كتب الزميل اركان الزيدي في لقاء مع الرائد المسرحي الفنان د.عزيز جبر هذه المحاورة..
عزيز جبر .. الفنان والمربي
ان اول ما ينبغى لمعلم الفن ان يدركه موقفه كمرب، قبل ان يكون معلم مادة، فالمادة ما هى الا وسيلة لاكتساب الكثير من القيم التى تساعد الطالب على ان يحيا حياة سليمة فى ظل مجتمعه الذى يعيش فيه، وكما يجب ان يعي المعلم انه اول فنان قد تمكن الطالب من مقابلته؛ فهو يعمل على تكوين اتجاهات ايجابية نحو الطلاب وان يتقبلهم؛ محاولا تنمية قدراتهم فى حدود المستويات التى عليها استعدادتهم، ويعي المعلم انه من خلاله سوف تتم الرؤية الفنية؛ والادراك البصرى للتلاميذ، ومن ثم ظهور الانتاج الابتكارى.
الدكتور عزيز جبر الساعدي فنان له بصمة فنية متميزة العراق سواء في التلفزيون أو المسرح أو السينما، واعماله الفنية التي قدمها منحته قيمة انسانية ومحبة تلامذته حيث ما زال يقدم لهم من خزين تجربته الفنية والانسانية الكثير، ورغم كل الظروف والمحبطات التي تكتنف الحركة الفنية الان مازال مواظبا على العطاء..
انه الفنان عزيز جبر الساعدي من مواليد منطقة (الكسرة) ببغداد عام 1953 والكسرة هي مسقط الراس والطفولة ، وكان أخوته جميعا كانو ا قد امضوا شبابهم وعلاقاتهم طبعا بالرياضة الذي هو من أهم ماتتميز به تلك المنطقة الشعبية ، وملعب الكشافة فيها … طيبة الناس وعلاقاتهم الجميلة كلها تحمل نكهة لاتوصف.
رغم ان الاب والام فارقوه بوقت مبكر فعندما كان صغير توفى الوالد وحين كان في المرحلة المتوسطة فارقته الوالدة ولكنهم تركوا اثار مهمة في شخصيته من خلال علاقاتهم الانسانية وطيبتهم مع الاخرين .. وكانت علاقته بالكتاب منذ وقت مبكر جدا من عمره حيث انه كما يقول في حديث صحفي (عشت طفولة ربما تختلف عن اخوتي الذين كانت اهتماماتهم الرياضية في المقام الاول اما انا فكنت اجد في الكتاب الانيس الوحيد لي خصوصا اني لا احبذ الجلوس في المقاهي كما كان يفعل البعض من ابناء جيلي في ذلك الوقت لذلك اقول ان الكتاب منحني الفضاء للتحليق في المعرفة وتكوين شخصيتي).
بعد أن أنهى دراسته الاعدادية دخل كلية الفنون قسم المسرح في بغداد مضطراً على أمل أن يقبل في كلية التربية الرياضية كونه كان مولعاً بكرة القدم ، ولكن محاضرته الاولى مع الاستاذ والفنان ابراهيم جلال ، وكلام ابراهيم جلال عن المسرح أشعل في رأسه الرغبة في أكمال الدرب في هذا المجال..
إبراهيم جلال،، من الشخصيات التي تركت اثرا عميقا في حياة عزيز جبر الفنية ومن أهم
الدروس معه كانت مسرحية (البيك والسائق) وهي تعريق عن نص (السيد بونتيلا وتابعه) لبرخت.. ثم مسرحية المتنبي ، ويقول عنه عزيز جبر (كانت دروس عملية لايمكن اختصارها بكلمات كان مٌنظراً مقتدرا كونه يحمل فكر ماركسي استطاع التأثير على الكثير من الطلبة والفنانين يحاول في أعماله أن يجسد تلك الأفكار بالمنظر أحيانا وبالفعل
أحيانا أخرى، كان يعطي للممثل حرية التعبير ولكنه سرعان ما يشده إلى أفكاره التي يريد ترجمتها بالوصف والإسهاب بالشرح للممثل في نقل التصور ألقيمي لمجمل الأفكار.
ويتذكر الاستاذ عزيز حياته الدراسية في الكلية فيقول ( هناك طريفة لابد من ذكرها، كان
معظم الطلبة يعتقدون أنني شيوعي، وخاصة طلبة الاتحاد الوطني لأنني كنت أقول لهم دائما الشيوعيون حينما يكسبون احد لحزبهم،. يذكروهم أن الطريق ليس معبد بالورود فلا نريد خداعك؟ وانتم تخلقون لهم الأحلام الوردية، طبعا هذا من تأثير إبراهيم جلال،، الذي كان يعمل بحب مع ممثليه،، يثور ويغضب وسرعان ما يعود للاسترخاء،، كان تعامله مع النجوم غير البقية من الممثلين وخاصة الشباب يجعل لهم مقدار وفسحة من الاحترام) ، ثم يعود ليتذكر الاستاذ الراحل ابراهيم جلال ، فيقول (من ذكرياتي معه رحمه الله، قلت له َّ احد اّلمرات وقد كان يعطينا دروس َّ الاخراج اّلمسرحي حينها: أستاذ إبراهيم،، يوسف العاني لم يستطع آن يترجم ما تريد ومع ذلك لم تغضب عليه ولم تشرح له مثل ما تفعل مع البقية؟ أجابني،، هذا درس لكم في الإخراج،، هو كيف تتعاملون مع ممثليكم منهم النجم ومنهم المغرور ومنهم الأناني ومنهم من يكره بعض الممثلين ومنهم من يحب ممثله وهي لاتدري !! وهكذا نفسيات متعددة وشخصيات تختلف من واحد لأخر (كن حملا وديعا
مع بعضهم وكن أسد جبارا مع بعضهم وكن مثلهم بالتفكير وكن مراهق أحيانا مع بعضهم وووو ، كي تنجح في قيادة مجموعتك) ثم أردف،، انا اذهب بعد التمرين الى بيت يوسف
العاني نجلس معا،، وبحكم علاقتي القوية معه اخذ حريتي ( برزالته ) وأعطيه ملاحظاتي التي أريدها منه لذلك تجده في اليوم الثاني يعطي أفضل ما عنده،هذا بعض مما عند إبراهيم جلال، كان يوصينا دائما بالقراءة اذا يقول هي زادكم اذا اردتم ان ترتقون بانفسكم وفنكم وعلميتكم رحمه الله برحمته).
ثم يعود ليتحدث عن علاقته بـ (د، إبراهيم الخطيب .. أول عمل مسرحي، كان لي مع د، إبراهيم الخطيب، تعلمت منه الهدوء وتشخيص الفعل ولكن سرعان ما أدركت انه لايصلح للمسرح أو لنقل كأسلوب مع الممثل هكذا كنت انظر إليه ربما لخلل في تشخيصي آنذاك
وقلة عملي معه فلا أريد إن اظلم قامة مديدة من الثقافة المسرحية العراقية آنذاك حتما تعلمت منه خطوات البداية ولا انسى ذلك).
أما جاسم العبودي ، فيقول عنه عزيز جبر .. (المرحوم جاسم العبودي المثقف اجتماعيا وفنيا كان يشجع وينمي الطاقات التي يحملها طلبته ، ويعطي الحرية للممثل في حركته
وهو دائما ينسق ويهندس حركة الممثل، يفسر كثيرا النص للممثل هو من دفعني لدراسة الاخراج المسرحي)
وعن الراحل قاسم محمد، يقول عزيز جبر (قاسم محمد، يعطي للممثل كل الحرية في الحركة ويهتم كثيرا بأداء الممثل والإخراج يأتي بالدرجة الثانية في العرض، قاسم مفكر ويخلق علاقة جميلة مع فريق عمله).
ثم يتحدث عن الراحل سعدون العبيدي، فيقول عنه.. (الرجل الطيب المثقف الممتلئ ثقافة مسرحيه وخلق عالي مع الممثل يتعامل معه وكأنه أستاذ مسرح، يعطي ملاحظاته بجمالية الكلمة وروحية المعنى، يهتم بالمنظر المسرحي والتكوينات وهذه قد جاءت حسب ظني من اهتماماته بالرسم).
كانت هي فرقة المسرح الفني الحديث أول فرقة مسرحية أهلية عمل فيها عزيز جبر
ولكنه عمل معهم سنة كاملة ، ولم يعطوه العضوية ؟ لأنهم كما يقول (حريصين على اختيار أعضائهم أخلاقيا ومهنيا وثقافيا’ وأحيانا قد لا تمنح العضوية الا بعد سنتين وخاصة مع الشباب كانوا تحت المراقبة وتكليفهم بكل الأعمال حتى يعرف كيف تعمل، وتشتغل هذه الفرقة العريقة التي أنجبت أفضل الأعمال المسرحية، وأول عمل معهم ( مسرحية الحومة ) أخراج سامي الحميد).. ثم عمل بعدها في فرقة المسرح الشعبي وفرقة اتحاد الفنانين الذين عمل معهم في (سائق اللوري) و(السمكة والحوت) وأول مسرحية تجارية هادفة مسرحية طرطوف أخراج خالد سعيد، بعدها فرقة 14 تموز للتمثيل ..
الحلة هي اول محطة لعزيز جبر بالتعيين الوظيفي ذهب إليها وهو نجم تلفزيوني ويقول عنها (أعطيت لها ولطلابي أفضل ما عندي، وكان ذلك عام1978 ، وتركت فيها نخلتين (زواج ابنتي الكبرى والصغرى) ، وكانت المأوى لي في مرحلة التهجير .. الحلة كأنها بغداد في كل شيء ببساطة ناسها وحب الناس لبعضهم , وطموح فنانيها لان يكونوا رقم مهم في العراق الفني , وهم للاسف كأي محافظة من محافظات العراق مهملة من قبل المركز, ولي تجربة مهمة في حياتي المسرحية في بابل حينما تشكلت أول فرقة قومية للتمثيل تابعة لدائرة السينما والمسرح , وقد عملت معهم اربعة أعمال أهمها بطولتي لمسرحية ابو الأمين الخليع والجارية شموس بداية الثمانينات أخراج د.سعدي يونس.
ثم رحل الى ليبيا في فترة الحصار في التسعينات ، وعن تلك الرحلة يقول : (تجربتي في ليبيا فيها أمور سلبية وايجابية , السلبية انها عطلتني عن التواصل الفني والعطاء التلفزيوني والكتابة , والايجابيات منحتني فرصة العيش الرغيد بكرامة في فترة الحصار) ثم يعود ليقول (فترة ليبيا أسميها استعراض عضلات أردت أن أقول لهم وللعراقيين (انا هنا) فقد قدمت أفضل تجربة في مجال إخضاع المادة المنهجية إلى عمل مسرحي ونجحت و الحمد لله. وعملت ولأول مرة في مسرح الصم والبكم اعني كسرت الرقم القياسي في العمل معهم حيث قدمت عملا استغرق عشرون دقيقة ، والمعروف إن العمل مع أصحاب الحاجيات لايتجاوز العشرة دقائق).
كان للأستاذ والفنان عزيز جبر تجربة مع مسرح الطفل فقد ترأس لجنة التحكيم لمهرجان مسرح الطفل الثالث – دائرة السينما والمسرح – ، وله العديد من المقالات في مسرح الطفل منشورة في عدد من الصحف والمجلات العراقية ، كما إنه أخذ شهادة الماجستير في مسرح الطفل عام2006 – 2007 ، وهو يقول عن واقع مسرح الطفل في العراق (ما يقدم اليوم لايوازي الطموح لإمكانية الطفل وتربيته) .وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة ايلز العالمية بامتياز
أبرز ما كتب عزيز جبر للمسرح (مسرحيةأدم الطيب, الجائزة, النبع الأول, حطب يابس وعود ثقاب, الأستاذ, لعبة الجنون, العام الجديد, إنسان معاصر وأخيراً مسرحية نداء العقل ’وهي مناجاة في حضرة الإمام الحسين عليه السلام) وغيرها من المسرحيات كما كتب للإذاعة العشرات من التمثيليات والمسلسلات الإذاعية , وفي الصحافة كتب منذ عام 1973 أول مقال بتأثير الكاتب والسياسي القدير منعم الاعسم, الذي شجعه كما يقول ونشر له أول موضوع.
أخيراً وفي كلام لي معه يقول عزيز جبر المربي والفنان لطلبته.. (أتمنى ان يجتهدوا لمصلحتهم أولاً ولرسالة المسرح ثانياً الطالب بلا ثقافة كقارب بلا مجداف).


