نقطة صفر ((( Poin Zero )))
كان هذا عنوان المسرحية التي شارك فيها طلبة كلية الفنون الجميلة في مهرجان المسرح الجامعي الذي اقيم في رحاب جامعة الموصل قاعة الدكتور محمود الجليلي برعاية معالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي واشراف السيد رئيس جامعة الموصل يوم الاثنين 8 / 12 / 2025
بوينت زيرو
في زمن اصبح الواقع فيه اشعاع ازرق . ويقيم الانسان فيه بعدد الاعجابات واللايكات . اتت مسرحية بوينت زيرو لطلاب كلية الفنون الجميلة / جامعة الموصل تحت اشراف واخراج الطالبة مروه محمود ..
ليس كعرض مسرحي . بل كبيان بصري صاعق .
لم يكن هذا العرض حكاية فقط . بل هو بمثابة تشريح للروح المعاصره . وخشبة المسرح هي الطاولة والممثلون يتراقصون على وتر العصر الرقمي اللامنتهي .
من الاحساس والروح الى الجمود والبكسل . عالم ياخذنا الى الهاوية . لقد نجحت بوينت زيرو في خلق تضاد فكري وبصري مخيف .
في المشهد الاستهلالي يتجسد الممثلون بهيئاتهم المختلفة (( نقطة صفر )) تلك الحالة المفقودة من النقاء والبراءة والبساطة والتلقائية كما شاهدنا في صور المشاهد اللاحقة حيث بعض الازياء ذات الطابع الحكائي او كاريكاتيري . ثم ياتي الجرس . جرس الانتقال من حالة الى اخرى . جرس التحول ليعلن الانسلاخ الكبير .
في المشهد الأول .
يخرج الممثلون من صندوق العجائب ( ربما الحياة . أو العقل الباطن ) كـدمى آلية . هذه الفكرة البصرية ( الإنسان – الدمية ) الخاضع لإيقاع مركزي هي نواة الفكرة الإخراجية . إنها تجسيد لحالة فقدان الإرادة أمام سطوة المؤثر الخارجي . سواء كان التكنولوجيا أو محركات الترند . لقد كان الأداء الجسدي لطلاب المرحلتين الرابعة والثانية مضبوطا على إيقاع الانصياع المرير .
تشارلي شابلن في زمن ( التيك توك )
أما المشهد الثاني . فكان بمثابة ( الرفض الهارب ) . شخصية ( شارلي ) ( التي نراها بملامح جسدية تحاكي تشارلي شابلن في إحدى الصور . يرتدي بدلة داكنة وقبعة ويحمل عصا ويقف تحت بقعة ضوء وحيدة ) تمثل الذاكرة الإنسانية التي ترفض هذا التوغل الرقمي . وقوفه تحت بقعة الضوء المنفردة . وتعامله المتوتر مع الهاتف قبل أن يهرب خارج المسرح . هو بطلان تراجيدي . إنه يرمز إلى آخر خيوط المقاومة للفطرة النقية أمام سيل الجرأة التقنية الجارف . هذا المشهد شكل فاصلًا تنفسيا قبل الغوص في الجنون .
دوامة السقوط والابتزاز . الفوضى على الخشبة
تشتد حدة العرض في المشهد الثالث . حيث يتمثل الغرق الفعلي في شاشة الهاتف. الحركات الهستيرية والصراع النفسي للممثلين الموزعين على الخشبة تجسد حالة الانهيار الداخلي؛ لم يعد الجسد إلا وعاء لـصراعات الشاشة الافتراضية .
يصل النقد الاجتماعي إلى ذروته في المشهد الرابع والخامس .
المشهد الرابع .
كان معالجة جريئة ومؤلمة لـالابتزاز الإلكتروني واستغلال النساء في الفضاء الرقمي . دخول الممثلة عبر باب الهاتف الضخم واحتجازها داخله هو استعارة بصرية موفقة عن فخ السوشيال ميديا الذي يغلق على ضحاياه. نداء الاستغاثة الموجه للجمهور في نهاية المشهد كان بمثابة تحريك لـ”ضمير القاعة .
المشهد الخامس .
لم يكن سوى كارثة جمالية . تصاعد رقصات الترند وسطحية المحتوى الهابط وكيف يتحول إلى واقع مؤذٍ يضخم حضور البلوكر ويغرق الشباب في دوامة من التقليد العابث . إنه نقد حاد لثقافة الشهرة من أجل الشهرة . ( تظهر بعض الصور الممثلين بأزياء رياضية وعصرية أو بملابس بسيطة وداكنة، مما يعزز فكرة التعبير الجسدي عن هذا الصراع الداخلي ) .
النهاية .
احتراق (( نقطة الصفر ))
في النهاية . يصل العرض إلى ذروته الفنية والدرامية. بينما يتصاعد جنون الرقص والعبث، تظهر على الشاشة صور الممثلين من زمن البراءة والأحلام. هذه اللحظة هي الـ ( مفتاح ) الوجداني للمسرحية. تبدأ الصور بـالاحتراق الرقمي والتشظي إلى بكسلات سوداء .
شكل عام . يبدو أن الإضاءة والأزياء تعملان معا لخلق عرض حركي ورمزي . حيث تدفع الإضاءة المشاهد للتركيز على التعبير الجسدي . بينما تحدد الأزياء هوية أو حالة كل شخصية ضمن هذا الإطار المظلم والكثيف . لقدخلق جو من الوحدة . الغموض . والبرودة النفسية . وتركيز المشاهد على التفاصيل .
الأزياء أساسية حركية بألوان متباينة ( سوداء و قمصان ملونة ) وأزياء رمزية بيضاء / احتفالية . إبراز الجسد كأداة تعبيرية . تمييز الحالات النفسية . وتوفير طبقة سردية ورمزية ( مثل البراءة مقابل العبثية )
هذا الـ احتراق ليس مجرد عرض . إنه اعتراف قاس ومكثف بأن الجيل قد خسر براءته واحساسه . وأن ( نقطة الصفر ) لم تعد قابلة للاسترداد . سقوط الممثلين في نهاية المشهد ليس موتا فيزيائيا . بل انهيار داخلي مهيب . تسليم للهوية المفقودة .
الكلمات الأخيرة على الشاشة . (( بوينت زيرو – النقطة التي ضاعت )) ليست مجرد عنوان . بل هي الحكم الأخير على إنسان العصر .
لقد كانت (( بوينت زيرو )) بقيادة مروة محمود وطلابها تمرينا مسرحيا ناجحا على لغة الجسد الحداثوية والنقد البصري . لقد تجاوزت المسرحية حدود التقليد لتطرح سؤالها الجوهري . هل أصبحنا أسرى عالم خلقناه بأنفسنا ؟ العرض كله كان استجداء فنيا للعودة إلى ما قبل الضوضاء والضوء الأزرق .
إنها مسرحية تنتمي إلى هذا الجيل . وتتحدث عن أعمق مخاوفه وضياعه . وتستحق الثناء على جسارة الفكرة وحداثة الإخراج .


