كتب عاشق اوغاريت:د.غسان القيم.نص فخاري مكتشف يصف طقس ولادة:شهارو وشلامو:إلهي الخير والعطاء.

نص فخاري مكتشف يصف لنا طقس ولادة شهارو وشلامو: الهي الخير والعطاء.. عندما تهامست الجدران بأصداءٍ تراتيل قديمة وتنتشر رائحة البخور والدهون المعطرة من قلب الطقس الاوغاريتي المقدس..
“”””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””

في ضوءٍ خافتٍ يتسلّل من شعلاتٍ تتهادى على أطراف المعبد يبدأ الحشد بالوقوف صامتًا. تتهامس الجدران الطينية العتيقة بأصداءٍ قديمة وتعلو رائحة البخور والدهون المعطّرة حيث يتهيّأ الكهنة لطقسٍ ليس كسواه… طقس ولادة إلهي الخير والعطاء: شهارو وشلامو.
لم تكن أوغاريت مدينةً وحسب كانت مسرحًا أسطوريًا تنبضّ فيه الحياة عبر طقوسٍ تتزاوج فيها السماء بالأرض ويتصالح فيها الخصب مع الجفاف ويتحدّ الإنسان مع الماوراء..
وفي قلب هذا المسرح تُستعاد حكاية الزواج المقدّس بين الإله الكبير إيل وقرينته السيدة عشيرة أمّ الآلهة.
يتقدّم الكهنة خطواتٍ موزونةٍ نحو المذبح الحجري يرفعون أذرعهم إلى السماء، ويرتلون صلواتٍ تستدعي الخصب والنماء. يلتفتون إلى الملك والملكة الواقفين في الهيكل يباركونهما بالقمح والخمر ويطلبون خيراً وفيراً لا يطاله الجدب.
لكن شيئًا من الظلّ يعبر وجوه الواقفين
ها هو موت إله العالم السفلي يتقدّم حاملاً رمز العقم والخراب. يتجسّد الشرّ في ظهوره كأن الأرض نفسها تحبس أنفاسها. يرفع الكاهن صوته يسكب لعنته عليه ويستدعي غضب الإلهتين عشيرة وعناة البتول. ويردد الحشد خلفه:
«كما تسقط الكرمة أمام منجل السنابل… كذلك يسقط موت!»
وفي زاوية المعبد يتحرك الغلمان حول قدرٍ كبير يغلي يطهون الجدي سبع مرات بالحليب والسمن… الوجبة التي خصصتها الأسطورة لعشيرة وجبةٌ قيل إنها تُمهّد للخصب وتفتح أبواب الولادة لثمار الزواج المقدّس.
ينتقل المشهد إلى شاطئ البحر. الأمواج تتكسّر بنبرةٍ كأنها تتابع الطقس مع الكهنة. هناك يقف إيل الإله الكبير يحمل شعلتين من النار التي أُعدّ عليهما الطعام يدخل بهما إلى بيته ثم يرفع عصاه… يطرحها أرضًا ويأخذ رمحه يرمي طائرًا في الهواء فيسقط في قبضته.
يرمي به على النار ويجلس يتأمل الشعرات المشتعلة…
غير عابئٍ بزوجتيه.
وفي اللحظة نفسها تظهر عشيرة وعناة تدخلان البيت بخطواتٍ تحمل غضب المحبة. تقولان له بصوت واحد:
«آه أيها الزوج… عصاك سقطت ورمحك انكسر!.. ها أنت تشوي الطير على الجمر… وزوجتاك تحترقان على نار إهمالك !..»
يعلو الصمت وتبدأ الملامح تتبدّل. يعود الدفء إلى عيني إيل. يتبادل معهما نظرات المودّة فيلمع في السماء وعدٌ جديد وعد ولادة.
في لحظةٍ مقدّسة تُعلن السماء عن مجيء الإلهين شهارو وشلامو. يولدان في نورٍ متوهج يحمل ملامح البحر والسماء معًا. يقال إنهما عندما فتحا فميهما لأول مرة:
«شفةٌ إلى الأرض… وشفةٌ إلى السماء…»
رضعا من صدر السيدة عشيرة وأرضعتهم السماء والبحار ذاتها. كانت الطيور تسقط في فمَيهما كأنما قدّر لهما ابتلاع العطاء من كل جهات الكون. كانا ينهلان من صدر اليمين ومن اليسار ولا يشبعان… فهما صورة الخير حين يتكاثر… والعطاء حين لا يتوقف.
وحين كبرا أمر إيل بإرسالهم إلى الصحراء سبع سنواتٍ يصطادان ويقدمان القربان. سبع سنوات يتعلّمان فيها الصبر ويتقنان معنى أن يكونا يدي الطبيعة الكريمتين.
وعند عودتهما كان أهل القرى في استقبالهما. قدّم لهما أمين المحصول خبزه الطازج، وسقاهما الخمر احتفالًا بعودة الخير والنماء إلى أرض أوغاريت.
وهنا ينقطع النص… لكن أثر الطقس يبقى وصدى الأسطورة لا يزال يعبر القرون.
أوغاريت… المدينة التي لا تغيب
ستبقى أوغاريت
مالئة الدنيا وشاغلة الناس.
مدينةٌ حملت على جدرانها الطينية أسرار الكون وخلّدت على ألواحها الطقوس التي مزجت الإنسان بالسماء.
ويبقى هذا الطقس .. طقس ولادة شهارو وشلامو شاهدًا على أن حضارة أوغاريت لم تكن تروي أساطير…
بل كانت تكتب روحها.

سرد تاريخي
“”””””””””””””””””
عاشق اوغاريت.. غسان القيم..

الصورة المرفقة بعدستي تظهر جرن وكرسي حجرية كانت مخصصة لطقوس الاغتسال والطهارة

أخر المقالات

منكم وإليكم