ليوناردو… الطفل الذي حمل قلب النهضة.

د. عصام عسيري

في صباح ربيعي من عام 1452، وُلد في قرية هادئة تدعى “فينشي” طفلٌ لم يكن أحد يتخيّل أن اسمه سيظل يتردد عبر القرون: ليوناردو، ابن كاتب عدل مرموق وفتاة ريفية بسيطة. لم يجتمع والداه، لكن الطبيعة احتضنته كأم ثانية. كان يركض بين الحقول، يراقب حركة الطيور، يتأمل تيارات الماء، ويتساءل: لماذا تحلّق الطيور؟ كيف تتحرك الغيوم؟
لم يكن مجرد طفل… كان عينين مفتوحتين على العالم.

فلورنسا… حيث يذوب الحجر في يد الفنان:
حين بلغ ليوناردو الخامسة عشرة، أرسله والده إلى فلورنسا، مدينة النهضة ومسرح العباقرة. هناك التحق بورشة أندريا ديل فيروكيو، حيث تعلّم أسرار الألوان، وصياغة الذهب، والنحت على الحجر. تقول الحكايات إن أستاذه، حين رأى كيف أكمل ليوناردو ملاكًا في لوحة كان يعمل عليها، أدرك أن التلميذ تجاوز المعلّم، فوضع فرشاته جانبًا.

بين القصر والكنيسة… فنان وراوي، لوحة العشاء الأخير:

على جدار دير سانتا ماريا ديلي غراتسي في ميلانو، رسم ليوناردو مشهدًا يختزل الدهشة والخيانة في لحظة واحدة. المائدة طويلة، المسيح في الوسط، عيناه هادئتان، يداه منفتحتان وكأنه يستقبل مصيره، فيما التلاميذ حوله يتفاعلون بصدمة وغضب وهمس. الألوان خافتة لكن الوجوه تنبض بالحياة، وكأنك تسمع وقع الكلمات التي قالها: “أحدكم سيسلمني.”

الموناليزا:
وجه أنثوي هادئ، مائل قليلًا، عينان تتبعانك أينما تحركت، ابتسامة غامضة لا تستطيع الجزم إن كانت فرحة أم حزينة. في الخلفية، مشهد طبيعي ضبابي من جبال وأنهار، مرسوم بتقنية السفوماتو، حيث يمتزج الضوء بالظل بلا خطوط حادة. جمالها ليس في ملامحها فحسب، بل في السر الذي تخفيه، كُتب عنها ألوف المقالات ومئات الدراسات فاصبحت اغلى لوحة في العالم يتجاوز سعرها المليار يورو.

الرجل الفيتروفي:
رسمٌ بقلم الحبر لرجل عارٍ داخل دائرة ومربع، ذراعاه وساقاه في أوضاع مختلفة، يعكس فهم ليوناردو العميق لتناسق الجسد البشري وفق نسب فيتروفيوس المعمارية. هو أكثر من رسم تشريحي، إنه بيان فلسفي بأن الإنسان هو مقياس الكون.

الدفاتر… مختبر أحلام المستقبل:
صفحات ملأى برسومات لأجهزة طيران تشبه الطيور، طائرة حلزونية تمهّد لفكرة الهليكوبتر، غواصة بدائية، جسر متحرك يعبر الأنهار، درع حربي يشبه الدبابة، دراسات في علوم الأحياء والهندسة والميكانية والتشريح والطيران. كل صفحة مزيج من الخط الإيطالي المعكوس الذي كان يكتبه ورسومات تنبض بالخيال العلمي، وهناك من يرى أن هذه من التراث الإسلامي في خزائن الكنيسة أثناء سقوط بغداد والأندلس.

ميلانو… عبقرية في خدمة البلاط:
في بلاط لودوفيكو سفورزا بدوقية ميلانو، صمّم عروضًا مسرحية أعمالاً ميكانيكية، ونظم احتفالات ملكية تملأ القاعات بالدهشة. كان يستطيع أن يبتكر آلية لرفع تمثال عملاق، ويعود في اليوم نفسه ليرسم لوحة تُحرك مشاعر الإنسان. أسس فيها مدرسة لتعليم الفن كان يُعلّم فيها صناعة الألوان ودروس التشريح أساسيات الرسم الزيتي.

إلى فرنسا… وهدوء النهاية:
في أواخر حياته، انتقل إلى قصر كلوس لوسي في فرنسا، حيث كان الملك فرانسوا الأول يزوره باستمرار ليحادثه عن الفن والهندسة والحياة. هناك، في غرفته المطلة على الحدائق، بقيت أوراقه وأدواته، حتى فارق الحياة في 2 مايو 1519.

إرث لا يموت:
ليوناردو لم يكن مجرد رسام أو مخترع، كان شاعرًا بالفكرة ورمزًا بارزًا من رموز العصر النهضة ورائدا للإنسانية، وصائدًا للأسرار، هناك شُبهة بأنه هو من صنع كفن المسيح بكنيسة تورينو لصالح آل مدتشي. تعتبر لوحاته من روائع الفن العالمي ومن الأعمال الخالدة في تاريخ الفن، هي كنوافذ على عوالم داخلية، ومخطوطاته كجسر بين الحلم والحقيقة. وبعد خمسة قرون خسر العالم تحارب الطيران الذي رسم أجزاؤه، ولا تزال الموناليزا تبتسم للمتلقين، والعشاء الأخير يتحدث، والرجل الفيتروفي يمد ذراعيه ليحتضن فكرة أن الإنسان هو مركز الكون.

رأيكم عن دافنشي يثريني 💐

للاطلاع على سيرة الفنان ومجمل أعماله على الرابط:
https://leonardoda-vinci.org

******

معرض الصور:

**********************

المراجع والمصادر:

مواقع إجتماعية- فيس بوك

fotoartbook

elitephotoart

 

اترك تعليقاً