(( خلود الأثر ام ضجيج الصور ))
الساحة الثقافية اليوم مزدحمة بفقاعات الإعلام ٠ وهؤلاء يمتلكون الضجيج ويفتقرون للعمق ٠ يرفعون سقف التوقعات ويسقطون عند أول اختبار حقيقي ٠
في المشهد الثقافي عموما ٠ اختلطت المفاهيم واتسعت الفجوة بين صناعة المحتوى وبين خلق الإبداع ٠ وبينما يتسابق الكثيرون نحو منصات التتويج ٠ يبقى السؤال الجوهري قائماً ٠ من الذي سيبقى حين تنطفئ الأضواء ؟ هل هو من حصد التصفيق ٠ أم من زرع الأثر ؟
إن الاسم الحقيقي للمبدع لا يمنح كهدية ٠ ولا يصاغ في دهاليز العلاقات العامة ٠ بل هو بصمة تنحت بصبر في خلوة الإنجاز . المبدع الحقيقي هو الذي يجعل من اسمه علامة فارقه يثق بها المتلقي
حين يرى الناس عملا متقنا يذكرون صاحبه تلقائيا ٠ فهذا النوع من الخلود المعنوي هو الاعتماد الأسمى الذي لا يحتاج لختم مؤسسة أو بريق جائزة ٠ لأنه نابع من صلب التجربة والصدق الفني .
والجوائز مهما بلغت قيمتها المادية أو المعنوية ٠ تظل لحظات عابرة في عمر الزمن . قد تمنح المبدع نشوة مؤقتة لكنها لا تمنح العمل صلاحية البقاء . إن التاريخ لا يحفظ قوائم الفائزين بالجوائز السنوية ٠ بل يحفظ النصوص التي غيرت وعياً ٠ واللوحات التي لمست روحا ٠
فالمنجز هو الكيان الصلب الذي يقاوم النسيان .
والإعلام هو مجرد مرآة قد تعكس الضوء اليوم ٠ لكنها تنكسر غدا أمام ابسط اختبار ٠
ولا يمكن الحديث عن الإبداع اليوم دون الالتفات إلى الطارئين على الساحة الثقافية أولئك الذين استغلوا سطوة وسائل التواصل لفرض حضورهم كـ مبدعين دون امتلاك أدوات حقيقية .
إن هؤلاء يعتمدون على الضجيج لا العمق ٠ ويهتمون بـ الانتشار لا التأثير . هؤلاء هم فقاعات عابرة ٠ يرتفعون بسرعة البرق ويسقطون بهدوء تام بمجرد ظهور موجة جديدة ٠ لأنهم يفتقرون للجذور الثقافية والمنجز الرصين الذي يحميهم من رياح التغيير .
خلود المنجز هو الرهان الأخير
المبدع الذي يسعى خلف الجوائز أو يساير ذائقة بالطارئين
٠ غالباً ما يسقط في فخ الابتذال ويفقد هويته أما المبدع الحقيقي ٠ فهو الذي يخاطب المستقبل ٠ مؤمنا بأن أعماله هي سفراؤه عبر الأجيال . إنها هي التي تدافع عنه في غيابه
٠ وهي التي تخلده في ذاكرة الإنسانية حين يصمت الإعلام الصاخب وتتآكل الدروع والشهادات الورقية .
ان المجد الحقيقي ليس في أن تكون ( الترند ) الحالي ٠ بل في أن تكون المرجع الدائم . فالمبدع الحقيقي هو من يترك خلفه أثرا لا يمحوه الزمن ٠ لأن قيمته مستمدة من ذاته ومنجزه ٠ لا من تصفيق الآخرين ٠٠٠
@إشارة


