأثيراً خاصاً لدى القاعدة الجماهيرية العريضة.
وتتفاعل كيمياء الإرسال والاستقبال بين الفنان المُبدع صاحب المبدأ والرسالة وبين مُحبيه ومُريديه ممن يرون فيه مثالاً يُحتذى ونائباً أميناً عنهم يضطلع بتوصيل رسائلهم إلى أصحاب الحل والعقد ويحمل عنهم عبء المسؤولية الجماعية في إبداء رغباتهم واحتجاجاتهم في التأييد والرفض إذا ما اتصل الأمر بمصالحهم المُباشرة سواء بالفرص أو التهديدات.
في الأونة الأخيرة ظهرت بوادر مُتوالية لإبداء الإعجاب الشديد بالفنان الكبير محمد صُبحي، على خلفية مواقفه الإنسانية والوطنية واهتمامه الواضح برسالته الفنية، في ضوء ما قدمه ويُقدمه من أعمال مسرحية ودرامية يراها الكثيرون، نماذج إيجابية داعمة للوعي العام ومُحفزة على التثقيف والإحاطة بما يهم الغالبية العُظمى من قضايا اجتماعية وأسرية وبيئية وغير ذلك من دلالات الوعي والمعرفة. وذلك بالنظر إلى أعمال الفنان المُتميزة وتأسيساً على رؤية جماعية ناقدة وحُرة وخارجة عن إطار المصالح الشخصية والمنافع الذاتية، كمسرحياته الشهيرة «الجوكر» و«الهمجي» و«تخاريف» و«أنت حُر» و«وجهة نظر» و«بالعربي الفصيح» و«انتهى الدرس ياغبي» و«البغبغان» و«سكة السلامة» و«ماما أمريكا» و«لُعبة الست» وآخر أعماله «عيلة اتعمل لها بلوك».
فهذا الكم من المسرحيات الفارقة والمُتميزة، والمُتفق عليها فنياً ونقدياً، كفيل بمد جسر الثقة بين الفنان الكبير والجمهور. وكذلك تأكيد العلاقة القوية بين الطرفين، بما يُجيز منحه لقب فنان الشعب عن جدارة وفق الانتخاب الشعبي غير الرسمي والمُنبت الصلة تماماً بالمصالح والمُجاملات، حيث العلاقة والثقة تتجددان تلقائياً كلما أفلح الفنان في تقديم عمل فني جديد يستشعر معه المُتلقي مسؤولية الفنان تجاهه وحرصه الحقيقي على نهضته وانتشاله من العثرات والأخذ بيده إلى المسار الصحيح.
هذا ما يراه الجمهور العريض المُمتد من المُحيط إلى الخليج في مسيرة محمد صبحي الفنية ودلالاتها الصحية على مستوى الوعي والتنوير والتبصير.
الأسلوب الكوميدي في المسلسلات
وليس المسرح فقط هو منصة التوعية عند صبحي، وإن كان هو الأكثر تأثيراً، لكن هذا لا يمنع تفوقه الدرامي أيضاً.
فما قدمه عبر الشاشة الصغيرة من مُسلسلات يؤكد انتباهه وذكائه في مُخاطبة جمهوره بأبسط اللغات وأعمقها.
فلغة الدراما عادة ما تكون بسيطة وسهلة كي تصل إلى عموم المُشاهدين وفئاتهم المُختلفة. ولنا في ما قدمه خلال السنوات الطويلة الماضية أمثلة لها اعتبارها وأهميتها.
هناك ما يُمكن الاعتراف بتأثيره الشعبي مثل مسلسل «رحلة المليون» الذي تنطوي فكرته على عصامية الشاب الريفي الطموح وقُدرته على المُثابرة والنجاح بعد كفاح مرير.
وأيضاً مسلسل «يوميات ونيس»، ذلك النموذج التربوي القويم ذو النكهة الكوميدية الفكهة، والرسالة الجادة في نفس الوقت عن أسلوب التربية الصحيحة وعلاقة الأب بالأبناء. ومفهوم الانتماء الأسري وضرورة الحرص علية كمقوم أساسي للحياة الاجتماعية السليمة.
ولا يُمكن نسيان مُسلسل «فرصة العُمر» في وقت مُبكر من حياة الفنان، وإتباعه الأسلوب الكوميدي في مُعالجة الآثار السلبية لأحلام اليقظة عند الشاب الطائش غير المُتزن نفسياً «علي مظهر»، النازع إلى تحقيق رغبات أكبر من قُدراته وإمكانياته الحقيقية.
وعلى مستوى السينما بذل الفنان محمد صبحي جهداً وفيراً وحاول اقتناص الفرص القليلة التي صادفته، لكنه لم يصل إلى غايته في تحقيق ما يصبو إليه. ربما بحكم الظروف الإنتاجية، أو لارتباطه الشديد بالمسرح واكتفائه بما أصابه فيه من نجاح ونجومية.
ومع إدراك الفارق الشاسع بين مسيرة محمد صبحي في المسرح ومحاولاته السينمائية، تتحتم الإشارة لبعض أفلامه ومنها، «أونكل زيزو حبيبي» و«العميل رقم 13» و«أين المفر» و«علي بيه مظهر» و«الشيطانة التي أحبتني» و«الفلوس والوحوش» و«الجريح والعبقري» و«بلاغ ضد امرأة» و«هنا القاهرة» و«المُشاغب ستة» و«وراء الشمس» و«محامي تحت التمرين».
وبرغم أن الحظ لم يُحالفه تماماً في البطولات المُطلقة، إلا أنه تميز في أفلام أخرى لعب فيها أدواراً ثانوياً مثل فيلم «الكرنك» الذي جسد من خلاله دور الطالب الجامعي الذي تعرض لتجربة اعتقال قاسية.
وفيلم و«بالوالدين إحساناً» في دور غريم البطل سمير صبري وشريكة في حُب سهير رمزي.
وبالطبع ظهر تميزه بوضوح في فيلم «أبناء الصمت»، ذلك الفيلم الحربي المهم عن محنة النكسة في عام 1967 وانتصارات أكتوبر 73 للمخرج محمد راضي.
لكل هذه الدواعي ووفق المسيرة الإبداعية الطويلة والمُمتدة التي حاولنا عرض بعض ملامحها بإيجاز، استحق الفنان محمد صُبحي لقب فنان الشعب خلفاً لسلفه يوسف وهبي صاحب اللقب الأصلي بعد الموسيقي والمُلحن الكبير الشيخ سيد درويش.
******
المصادر:
– القدس العربي
– مواقع تواصل إجتماعي – فيس بوك – ويكبيديا
– موقع المصرى اليوم – موقع عكاظ
– مجلة فن التصوير
– إيليت فوتو آرت: https://elitephotoart.net
****************


