صدمة اللقاء الثاني في المسرح

بقلم د.علي خليفة

في مسرحية ليمون صقلي حلو لبيرانديللوومسرحية صديق أيام الشباب لإدمون سيهقد تلتقي بمن أحببته يومًا بعد سنوات طويلة من بعدك عنه، وقد تلتقي أيضًا بمن كان لك صديقًا حميمًا بعد سنوات طويلة فرقت بينكما، وغالبًا ما يكون هذا اللقاء الثاني صعبًا على الطرفين، وغالبًا ما يسوده البرود والتكلف في الحديث.وقد عالج الكاتب الإيطالي لويجي بيرانديللو قضية اللقاء الثاني بين الحبيبين اللذين باعدت بينهما الأيام واختلاف الاهتمامات في مسرحيته “ليمون صقلي حلو” – وقد صاغها قصة أيضًا – وفي هذه المسرحية نعرف أنه قد نشأت قصة حب بين فتى وفتاة من مدينة بسيطة، وهما فقيران، ويرى الشاب أن حبيبته لديها صوت جميل، ويساعدها لتتعلم الموسيقى والغناء، وتسافر لمدينة كبيرة، ويذيع صيتها فيها، ويأتيها هذا المحب القديم بعد سنوات ومعه هدية ليمون اشتهرت به مدينته، ولكنه يكتشف أنه لم يعد يمثل لها سوى ماضٍ ترغب في تجاهله، ويشعر الشاب بالحرج، ويغادر بيتها والمدينة الكبيرة التي تعيش فيها عائدًا لمدينته التي تحتفظ بالنقاء في العلاقات الإنسانية؛ ولم تلوث بزيف المدنية، كليمون بلده المحتفظ بطزاجته وجماله.

وعالج الكاتب الفرنسي إدمون سيه لقاء الصديقين اللذين كانا حميمين بعد سنوات طويلة من فراقهما في مسرحيته “صديق أيام الشباب”.أما أحد هذين الصديقين فقد صار مساعد وزير له نفوذ وسلطة ومكانة بعد أن كان في شبابه فقيرًا يمارس كتابة الشعر، ونشر ديوانًا خلال دراسته بكلية الحقوق، وكان يعشق فتاة جميلة فقيرة اسمها جورجيت، ولكنه في سبيل تطلعاته نبذ الشعر وحبيبته الفقيرة، وهجر كل ما يربطه بالرومانسية، وتزوج من ابنة لأحد الوجهاء الأثرياء، وسار في دروب الحياة بخطى مدروسة تكفل له الوصول للمناصب الكبيرة، وقد كان له ما أراد، وهو الآن يعيش حياة مستقرة رغدة ينعم فيها بالإجلال والتقدير ولو ظاهريًّا على الأقل.أما صديقه الآخر مسيو لامبريش فقد سلك طريقًا أخرى، لقد استمر في كتابة الشعر والاجتماع بأصحابه الشعراء، وكونوا مجلة بسيطة؛ لينشروا فيها إبداعاتهم، وتزوج لامبريش من محبوبته التي أحبها خلال فترة الدراسة، ولكنه أصيب بنكبات كثيرة، فقد فصل من الجامعة لاصطدامه بأحد الطلاب المشاغبين وضَرْبِهِ هذا الطالب، ولضعف سمعه، ووجد صعوبة في إيجاد عمل يرتزق منه؛ ولذا تدهورت به الأحوال حتى عمل ناسخا للكتب، ويضاف لهذا على المستوى الأسري موت ابنه الوحيد بعد مرضه، ولجوئه هو وزوجته للشراب؛ لينسيا مأساتهما.وكان نائب الوزير يظن حين علم بعنوان صديقه القديم أنه ما زال يعمل بالجامعة، وأنه في أحسن حال مثله، ولكنه حين استمع لمآسيه لم يشعر بعطف نحوه، بل شعر باشمئزاز وضيق، وخشي أن يكون صديقه القديم يحسده على النعيم الذي يعيش فيه؛ ولذلك لا يعرض عليه الوظيفة التي استدعاه من أجلها، وهي تعليم ابنه الصغير، بل يعرض عليه مبلغًا من النقود، ويرفض لامبريش أخذه في إباء مع احتياجه الشديد له.ومن الغريب أن لامبريش الذي يبدو في هذه المواجهة مع صديقه القديم ضائعًا مفلسًا قد نالته نكبات كثيرة – يشعر أمام صاحبه أنه – مع ذلك – الأقوى، فهو لم يتغير عن مبادئه القديمة، ولم يكن متسلقًا كصاحبه، فلم يتزوج إلا من أحب، ولم يغادر عالم الشعر، وقد أوحت له المحن العديدة التي مر بها أن يكتب روائع شعره.ومع نهاية هذه المسرحية وقبل أن يغادر لامبريش قصر صاحبه يقول له: حين لا تكون وزيرًا أو قريبًا من هذا، وحين تعود للشعر أقبل عندنا في جماعتنا ومجلتنا، فسوف نضغط على أنفسنا ونفسح لك مكانًا كبيرًاأو صغيرًا. وينصرف لامبريش وقد شعر نائب الوزير بضيق شديد، فقد فتح عليه هذا الصديق بعض ملفات الماضي التي يرغب في نسيانها؛ ولهذا يرى الحل في الخروج من هذا الضيق بالاستغراق في عمله.

المصدر صفحة المسرح العالمي

أخر المقالات

منكم وإليكم