خطاط السعودية عبدالرزاق خوجة.يرسم ملامح ذاكرة وطن – د.عصام عسيري

خطاط السعودية عبدالرزاق خوجة

عبدالرزاق خوجة

: ذاكرة الخط التي رسمت ملامح الوطن

د. عصام عسيري

مقدمة: في عالمٍ تتكاثر فيه الوسائط الرقمية وتذوب فيه الحروف خلف الشاشات،

هناك أسماء نُقشت على صفحات الذاكرة الوطنية بالحبر والصبر، فصارت جزءًا من البنية البصرية للهوية. من بين هؤلاء،

يبرز الخطاط #عبدالرزاق_خوجة كأيقونة فنية

كتبت الريال السعودي، وزيّنت الصحف وكتب المدارس بالعناوين، ونحتت ملامح الخط العربي على جبين الزمن.

النشأة والبدايات: خطاط من مكة..

وُلد عبدالرزاق بن عبدالله خوجة في مكة المكرمة عام 1930، ونشأ في بيت متواضع احتضن الحرف والقرآن. ترك مقاعد الدراسة في سن مبكرة بعد المرحلة المتوسطة،

لكن الحروف لم تتركه قط. وجد في الخط العربي ملاذًا وجسرًا للتعبير عن ذاته، فتعلّمه ذاتيًا،

متتلمذًا على يد الملاحظة والتجربة والكدّ والتدقيق، في زمنٍ كان الخط فيه أكثر من كتابة: كان هوية.

لم يُدرس خوجة في مدارس فنون، بل تتلمذ على أيدي الصحف والطباعة، ومع مرور الوقت،

صنع لنفسه مسارًا خاصًا جمع فيه بين الفطرة الفنية والانضباط الحرفي.

مسيرة مهنية على الورق والعملات:

بدأ خوجة حياته المهنية خطاطًا في الصحف السعودية بمطبعة الاصفهاني بجدة منذ خمسينيات القرن العشرين،

حيث كتب العناوين والمانشيتات يدويًا لصحف مثل الندوة، عكاظ، البلاد والمدينة.

كان يخطّ العنوان كاملاً ثم يُصور لينشر على الصفحات الأولى، ما جعل اسمه يطبع على ذاكرة قرّاء المملكة لعقود.

غير أن النقلة الكبرى في مسيرته كانت حين التحق بـمؤسسة النقد العربي السعودي في عام 1375هـ،

حيث كُلّف بخطّ العملة السعودية الورقية والمعدنية.

تخيّل أن كل يدٍ سعودية تعاملت مع الريال أو فئة الخمسمئة كانت تلامس لمسة من خط عبدالرزاق!

كتب نصوص العملة الرسمية في عهد الملك فيصل، واستمر حتى الملك خالد، ثم الملك فهد، فكان شاهدًا على تحوّلات الدولة من خلال خطوطه.

كتب أيضًا توقيعات الملوك على جوازات السفر، ونقش الحروف على الأوسمة الملكية والميداليات الرسمية،

بل وصل الأمر إلى تصميم بعض الوثائق السيادية والخاصة.

جماليات خطه: صرامة التكوين ورهافة الذوق

لا يمكن قراءة خط عبدالرزاق خوجة دون أن نلحظ ثلاث سمات متلازمة فيه:

1. الدقة الصارمة:

فلكل نقطة وزن، ولكل حرف ميزان. حرصه على انتظام الخط ووضوحه كان أساسيًا، خصوصًا في مجال العملة، حيث يصبح كل تفصيل أداة أمنية وفنية في آنٍ واحد.

2. البساطة المتقنة:

في زمن كانت فيه النزعة الكلاسيكية والزخرفية تسيطر على كثير من الخطاطين، حافظ خوجة على بساطة تتيح قراءة سهلة وفهم مباشر، خصوصًا في المساحات الصغيرة مثل النقود أو الجوازات.

3. الهوية الوطنية:

في خطه بُعد سعودي خالص، لا يُقلّد المدارس العثمانية أو الفارسية بل يبتكر من روح النص، ويُطوّع الحرف ليتماهى مع الذائقة المحلية والبصرية.

خطه لا يستعرض، بل يخدم.

ليس زخرفًا، بل وثيقة. وربما لهذا بقي خالدًا في الذاكرة الجمعية للمجتمع، حتى وإن لم يعرفه الناس باسم،

فإنهم تعرّفوا إليه يوميًا من خلال الريال والعناوين.

:إرث في الصحافة والحرف: أمضى خوجة أكثر من خمسين عامًا في بلاط الصحافة ووكالات الإعلان والمطابع،

يخطّ المانشيتات يومًا بيوم، وكأن كل عنوان كان قطعة من يوميات الوطن.

كتب عناوين لأحداث تاريخية من أبرزها:

“40 مليون ريال للمشاريع العامة” — أول عنوان في صحيفته عام 1961م.

الخط في الصحافة ليس مجرد حروف، بل أداة لشدّ القارئ، والإيحاء بالثقة، والهيبة، والحيوية.

وقد أدرك عبدالرزاق هذا البعد البصري والنفسي مبكرًا، فجمع بين روحية الخط التقليدي ومتطلبات المطبعة الحديثة.

الجوائز والتكريمات:

رغم كونه بعيدًا عن الأضواء طوال حياته، حصل عبدالرزاق خوجة على تكريمات رمزية،

من أبرزها جائزة وتقدير مسابقة الخط العربي ضمن “الخط من تراثنا” التي نُظّمت في جدة عام 2019 برعاية أمير منطقة مكة الأمير خالد الفيصل.

وهو تكريم جاء متأخرًا، لكنه كشف عن تقدير المجتمع الفني والأكاديمي والثقافي لإرثه.

رحيله: غياب الحبر عن الورق

توفي عبدالرزاق خوجة في مارس 2025م عن عمر ناهز الخامسة والتسعين عامًا.

نعته المؤسسات الثقافية والفنية والصحف التي عمل معها، وعبّر كثيرون عن دهشتهم بأنهم كانوا يرون عمله يوميًا ولم يعرفوا اسمه.

بموته رحمه الله، طُويت صفحة من صفحات الحرف النبيل،

لكن بقيت أعماله شاهدة على مرحلة كان فيها الخط العربي شريكًا في صناعة الدولة وتشكيل الوعي،

يحتفي به أصدقاؤه الخطاين والإعلاميين على الدوام.

الخاتمة:

عبدالرزاق خوجة لم يكن مجرد خطاط، بل كان ناسخًا لهوية وطن،

كتب المملكة في أنفَس صورها:

على الريال، على الجواز، المطبوعلت الحكومية، على الصفحة الأولى للصحيفة، على كتب المدارس، الإعلانات، الأوسمة والدروع.

في زمنٍ تكاد تختفي فيه أسماء الخطاطين خلف البرامج الجاهزة،

يظل خوجة رمزًا لزمنٍ كان فيه الخط فنًا ووطناً معًا.

*********

معرض الصور:

*********************

المراجع والمصادر:

مواقع إجتماعية- فيس بوك

fotoartbook

elitephotoart

اترك تعليقاً