Fareed Zaffour
الفنان محمد الكاشف…عدسة تُضيء الحكاية…و عين مصر التي لا تنام..
- إعداد: فريد إبراهيم ظفور
Mohamed El Kashef
في البدء كانت الكلمة..
تكون الصباحات أكثر إشراقاً وبهجة، في تلك الايام التي تلف الشمس فيها جدائلها الفضية وبتدرجات اللون الأحادي الرمادية والألوان الطيفية الكونية،
كانت المشاعر والأحاسيس الفنية عند المصور محمد الكاشف ،تجاه صناع الفن والادب من القدماء ومن أبناء الجيل الجديد.. تلفه بضياء رائع، وهي تداعب أجفان الأدباء والفنانين الذين يستيقظوا من سباتهم بعد تحضير وسهر طويل ..تلك الصباحات على غير عادتهم، فايام ومواعيد افتتاح المهرجانات والموؤتمرات الفنية والندوات الشعرية العربية.
ولعل علاقة الكاشف بالثقافة البصرية والتكوينية والتشكيلية المعرفية، جعلته ينسج ألف خيط حريري بصري يربطنا بالفن والأدب وعشاقهما وأيضا بالاماكن السياحية الجميلة و بالموجودات الغنية الرائعة في بلده مصر. بحيث جدل دعائم بنائه واعماله ومعارضه بالعرق والتعب والعمل المتواصل ليلا ونهارا..
إنهم يبدؤون خطواتهم الأولى إلى المهرجانات، التي فتحت لهم صدرها الرحب، فاندفعوا إلى حضنها يتصافحون، ويتعارفون ويتبادلون ارقام هواتفهم النقالة وعناوين صفحاتهم بمواقع التواصل على شبكة الانترنت .ويلقون التحية، ويوزعون الإبتسامات هنا وهناك، يستعيدون ذكرياتهم، ويتحدّثون عن أيام لقاءاتهم، وكيف قضوها
معا .
ومن بين تلك الحشود الإعلامية والصحفية والمصورين والضيوف والادباء والفنانين كانت عيون الفنان محمد الكاشف..ترصد وتوثق عدسته المتألقة تحركات ووجوه و أعمال الفطاحل من كوكبة الفنانين والأدباء ..من الشعر والقصة والرواية والمقالة والمسرح والمهرجانات السينمائية والحفلات الموسيقة.ويضاف لهم ندوات ومحاضرات ومعارض المصورين والتشكيليين،حنى أصبح الكاشف جزء من المشهد الثقافي والفني المصري،وكما يقولون بالعامية له في كل عرس ثقافي قرص فني.
مع هؤلاء الأدباء والفنانين والمثقفين الجبابرة العظام، كان تواجد الكاشف الذي أمضى اجمل الاوقات..الذين امتلأت عقولهم معرفة وادبا وفنا وعلماً، واختزنت نفوسهم أشكال التعاون والحب والعطاء، وأنماط الخير والحق والجمال، فأخذوا من مناهل العلم ومنابع الادب العربي والعالمي زوادة طريقهم ،فكانت أملاً يشع في فضاءات الغد المؤمل بالعطاء المتجدد، والبناء الفاعل.لخدمة وإرضاء ذوق الأدباء والفنانين والجماهير المحتشدة،و متابعيهم واصدقائهم عبر منصات التواصل الإجتماعي وعشاق فنهم وأدبهم بالمنتديات والمحاضرات والمهرجانات والندوات والمعارض والامسيات الشعرية وعلى صفحات الجرائد والكتب والدوريات الورقية والرقمية، شأنهم شأن الأرض الطيبة التي تشم رائحة ترابها المعرفي العبق، بعد كل غيمة تحمل في طياتها عبق الورود والرياحين. ليتلقفها الكتاب والفنانين بلهفة العاشق ليحولوها بإبداعاتهم الفنية والادبية إلى لؤلؤ فتبعث الدفء والحياة في نسغ الورد وآذان المستمعين والمتابعين لهم.
مقدمة :
في زحام المدن وضجيج الشوارع، تظل الكاميرا عند بعضهم وسيلة، لكنها عند محمد محمود الكاشف روحٌ تبصر ما لا يُرى، وتُعيد للضوء معناه الأول. مصور وصحفي مصري حر، جعل من الفوتوغرافيا طريقًا لتوثيق نبض الحياة وتشكيل ذاكرة بصرية لمصر كما تُرى من قلبها، لا من بعيد. منذ أن حمل الكاميرا، اختار أن تكون العدسة مرآة لوجوه الناس، ومسرحًا للقصص الصغيرة التي تسكن تفاصيل الشوارع والأمكنة، فباتت صوره أقرب إلى مقاطع شعرية تنبض بالحياة والصدق والدهشة. في زمنٍ ازدادت فيه الصور تكرارًا وبهتانًا، يطلّ علينا المصور المصري المبدع محمد الكاشف، كعدسةٍ حادة الرؤية، حسّاسة تجاه التفاصيل، تنحاز للإنسان الفقير الغلبان، وللذاكرة والمكان. فمنذ عام 2013م اختار الكاشف طريق التصوير الفوتوغرافي الإحترافي، لا بوصفه مهنة، بل رسالة توثيقية تنبض بوجع الحياة اليومية وجمالها الدفين.
لقد تخرّج الكاشف من كلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة المنيا عام 2006م، حاصلاً على ليسانس التاريخ، وهو ما يفسّر نزوعه إلى الذاكرة البصرية وإلى الحكاية كوثيقة.
اختار الكاميرا لتكون امتدادًا للوعي الثقافي و التاريخي عنده، فراح يوثّق بلده مصر من أعماقها الشعبية حتى فضاءاتها الثقافية والفنية.
حيث اشتغل الكاشف مصورًا رسميًا في فعاليات ثقافية مرموقة، منها ملتقى القاهرة الأدبي – الدورة السادسة 2024م، ومهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة (AIWFF) في دورتيه الثالثة والرابعة (2019م–2020م).
كما شارك بعدسته في:
Cairo Literature Festival
ملتقطًا نبض الأدب عبر وجوه الكتّاب وضوء المشهد الثقافي.
وقد تعاون مع مؤسسات إعلامية وصحفية كبرى مثل:
الأهرام، الأهرام المسائي، أخبار النجوم، الثقافة الجديدة، فنون، رصيف 22، مصريات، العربي الجديد، ووكالة الأنباء اليابانية KYODO
إلى جانب مشاركته في مشروع مجلة:
Egyptian Geographic.
- نذر نفسه للوطن .وعدسته للناس.. وللحياة:
ما يميز الكاشف ليس فقط مهارته التقنية وصياغته الصحفية، بل انحيازه الجريء للناس العاديين الغلابة والفقراء والبسطاء، وللشقاء الإنساني المخبّأ خلف لقطةٍ صادقة بعدسته.
ففي مشاريعه الفوتوغرافية نلاحظ و نلمح توثيقًا واعيًا لطبقات المجتمع وأحوالها، مثل:
الشقيانين: يوثّق فيه حالات الأطفال العاملين في القاهرة والجيزة والفيوم.
الفاعل: يرصد العاملين بالأجر اليومي في مصانع الطوب الأحمر وصناعة الفخار.
الآخرون – هل للصورة فعل:
رحلة بين ركاب الدرجة الثالثة في القطارات الشعبية.
الليلة الكبيرة: غوصٌ في عالم الموالد الشعبية بالأقاليم.
مدد: توثيق زيارات الأضرحة والمقامات بالقاهرة.
سفر عنخ: حوار بصري مع تفاصيل المتحف المصري.
نصف ملعقة سكر: مشروع لرصد المدن المصرية برؤية عين الطائر، بدءًا من الفيوم.
غية الرجال: توثيق فن التحطيب في صعيد مصر.
نوت: عن توثيق إنتاج الغذاء من المحاصيل الزراعية والمنتجات المنزلية.
العصافير التي استولت على مفاتيح قلبي:
مشهد بصري دافئ عن أول أيام العام الدراسي وذكريات الطفولة.
· الإصدارات:
أصدر ديوان شعر باللهجة العامية المصرية بعنوان “يمكن تحن السما” في عام 2016، وله ديوان آخر قيد الطبع بعنوان “ما بقتش عارف ابقى مؤمن” .
معارضه ومشاركاته:
قدّم الكاشف أعماله في سلسلة من المعارض التي كشفت عن نضج تجربته الفوتوغرافية وتنوعها، من بينها:
معرض فوجي فيلم الأول للفوتوغرافيا
“Beautiful Egypt”
– القاهرة 2021م.
معرض فوجي فيلم الثاني
“Nile the River of Life” – مالقاهرة 2022.
المعرض الدولي الأول للفوتوغرافيا والكولاج السريالي – القاهرة 2022م.
معرض أصداء السيريالية المعاصرة – المعهد الفرنسي بالإسكندرية 2022م.
مسابقة تراثي للتصوير الفوتوغرافي – القاهرة 2022م
(بالتعاون بين وزارة الثقافة ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة).
معرض صور مدينتي – ملتقى الصورة العربية الأول بإربد 2022 (بتنظيم اتحاد المصورين العرب وفرع الأردن).
الكاشف..بين الضوء والتاريخ:
عينٌ مصرية تروي حكايا الناس بالضوء…
يبدو أن التاريخ لم يغادر عدسة محمد الكاشف. فهو لا يكتفي بتوثيق اللحظة، بل يزرع فيها ذاكرة، وينسج منها سيرةً جماعية للناس والأمكنة. في كل صورةٍ له حنينٌ عميق لتراث مصر الشعبية، واحتفاءٌ خفيّ بعزة وكرامة البسطاء، ورغبة في أن يظل الضوء شاهدًا على الحياة.
إنه نموذج للمصور الباحث، الذي لا يكتفي بالتقاط المشهد بل يسائله، ولا يرضى بالصورة الجميلة فقط، بل بالصورة الصادقة، التي تُشبه الناس في عرقهم ودموعهم وابتساماتهم ،في الثراء والضراء.
خاتمة المطاف بالمسك والعنبر:
مصر أم الدنيا ..ومن بين آلاف المصورين في المشهد الفوتوغرافي المصري، يظل محمد الكاشف واحدًا من الأصوات البصرية المخلصة لفنها الضوئي، والذين يؤمنون بأن العدسة ليست مجرّد آلة، بل ضميرٌ ناطق بالضوء.
من “الليلة الكبيرة” إلى “غية الرجال”، ومن الموالد إلى الموانئ، ومن وجوه العمال إلى ملامح الأطفال، ظل الكاشف ينسج بأشعة بصره على نولٍ من التاريخ والوجدان، ليمنحنا طاقة أكبر نحو مصر التي نحبها: حقيقية، حيّة، ومضيئة.
وخاتمة القول :
بين لحظة الضوء والظل وتدرجات الرمادي بين الأبيض والأسود، يقف محمد الكاشف شاعرًا بعدسته، يحوّل العابر اليومي إلى مشهد خالد، وينسج من الواقع جمالًا يستحق التأمل. في كل لقطةٍ يلتقطها، ثمة حنين مصري قديم، وحلمٌ بمستقبل أكثر إشراقًا. هكذا يمضي في رحلاته، لا يبحث عن الصورة فحسب، بل عن الحقيقة التي تسكنها، مؤمنًا بأن الفوتوغرافيا ليست مجرد مهنة، بل رسالة تُكتب بالنور وتُقرأ بالعاطفة.


