خبز الميلادي
ذاكرة التنور في تراث ريف ساحلنا السوري الأصيل ..إنه نصٌّ تراثيّ مكتوب بالدخان والقمح
وسيرةُ بيتٍ سوريّ عرف كيف يحفظ كرامته..
“””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
في صباحات الساحل السوري، حين يختلط ضباب البحر برائحة الحطب المشتعل يولد خبز الميلادي لا كطعامٍ عابر بل كطقسٍ اجتماعيّ وروحيّ يحمل في دفئه ذاكرة الأجداد. هو خبزٌ ظلّ شاهداً على تعاقب الفصول وعلى صبر البيوت الحجرية التي كانت تعرف أن الخبز ليس مجرد عجينٍ ونار، بل حكاية تُورَّث.
يُعدّ خبز الميلادي من أقدم أنواع الخبز التقليدي في قرى الساحل واسمه كما يرويه كبار السن مرتبط بـ“الميلاد” بمعناه الواسع: ميلاد القمح من الأرض وميلاد الخبز من النار وميلاد الدفء في قلب البيت. كان يُحضَّر في مواسم بعينها وغالباً في الأيام التي تجتمع فيها العائلة فيكون الخبز مناسبة بحد ذاته لا تابعاً للمائدة.
يصنع خبز الميلادي من طحين القمح البلدي المطحون على مهل والمختمر بعجينٍ قديم محفوظ بعناية كأن فيه روح الخبز السابق. العجين هنا لا يُستعجل يُعجَن باليد ويُترك ليرتاح، ثم يُعاد لمسه بحنانٍ يعرفه من ورث المهنة لا من تعلّمها في كتب.
كانت النساء يقرأن في العجين علامات الطقس ويعرفن من ملمسه إن كان يومه بارداً أم ماطراً فالعجين ابنُ الجو كما هو ابنُ الأرض.
التنور في تراث الساحل ليس أداة بل مركز الحياة. تُشعل ناره بالحطب اليابس وتُمسح جدرانه الطينية ثم تُلصق أرغفة الميلادي على جدرانه الساخنة. في تلك اللحظات، تتعالى رائحة لا تشبه سواها، رائحة تختصر البحر والغابة والقمح معاً.
كان الأطفال ينتظرون قرب التنور والجدّات يوزعن أول رغيف “سخن” كبركة لأن الخبز الأول دائماً له نصيب القلب.
خبز الميلادي ليس وصفة ثابتة بقدر ما هو هوية متحوّلة يختلف شكله وسُمكه قليلاً من قرية لأخرى لكنه يحتفظ بروحه الجامعة:
البساطة
والاكتفاء
والصدق.
لذلك بقي هذا الخبز حاضراً في الذاكرة الجمعية حتى مع دخول الأفران الحديثة وتغيّر أنماط الحياة.
اليوم، ما زال هناك من يتمسّك بصناعة خبز الميلادي لا بدافع الربح بل وفاءً للتراث. نساءٌ ورجالٌ يرون في هذا الخبز رسالة صامتة تقول إن ما صمد قروناً لا يجوز أن يُنسى. هم حراس الذاكرة يشعلون التنور كما كان ويعلّمون أبناءهم أن الخبز الذي لا رائحة له لا روح فيه.
خبز الميلادي هو أكثر من غذاء
إنه نصٌّ تراثيّ مكتوب بالدخان والقمح
وسيرةُ بيتٍ سوريّ عرف كيف يحفظ كرامته
من خلال رغيفٍ دافئ.
وبقدر ما يبقى هناك من يعجن هذا الخبز
سيبقى الساحل يروي حكاية أجداد
آمنوا أن الخبز حياة..
عاشق اوغاريت.. غسان القيم..
******
المصادر:
– مواقع تواصل إجتماعي – فيس بوك – ويكبيديا
– موقع المصرى اليوم – موقع عكاظ
– مجلة فن التصوير
– إيليت فوتو آرت: https://elitephotoart.net
*********


