هل وُلد الفينيقيون من رماد أوغاريت؟
قراءة في النصوص الأوغاريتية نفسها..
“”””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
الجزء الثاني
“”””””””””””””””
حين صمتت مدينة أوغاريت لم تصمت كلماتها.
لقد تركت لنا ألواحاً فخارية لا تحكي فقط عن آلهة وطقوس بل عن بنية فكرية وثقافية ودينية أيقنت بأنها ستستمر حتى بعد سقوط المدينة.

1. إيل: الأب الذي لم يغادر
   في أحد أهم نصوص أوغاريت الدينية يُوصَف الإله الأعلى إيل بهذه الصيغة:
   𐎛𐎍 𐎛𐎐𐎉 𐎛𐎍 𐎛𐎎𐎁
   ʾIl ʾab šnm ʾil ʾadmn
   “إيل، أبو السنين، إيل البشر”
   (KTU 1.4 IV)
   هذا الوصف لا يختفي بعد سقوط أوغاريت.
   في النقوش الفينيقية اللاحقة يبقى إيل الإله الأعلى الأب مصدر الحكمة والشرعية لا كإله محلي بل كـ بنية لاهوتية مستمرة.
   هنا لا نتحدث عن تشابه أسماء بل عن استمرارية مفهوم الإله الأعلى في الذهنية الساحلية.
2. بعل: سيد العاصفة الذي عبر الزمن
   في نص ملحمة بعل نقرأ:
   𐎁𐎓𐎍 𐎁𐎓𐎍 𐎁𐎍𐎊
   Baʿlu baʿlu bēl ṣpn
   “بعل. بعل. سيد جبل صفون”
   (KTU 1.2 III)
   جبل صفون (جبل الأقرع شمال أوغاريت) ليس مجرد موقع جغرافي بل كان محور كوني في العقيدة اللاهوتية الأوغاريتية.
   في الديانة الفينيقية. يستمر بعل كإله للعاصفة والخصب مرتبط بالجبال والبحر مع انتقال مركز العبادة جنوباً.
   كأن بعل غادر مع أتباعه محتفظاً بوظيفته متخلياً فقط عن عنوانه القديم.
3. عناة: الصوت الذي لم يخفت
   في نص آخر، تصرخ عناة:
   𐎓𐎐𐎚 𐎛𐎍𐎚 𐎃𐎍𐎁
   ʿAnatu ʾalṭ ql b qrb
   “عناة ترفع صوتها في قلب المعركة”
   (KTU 1.3 II)
   عناة. الإلهة المحاربة تظهر لاحقاً في المشرق الفينيقي بأسماء وصيغ متعددة محافظة على ذات الدور:
   القوة. الحماية. والارتباط بالحرب والخصب معاً.
   الاستمرارية هنا رمزية ووظيفية لا شكلية.
4. اللغة: الجسر الصامت
   في أحد النصوص الإدارية الأوغاريتية نجد الصيغة:
   𐎋𐎗𐎎 𐎍𐎎𐎍𐎋
   krm lmlk
   “كرم للملك”
   (KTU 4.161)
   هذه البنية اللغوية تكاد تكون مطابقة للفينيقية والعبرية لاحقاً.
   الجذر والتركيب والاقتصاد اللغوي نفسه ما يؤكد أن التحول لم يكن قطيعة بل استمراراً ضمن نظام أبجدي أكثر بساطة.
   الأبجدية الفينيقية لا تبدو اختراعاً من فراغ بل وريثة فكرة أوغاريتية أعمق.
5. الإنسان الأوغاريتي حاضر في الغياب
   في نص حكمي أوغاريتي نقرأ:
   𐎍𐎁𐎍 𐎛𐎍𐎎 𐎍𐎐𐎅
   l bʿl ḥlm lnʿ
   “لبعل الحلم وللإنسان السعي”
   (KTU 1.23)
   هذا النص يعكس رؤية فلسفية للعالم:
   الآلهة تمنح الرؤيا والإنسان يصنع الطريق.
   وهي ذات الرؤية التي سنجدها لاحقاً في العقلية الفينيقية:
   بحّار. تاجر. منشئ مدن.
   لا ينتظر المعجزة.
   بل يصنعها.
   الخلاصة النصّية
   حين نضع النصوص الأوغاريتية جنباً إلى جنب مع الشواهد الفينيقية نصل إلى نتيجة واضحة.
   الآلهة لم تختفِ
   اللغة لم تنقطع
   الذهنية لم تُمحَ
   والذي احترق هو الحجر لا الذاكرة.
   سقطت أوغاريت كمدينة-دولة مركزية. لكن سكانها وذاكرتها انتقلوا إلى الساحل في جبيل صور صيدا ليؤسسوا نموذج الفينيقيين :
   مدن مستقلة أكثر مرونة
   حضارة بحرية تعتمد على التجارة
   استمرار للآلهة واللغة والذاكرة الثقافية
   البشر أخذوا معهم الطين ليس بمعناه المادي بل بما يحمله من معرفة وحكمة ونصوص وعقيدة.
   الطين الذي سمع همساتهم صار البحر مسرحًا لهم.
   الفينيقيون لم يولدوا من رماد أوغاريت بل خرجوا من ألواحها الطينية وذكرياتها الحية.
   الخلاصة
   أوغاريت لم تمت.
   لقد تحولت وتشتت أهلها ونُقلت حضارتها عبر البحر لتظهر في الفينيقيين الذين سيغزون التاريخ بالتجارة البحرية والثقافة حاملين معهم الآلهة نفسها اللغة نفسها والذكريات نفسها..

سرد تاريخي.
“””””””””””””””””
عاشق اوغاريت. غسان القيم..𐎂𐎎𐎐
𐎍𐎖𐎊𐎎
المراجع العلمية..التي استند إليها البحث
“””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
KTU – Keilalphabetische Texte aus Ugarit
Dietrich, Loretz, Sanmartín, Ugarit-Verlag.
Mark S. Smith,
The Ugaritic Baal Cycle, Brill, 1994.
Pierre Bordreuil & Dennis Pardee,
A Manual of Ugaritic, Eisenbrauns, 2009.
Marguerite Yon,
Ugarit at Ras Shamra, Eisenbrauns, 2006..

هذه ترجمة عربية دقيقة للمراجع العلمية ..
“”””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
KTU – النصوص المسمارية الأبجدية من أوغاريت
ديتريش. لورتس. سانمارتين،
دار نشر أوغاريت (Ugarit-Verlag).
(مجموعة علمية معيارية لنشر نصوص أوغاريت المسمارية بالأبجدية الأوغاريتية)
مارك س. سميث
دورة بعل الأوغاريتية
دار بريل للنشر، 1994.
(دراسة تحليلية للنصوص الأسطورية الخاصة بالإله بعل في أوغاريت)
بيير بودرويل و دنيس باردي
دليل اللغة الأوغاريتية
دار أيزنبرونز للنشر، 2009.
(مرجع لغوي أساسي لتعلّم قواعد اللغة الأوغاريتية ونصوصها)
مارغريت يون
أوغاريت في رأس شمرا
دار أيزنبرونز للنشر 2006.
(عرض شامل لتاريخ مدينة أوغاريت عمرانها، مجتمعها، واكتشافاتها الأثرية).

الصورة المرفقة مدينة اوغاريت الأثرية بقصورها ومنازل سكانها وشوارعها كما تخيلها لي الذكاء الاصطناعي

*****************
المصادر :
– موقع العربية.نت
– موقع: الشرق الاوسط
– موقع : اليوم السابع
– موقع العين
https://www.mojeh.com
– موقع (CNN)– العربية
– موقع: الاهرام
– موقع: صحيفة – الرياض
-صحيفة الثورة السورية
– موقع المصرى اليوم
– مواقع تواصل إجتماعي – فيس بوك – ويكبيديا
– مجلة فن التصوير
– إيليت فوتو آرت: https://elitephotoart.net
**********