كتب الفنان السعودي الدكتور: عصام عسيري.مقالة عن الفن كأصل استثماري جميل..ولماذا يتحوّل العالم إلى سوق الإبداع..

الفن كأصل استثماري جميل: لماذا يتحوّل العالم إلى سوق الإبداع؟

د. عصام عسيري

تمهيد تاريخي: الفن كقيمة تتجاوز الزمن

لم يكن الفن يومًا مجرد ممارسة جمالية، بل كان ولا يزال جزءًا من حركة الاقتصاد البشري منذ بدايات الحضارة. فمنذ أن تبادل الناس المشغولات الخزفية والخشبية والمعدنية والمنسوجات كسلع ذات قيمة، بدأ الفن يتخذ مكانه في السوق باعتباره منتجًا يحمل مهارة وندرة ومعنى.

ومع عصر النهضة الأوروبية، أصبح الفنان جزءًا من منظومة اقتصادية وثقافية وحضارية متكاملة. كان دافنشي، مايكل آنجلو، رافايلّو، روبنز، رامبرانت وفلاسكيز يتقاضون أجورًا مجزية مقابل إبداع اللوحات الجدارية، والمنحوتات، واللوحات الزيتية، التي تتجاوز قيمُ كثيرٍ منها اليوم مئات الملايين من الدولارات.

ومع الحداثة ثم المعاصرة، دخلت الاتجاهات الجديدة: الانطباعية، التعبيرية، التجريدية، التكعيبية، السريالية… ثم جاء الفن المعاصر بأعمال تركيبية وممارسات رقمية، وصولًا إلى NFTs والفنون المعتمدة على الإنترنت والذكاء الاصطناعي.
الفن — مهما تغيّر شكله — يظل نتاجًا لوقتٍ وجهدٍ وتجريبٍ وإبداعٍ إنساني يصعب استنساخه، وهو ما يمنحه قيمته الاقتصادية.

لماذا يستثمر الناس في الفن؟

  1. قرار عاطفي قبل أن يكون ماليًا
    كثير من المقتنين يشترون الفن استجابةً لذكريات، أو إحساسٍ بالجمال، أو سحر اللون والشكل.
  2. جمالٌ يُسكن المكان كل يوم
    العمل الفني لا يُخزّن في خزنة، بل يُعرض أمامك. الجمال قيمة تُستهلك يوميًا.
  3. أصل طويل الأجل ينمو بقوة الفنّان وسمعته
    كلما ارتفع حضور الفنان وتجربته، ارتفعت قيمة أعماله.
  4. لا يحتاج لميزانية تشغيلية
    الحفظ، الإطار، والإضاءة غالبًا هي كل المتطلبات بعد الشراء.
  5. أداة ذكية لتنويع المحافظ الاستثمارية
    يعدّ الفن من الأصول التي تقاوم التضخم، وتعمل كحماية للثروة على المدى الطويل.
  6. حامل للتراث والقيمة الحضارية
    العمل الفني يجمع بين الذاكرة والهوية، ويُقدَّر ثقافيًا قبل أن يُقدَّر ماليًا.
  7. عنصر تصميمي يضيف فخامة وعمقًا للمساحات
    لذلك يفضّله المعماريون والمصممون ومطوّرو العقار.
  8. محفّز للذاكرة والخيال
    الفن يحرّك التفكير ويضيف معنى للمكان.
  9. استثمار في الإنسان قبل المادة
    كل قطعة فنية هي خلاصة تجربة وقصة حياة وافكار ومشاعر جياشة.
  10. دعم لمنظومة الإبداع المحلية
    شراء الفن يخلق حركة اقتصادية وثقافية داخل المدن.
  11. وجاهة اجتماعية وذوق رفيع
    رجال الأعمال والمشاهير والمسؤولون يقتنون الفن لأسباب جمالية واقتصادية واجتماعية.

نصائح لاقتناص الفرص الذكية في سوق الفن:

  1. اقتنِ أعمال فنانين جادين ذوي دراية بخطابهم الفني.
  2. استشر خبيرًا عند شراء أعمال كبيرة القيمة.
  3. احتفظ بوثائق الشراء وشهادات الأصالة.
  4. اهتم بأساليب الحفظ والتخزين وجاذبية العرض.

محاذير يجب تجنّبها:

  1. لا تبالغ في نسبة الفن داخل محفظتك الاستثمارية.
  2. احذر الأعمال المقلّدة أو المشبوهة المصدر، واشترِ من قالريات وأشخاص موثوقين.
  3. لا تهمل الحفظ والنقل والتركيب، فالأعمال حساسة جدًا للضوء والحرارة والرطوبة والهواء.
  4. لا تطمع في أرباح غير منطقية فالسوق يحتاج صبرًا ونَفَسًا طويلًا ومرونة في التفاوض والبيع.

إن البيانات والإحصاءات الصادرة عن سوق الفن مؤخرا في 2025 من عدة جهات معتبرة تشير إلى تحولٍ عالمي نحو الاستثمار في الأعمال المتوسطة السعر والفنانين الجدد، وابتعادٍ نسبي عن الأعمال فائقة الرفاهية والغالية رغم تحقيق صفقات خرافية عند دور مزادات ضخمة.

توقعات سوق الفن 2025–2026:
السوق يتجه إلى استقرار ثم نمو تدريجي بعد موجة التذبذب الاقتصادي العالمي.

الأعمال المتوسطة في الفئات السعرية (3,000–30,000 دولار) ستكون الأكثر جذبًا للمستثمرين.

ارتفاع الطلب على الفن العربي والأفريقي والخليجي.

توسّع منصات البيع الرقمي والمعارض الافتراضية.

شركات إدارة الثروات ستعتمد الفن كأصل مكمل في محافظ نخبة العملاء.

ازدياد الاهتمام بالفن ذي الطابع الثقافي والهوية الوطنية.

ختامًا، لقد أصبح الاستثمار في الفن اليوم جزءًا من استراتيجية إدارة الثروات ودخرل اقتصاد المستقبل القائم على الإبداع الثقافي، وليس رفاهية نخبوية. إنه أصلٌ يمنحك جمالًا، ويضيف قيمة لمساحتك، ويحميك من التضخم، ويمكّنك من دخول سوق عالمي متنامٍ.

الفن قبل أن يكون سلعةً تُباع إنما هو قصة تُقتنى، وقيمة تُحفظ، وذاكرة وثقافة تُورَّث، ترتفع قيمته بين الشعوب المتحضّرة التي تقدّر الفن وتثمّن الإبداع وتبني اقتصادها عليه.

أخر المقالات

منكم وإليكم