التكعيبية هي الأساس الهندسي للفن الواقعي – رؤية فلسفية للفنانة التشكيلية نجلاء لحبيبي حول العلاقة بين التكعيبية والواقعية في الفن التشكيلي … 🎨
بقلم : الفنانة التشكيلية نجلاء لحبيبي … ✍
إن الفن التشكيلي، في جوهره، ليس مجرد عملية نقل بصري، بل هو فعل إدراكي ومنطقي يتجاوز التقليد إلى التحليل والتشييد. ومن هذا المنطلق الفلسفي والتحليلي، أطرح رؤيتي الخاصة، التي قد تخالف الترتيب التاريخي للمدارس، ولكنها تتفق تماماً مع منطق البناء الفني وعلم الإدراك البصري: أرى أن المدرسة أو الأسلوب التكعيبي هو أول الأساليب منطقياً، وأصل الأسس التي تُبنى عليها الواقعية.
إن هذا الاختلاف في النظرة لا يفسد للود قضية فنية، بل يفتح آفاقاً جديدة للتحليل المعمق.
- التكعيبية: الشيفرة الهندسية للنظرة
يبدأ العمل الفني بالتقاط النظرة واختيار الموضوع. وفي هذه اللحظة الحاسمة، يعمل عقل الفنان بصورة أوتوماتيكية ومبدئية على فك شيفرة المرئي؛ حيث يتم ترجمة المشهد إلى أجواء وتحويلات هندسية، وتُقارَب العناصر المعقدة إلى أحجام وأشكال أساسية (مكعبات، أسطوانات، كرات).
هنا بالتحديد، تبدأ مرحلتنا التكعيبية البنائية. هذه الأشكال ليست مجرد تفاصيل، بل هي الأساس التخطيطي القوي الذي يُسقط على اللوحة. إنها الهياكل المعمارية للعنصر، أو ما يمكن تسميته بـ الـ DNA البنائي للشكل. هذه المرحلة التحليلية هي التي تضفي على التكعيبية طابعاً تحليلياً جوهرياً، حيث تُصور التكوينات الأساسية للعنصر الواحد من عدة زوايا في آن واحد، قبل حتى أن تكتمل صورته النهائية.
إن التكعيبية ليست مجرد أسلوب فني اختاره بيكاسو وبراك؛ بل هي منهج إدراكي وبنائي إلزامي يمر به الفنان لتأمين توازن الشكل ومركزه، وضبط المسافات على القماش. - الواقعية: التخلص المُتقن وإخفاء الأساس
إذا كانت التكعيبية هي عملية البناء الهندسي، فما هي الواقعية في سياق هذه الفلسفة؟
في رؤيتي، الواقعية هي المرحلة اللاحقة التي تسعى إلى التخلص المتقن من تلك الهياكل التكعيبية الواضحة. هي محاولة لإخفاء الخطوط والأشكال التي بنت لنا أعمدة العمل، والوصول إلى المظهر النهائي الخارجي.
- فنان التكعيبية يختار البقاء في مرحلة الأساس، مُبْحِراً في الإبداع من خلال التباين اللوني والتوزيع على تلك الأُسُس الهندسية.
- فنان الواقعية ينتقل إلى مرحلة التحويل، حيث يقوم بتغليف تلك الأساسات الهندسية بالملامس والتظليل ليصبح العمل محاكياً للواقع الظاهري، أي أن الواقعية هنا ما هي إلا طبقة خارجية تُخفي العظام الهندسية.
لذا، يمكن القول: التكعيبية أساس العمل، والواقعية استكمال وتغطية لهدف بصري محدد.
- التكعيبية كـ “جسر تحرري” للواقعية
إن العلاقة الوطيدة بين هاتين المدرستين لا تكمن في التشابه، بل في التأثير والتطوير.
تاريخياً، قيدت الواقعية الكلاسيكية نفسها بنقل الطبيعة حرفياً ضمن قواعد المنظور الثابتة. وهنا يأتي دور التكعيبية كـ قوة ثورية ومحفزة:
لقد عملت التكعيبية على تحرير النظرة من الطابع الكلاسيكي المُقيّد بالمنظور الواحد، وحوّلت المدرسة الواقعية من مدرسة مقتصرة على نقل الطبيعة كما تبدو من زاوية واحدة، إلى طابع تصوري محترف، متحرر الإبداع والتصور.
لقد ألغت التكعيبية القاعدة الهندسية الكلاسيكية التقليدية عبر تطويرها؛ فقد استنبطت من الطبيعة أو نقلت الطبيعة، ولكن بتحرر كامل من النظرة العامة المجردة للأشياء. وبذلك، قدّمت التكعيبية أداة تحليلية للفنان للغوص في جوهر الشكل وبنيته، مما مكّن الواقعية اللاحقة من التعبير بعمق أكبر بدلاً من مجرد السطحية.
إننا كفنانين، نملك امتياز تقديم نظرات جديدة تقلب المفاهيم المألوفة. وفي تحليلي ونظرتي الفنية الشمولية، فإن البناء الهندسي التكعيبي يمثل الأبجدية الأولى التي تُرجم بها العالم إلى لغة القماش، سواء تم إبراز تلك الأبجدية كأُسلوب في لوحة تكعيبية، أو تم صقلها وتنعيمها للوصول إلى لوحة واقعية.
إنه لَمنطق يدعو إلى التحليل، يثبت أن التكعيبية هي الوعي التحليلي بالشكل، قبل أن تكون الواقعية هي المحاكاة البصرية للسطح.
المصادر الحرف والكلمة
الإتحاد العربي للثقافة
– مواقع تواصل إجتماعي – فيس بوك – ويكبيديا
– مجلة فن التصوير
– إيليت فوتو آرت: https://elitephotoart.net
*********


